المكاسب ـ جلد الثاني ::: 161 ـ 170
(161)
العوض ـ نظير بعض ما يدخل في المبيع ـ فهو خلاف مقصود المتبايعين. مع أن هذا ـ كالتزام كون المبيع هو الورق المقيد بوجود هذه النقوش فيه ، لا الورق والنقوش ، فإن النقوش (1) غير مملوكة بحكم الشارع ـ مجرد تكليف صوري ، إذ لا أظن أن تعطل أحكام الملك ، فلا تجري على الخط المذكور إذا بنينا على أنه ملك عرفا قد نهي عن المعاوضة عليه ، بل الظاهر أنه إذا لم يقصد بالشراء إلا الجلد والورق كان الخط باقيا على ملك البائع فيكون شريكا بالنسبة ، فالظاهر أنه لا مناص من (2) التزام التكليف الصوري ، أو يقال : إن الخط لا يدخل في الملك شرعا وإن دخل فيه عرفا ، فتأمل.
    ولأجل ما ذكرناه التجأ بعض (3) إلى الحكم بالكراهة ، وأولوية الاقتصار في المعاملة على ذكر الجلد والورق بترك إدخال الخط فيه احتراما ، وقد تعارف إلى الآن تسمية ثمن القرآن ( هدية ).

    [ بيع المصحف من الكافر ]
    ثم إن المشهور بين العلامة رحمه الله ومن تأخر عنه (4) عدم جواز بيع
1 ـ في ( ف ) ، ( ن ) ، ( خ ) و ( ص ) : وإن النقوش ، وفي ( م ) و ( ع ) : وإن المنقوش.
2 ـ في غير ( ف ) : عن.
3 ـ هو العلامة الطباطبائي في مصابيحه ( مخطوط ) : 62 ـ 63 ، وتبعه صاحب الجواهر ، انظر الجواهر 22 : 128.
4 ـ انظر القواعد 1 : 121 ، وإيضاح الفوائد 1 : 407 ، والدروس 3 : 175 ، وجامع المقاصد 4 : 33 ، والمسالك 3 : 88.


(162)
المصحف من الكافر على الوجه الذي يجوز بيعه (1) من المسلم ، ولعله لفحوى ما دل على عدم تملك الكافر للمسلم (2) ، وأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه (3) ، فإن الشيخ رحمه الله قد استدل به على عدم تملك الكافر للمسلم (4) ، ومن المعلوم أن ملك الكافر للمسلم إن كان علوا على الإسلام فملكه للمصحف أشد علوا عليه ، ولذا لم يوجد هنا قول بتملكه وإجباره على البيع ، كما قيل به في العبد المسلم (5).
    وحينئذ ، فلو كفر المسلم انتقل مصحفه إلى وارثه ولو كان الوارث هو الإمام.

    [ تملّك الكفّار للمصاحف ]
    هذا ، ولكن ذكر في المبسوط في باب الغنائم : أن ما يوجد في دار الحرب من المصاحف والكتب التي ليست بكتب الزندقة والكفر داخل في الغنيمة ويجوز بيعها (6). وظاهر ذلك تملك الكفار للمصاحف ، وإلا لم يكن وجه لدخولها في الغنيمة ، بل كانت من مجهول المالك المسلم ، وإرادة غير القرآن من المصاحف بعيدة.
1 ـ لم ترد ( بيعه ) في ( ف ).
2 ـ كقوله تعالى : ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) النساء : 141 ، ورواية حماد بن عيسى المروية في الوسائل 12 : 282 ، الباب 28 من أبواب عقد البيع ، والإجماع المدعى في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 523.
3 ـ الوسائل 17 : 376 ، الباب الأول من كتاب الفرائض والمواريث ، الحديث 11.
4 ـ راجع المبسوط 2 : 167 و 168.
5 ـ حكاه المحقق في الشرائع 2 : 16 ، ولم نقف على القائل به بعينه.
6 ـ المبسوط 2 : 30.


(163)
    [ حكم أبعاض المصحف ]
    والظاهر أن أبعاض المصحف في حكم الكل إذا كانت مستقلة (1) ، وأما المتفرقة في تضاعيف غير التفاسير من الكتب ، للاستشهاد بلفظها أو معناها (2) ، فلا يبعد عدم اللحوق ، لعدم تحقق الإهانة والعلو (3).
    وفي إلحاق الأدعية المشتملة على أسماء الله تعالى ـ كالجوشن الكبير ـ مطلقا ، أو مع كون الكافر ملحدا بها دون المقر بالله المحترم لأسمائه ، لعدم الإهانة والعلو ، وجوه.

    [ هل تلحق الأحاديث النبويّة بالمصحف؟ ]
    وفي إلحاق الأحاديث النبوية بالقرآن وجهان ، حكي الجزم بهما (4) عن الكركي وفخر الدين قدس سرهما ، والتردد بينهما (5) عن التذكرة (6).
    وعلى اللحوق ، فيلحق اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطريق أولى ، لأنه أعظم من كلامه صلى الله عليه وآله وسلم ، وحينئذ فيشكل أن يملك الكفار الدراهم والدنانير المضروبة في زماننا ، المكتوب عليها اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
1 ـ في غير ( ص ) و ( ش ) : كان مستقلا.
2 ـ كذا في ( ص ) ، وفي غيرها : بلفظه أو معناه.
3 ـ لم ترد ( والعلو ) في ( ش ).
4 ـ كذا في ( ف ) ومصححتي ( ن ) و ( ص ) ، وفي ( خ ) ، ( م ) و ( ع ) : بها ، وفي ( ش ) : به. والصحيح ما أثبتناه ، لرجوع الضمير إلى الوجهين ، حيث حكى السيد العاملي ـ في مفتاح الكرامة ـ القول بالتحريم عن المحقق الكركي ، والجواز عن فخر الدين في شرح الإرشاد ، انظر مفتاح الكرامة 4 : 83 ، وحاشية الشرائع للمحقق الكركي ( مخطوط ) : الورقة 97 ، وأما شرح الإرشاد فهو مخطوط ولا يوجد لدينا ، نعم استقرب الكراهة في الإيضاح 1 : 396.
5 ـ كذا في ( ن ) و ( ص ) ، وفي ( ف ) : فيها ، وفي سائر النسخ : بينها.
6 ـ انظر التذكرة 1 : 463.


(164)
إلا أن يقال : إن المكتوب فيها غير مملوك عرفا ، ولا يجعل بإزاء الاسم الشريف المبارك من حيث إنه اسمه صلى الله عليه وآله وسلم جزء من الثمن ، فهو كاسمه المبارك المكتوب على سيف أو على باب دار أو جدار ، إلا أن يقال : إن مناط الحرمة التسليط ، لا المعاوضة ، بل ولا التمليك (1). ويشكل أيضا من جهة مناولتها الكافر مع العلم العادي بمسه إياه (2) خصوصا مع الرطوبة.
1 ـ في ( ف ) : ولا التكسب.
2 ـ في ( ف ) : إياها.


(165)
[ المسألة ] الثانية
    [ جوائز السلطان وعمّاله وصور المسألة ]
    جوائز السلطان وعماله ، بل مطلق المال المأخوذ منهم مجانا أو عوضا ، لا يخلو عن أحوال :
    لأنه إما أن لا يعلم أن (1) في جملة أموال هذا الظالم مال محرم يصلح لكون المأخوذ هو (2) من ذلك المال ، وإما أن يعلم.
    وعلى الثاني : فإما أن لا يعلم أن ذلك المحرم أو شيئا منه هو (3) داخل في المأخوذ ، وإما أن يعلم ذلك.
    وعلى الثاني : فإما أن يعلم تفصيلا ، وإما أن يعلم إجمالا ، فالصور أربع :

    [ الاُولى : أن لا يعلم بأنّ للجائر مال حرام يحتمل كون الجائزة منها ]
    أما الاولى ، فلا إشكال فيها في جواز الأخذ وحلية التصرف ، للأصل والإجماع والأخبار الآتية ، لكن ربما يوهم بعض الأخبار أنه يشترط في حل مال الجائر ثبوت مال حلال له ، مثل ما عن
1 ـ لم ترد ( أن ) في ( ش ).
2 ـ شطب على ( هو ) في ( ف ) و ( ن ).
3 ـ شطب على ( هو ) في ( ن ).


(166)
الاحتجاج عن الحميري ، أنه كتب إلى صاحب الزمان عجل الله فرجه يسأله عن الرجل يكون من وكلاء الوقف مستحلا (1) لما في يده ، ولا يتورع (2) عن (3) أخذ ماله ، ربما نزلت في قرية (4) وهو فيها ، أو أدخل (5) منزله وقد حضر طعامه ، فيدعوني إليه ، فإن لم آكل (6) عاداني عليه (7) ، فهل يجوز لي أن آكل من طعامه ، وأتصدق بصدقة؟ وكم مقدار الصدقة؟ وإن أهدى هذا الوكيل هدية إلى رجل آخر (8) فيدعوني إلى أن أنال منها ، وأنا أعلم أن الوكيل لا يتورع عن أخذ ما في يده ، فهل علي فيه (9) شيء إن أنا نلت منه؟ (10).
    الجواب : ( إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده ،
1 ـ في الوسائل ونسخة بدل ( ش ) : مستحل.
2 ـ في المصدر ونسخة بدل ( ش ) : ولا يرع.
3 ـ في ( ف ) : من.
4 ـ في المصدر و ( ص ) : قريته.
5 ـ في ( خ ) : وأدخل.
6 ـ في المصدر و ( ص ) ونسخة بدل ( ش ) زيادة : من طعامه ، وفي مصححة ( م ) : طعامه.
7 ـ لم ترد ( عليه ) في غير ( ش ).
8 ـ ورد في ( ف ) ، ( ن ) ، ( خ ) ، ( م ) و ( ع ) بدل عبارة : ( وإن أهدى ـ إلى ـ آخر ) العبارة التالية : وإن أهدى إلي هذا الوكيل.
9 ـ لم ترد ( فيه ) في ( ف ) ، ( خ ) ، ( م ) و ( ع ).
10 ـ عبارة : ( إن أنا نلت منه ) من ( ش ) والمصدر.


(167)
فاقبل بره (1) ، وإلا فلا ) (2) ، بناء على أن الشرط في الحلية هو وجود مال آخر ، فإذا لم يعلم به لم يثبت الحل ، لكن هذه الصورة قليلة (3) التحقق.

    [ الصورة الثانية : أن يعلم بوجود مال محرّم للجائر لكن لا يعلم بكون الجائرة منها ، وفيها حالتان : ]
    [ الحالة الاُولى : أن تكون الشبهة غير محصورة ]
    وأما الثانية ، فإن كانت الشبهة فيها غير محصورة ، فحكمها كالصورة الاولى ، وكذا إذا كانت محصورة بين ما لا يبتلي المكلف به وبين ما من شأنه الابتلاء به ، كما إذا علم أن الواحد المردد بين هذه الجائزة وبين ام ولده المعدودة من خواص نسائه مغصوب ، وذلك لما تقرر في الشبهة المحصورة (4) من اشتراط (5) تعلق التكليف فيها بالحرام الواقعي بكون كل من المشتبهين بحيث يكون التكليف بالاجتناب عنه منجزا لو فرض كونه هو المحرم الواقعي ، لا مشروطا بوقت الابتلاء المفروض انتفاؤه في أحدهما (6) في المثال ، فإن التكليف ـ حينئذ (7) ـ غير منجز بالحرام الواقعي على أي تقدير ، لاحتمال كون المحرم في المثال هي ام الولد ، وتوضيح المطلب في محله.
1 ـ في المصدر : فكل طعامه وأقبل بره.
2 ـ الاحتجاج 2 : 306 ، والوسائل 12 : 160 ، الباب 51 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 15.
3 ـ كذا في ( ص ) ، وفي سائر النسخ : قليل.
4 ـ راجع فرائد الاصول : 419 ( التنبيه الثالث ).
5 ـ في ( ش ) زيادة : تنجز.
6 ـ شطب في ( ف ) على عبارة : ( المفروض انتفاؤه في أحدهما ) وكتب بدله : إذا فرض عدم ابتلائه بأحدهما.
7 ـ من ( ف ) فقط.


(168)
    [ تصريح جماعة بكراهة أخذ الجائزة في هذه الحالة ]
    ثم إنه صرح جماعة (1) بكراهة الأخذ ، وعن المنتهى (2) الاستدلال له باحتمال الحرمة ، وبمثل قولهم عليهم السلام (3) : ( دع ما يريبك ) (4) ، وقولهم : ( من ترك الشبهات نجا من المحرمات ... الخ ) (5).
    وربما يزاد على ذلك : بأن أخذ المال منهم يوجب محبتهم ، فإن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها ، ويترتب عليه (6) من المفاسد ما لا يخفى.
    وفي الصحيح : ( إن أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينه مثله ) (7).
    وما (8) عن الإمام الكاظم من (9) قوله عليه السلام : ( لولا أني أرى من
1 ـ كالعلامة في المنتهى 2 : 1026 ، والشهيد الثاني في المسالك 3 : 141 ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8 : 86 ، والمحدث البحراني في الحدائق 18 : 261 ، والسيد الطباطبائي في الرياض 1 : 509 ، والسيد المجاهد في المناهل : 303.
2 ـ تقدم التخريج عنه.
3 ـ في ( ف ) : ولمثل قولهم ، وفي ( ن ) : وبمثل قوله ، وفي سائر النسخ : ولمثل قوله.
4 ـ الوسائل 18 : 127 ، الباب 12 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 56.
5 ـ الوسائل 18 : 114 ، الباب 12 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 9.
6 ـ في ( ف ) على ذلك.
7 ـ الوسائل 12 : 129 ، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 5.
8 ـ شطب على ( ما ) في ( ف ).
9 ـ شطب على ( من ) في ( ف ).


(169)
ازوجه بها (1) من عزاب آل (2) أبي طالب ـ لئلا ينقطع نسله ـ ما قبلتها (3) أبدا ) (4).

    [ ما يرفع كراهة الأخذ ]
    ثم إنهم ذكروا ارتفاع الكراهة بامور :

    [ 1 ـ إخبار الجائر بحلّية الجائزة ]
    منها : إخبار المجيز بحليته (5) ، بأن يقول : هذه الجائزة من تجارتي أو زراعتي ، أو نحو ذلك مما يحل للآخذ التصرف فيه.
    وظاهر المحكي عن الرياض (6) تبعا لظاهر الحدائق (7) أنه مما لا خلاف فيه. واعترف ولده قدس سره في المناهل (8) بأنه لم يجد (9) له مستندا ، مع أنه (10) لم يحك التصريح به إلا عن الأردبيلي (11) ، ثم عن (12) العلامة الطباطبائي (13).
1 ـ من ( ش ) والمصدر.
2 ـ في المصدر ونسخة بدل ( ش ) : بني.
3 ـ كذا في ( ش ) ومصححة ( ن ) والمصدر ، وفي سائر النسخ : ما قبلته.
4 ـ الوسائل 12 : 159 ، الباب 51 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 11.
5 ـ في ( ش ) : بحلية.
6 ـ الرياض 1 : 509 ، وحكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4 : 117.
7 ـ الحدائق 18 : 261.
8 ـ المناهل : 303.
9 ـ كذا في ( ف ) ، وفي غيرها : لم نجد.
10 ـ في ( ف ) شطب على ( مع أنه ) وكتب فوقه : و.
11 ـ مجمع الفائدة 8 : 86.
12 ـ في ( ف ) شطب على ( ثم عن ) ، وكتب فوقه : و.
13 ـ حكاه السيد المجاهد في المناهل : 303.


(170)
    ويمكن أن يكون المستند ما دل على قبول قول (1) ذي اليد (2) فيعمل بقوله ، كما لو قامت البينة على تملكه ، وشبهة الحرمة وإن لم ترتفع بذلك ، إلا أن الموجب للكراهة ليس مجرد الاحتمال ، وإلا لعمت (3) الكراهة أخذ المال من كل أحد ، بل الموجب له : كون الظالم مظنة الظلم والغصب وغير متورع عن المحارم ، نظير كراهة سؤر من لا يتوقى النجاسة ، وهذا المعنى يرتفع بإخباره ، إلا إذا كان خبره ك‍ ( يده ) مظنة للكذب ، لكونه ظالما غاصبا ، فيكون خبره حينئذ ك‍ ( يده وتصرفه ) غير مفيد إلا للإباحة الظاهرية الغير المنافية للكراهة ، فيخص (4) الحكم برفع الكراهة بما إذا كان مأمونا في خبره ، وقد صرح الأردبيلي قدس سره بهذا القيد في إخبار وكيله (5). وبذلك يندفع ما يقال (6) : من أنه لا فرق بين يد الظالم وتصرفه ، وبين خبره ، في كون كل منهما مفيدا للملكية الظاهرية غير مناف للحرمة الواقعية المقتضية للاحتياط ، فلا وجه لوجود الكراهة الناشئة عن حسن الاحتياط مع اليد ، وارتفاعها مع الأخبار ، فتأمل.
1 ـ لم ترد ( قول ) في ( ن ) ، وكتب عليها في ( خ ) : زائد.
2 ـ انظر الوسائل 18 : 214 ، الباب 25 من أبواب كيفية الحكم وآداب القاضي.
3 ـ في ( ص ) : عمت.
4 ـ في مصححة ( ن ) ونسخة بدل ( ص ) و ( ش ) : فيختص.
5 ـ راجع مجمع الفائدة 8 : 86.
6 ـ لم نقف على القائل.
المكاسب ـ جلد الثاني ::: فهرس