أمير المؤمنين عليه السلام واقتفى أثر الثلاثة ، فالقول بالاختصاص ـ كما استظهره في المسالك (1) ، وجزم به في إيضاح النافع (2) ـ وجعله الأصح في الرياض (3) ـ لا يخلو عن قوة.
[ حكم الجائر المخالف الذي لايرى نفسه مستحقاً للجباية ] ولو فرض ظهور سلطان مخالف لا يرى نفسه مستحقا لجباية تلك الوجوه ، وإنما أخذ ما يأخذ نظير ما يأخذه (4) على غير الأراضي الخراجية من الأملاك الخاصة ، فهو أيضا غير داخل في منصرف الأخبار ، ولا في كلمات الأصحاب ، فحكمه حكم السلطان الموافق.
[ حكم خراج السلطان الكافر ] وأما السلطان الكافر ، فلم أجد فيه نصا ، وينبغي لمن تمسك بإطلاق النص والفتوى (5) التزام دخوله فيهما ، لكن الإنصاف انصرافهما (6) إلى غيره ، مضافا إلى ما تقدم (7) في السلطان الموافق من اعتبار كون الأخذ بشبهة الاستحقاق. وقد تمسك في ذلك بعض (8) بنفي السبيل للكافر على المؤمن ، فتأمل.
1 ـ المسالك 3 : 144.
2 ـ مخطوط ، ولا يوجد لدينا.
3 ـ الرياض 1 : 507.
4 ـ في غير ( ش ) و ( ص ) : يأخذ.
5 ـ مثل صاحب الجواهر ، كما تقدم في الصفحة السابقة.
6 ـ في غير ( ش ) : انصرافها.
7 ـ في الصفحة 231.
8 ـ لم نقف عليه.
[ هل يعتبر في حلّ الخراج اعتقاد المأخوذ منه استحقاق الآخذ له؟ ] الظاهر أنه لا يعتبر في حل الخراج المأخوذ أن يكون المأخوذ منه ممن يعتقد استحقاق الآخذ للأخذ ، فلا فرق حينئذ بين المؤمن والمخالف والكافر ، لإطلاق بعض الأخبار المتقدمة (1) واختصاص بعضها الآخر بالمؤمن ، كما في روايتي الحذاء وإسحاق بن عمار (2) وبعض روايات قبالة الأراضي الخراجية (3).
ولم يستبعد بعض (4) اختصاص الحكم بالمأخوذ من معتقد استحقاق الآخذ ، مع اعترافه بأن ظاهر الأصحاب التعميم ، وكأنه أدخل هذه المسألة ـ يعني مسألة حل الخراج والمقاسمة ـ في القاعدة المعروفة ، من : إلزام الناس بما ألزموا به أنفسهم ، ووجوب المضي معهم في أحكامهم (5) ،
1 ـ في الصفحة 204 وما بعدها.
2 ـ تقدمتا في الصفحة 204 و 207 ، ولكن ليس في رواية إسحاق ما يدل على الاختصاص ، فراجع.
3 ـ الوسائل 13 : 214 ، الباب 18 من أبواب أحكام المزارعة ، الحديث 4.
4 ـ هو الفاضل القطيفي في رسالة السراج الوهاج ( المطبوعة ضمن الخراجيات ) : 124 ـ 125.
5 ـ هذه القاعدة مستفادة من روايات عديدة ، انظر الوسائل 15 : 320 ، الباب 30 من أبواب مقدمات الطلاق ، و 17 : 485 ، الباب 4 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد ، الحديث 5.
(233)
على ما يشهد به تشبيه بعضهم (1) ما نحن فيه باستيفاء الدين من الذمي من ثمن (2) ما باعه من الخمر والخنزير.
والأقوى : أن المسألة أعم من ذلك ، وإنما (3) الممضى في ما نحن فيه تصرف الجائر في تلك الأراضي مطلقا.
1 ـ لم نقف عليه ، نعم شبه الفاضل القطيفي ـ في رسالة السراج الوهاج ( المطبوعة ضمن الخراجيات ) : 124 ـ ما نحن فيه بجواز ابتياع عوض الخمر من اليهود.
2 ـ في ( ف ) و ( خ ) : من عين.
3 ـ في ( ف ) ، ( ن ) ، ( خ ) ، ( م ) و ( ص ) : وأن ، وفي نسخة بدل ( ص ) : إنما.
[ المناط في قدر الخراج ] ليس للخراج قدر معين ، بل المناط فيه ما تراضى فيه السلطان ومستعمل الأرض ، لأن الخراج هي اجرة الأرض ، فينوط (1) برضى المؤجر والمستأجر.
نعم ، لو استعمل أحد الأرض قبل تعيين الاجرة تعين عليه اجرة المثل ، وهي مضبوطة عند أهل الخبرة ، وأما قبل العمل فهو تابع لما يقع التراضي عليه ، ونسب ما ذكرناه إلى ظاهر الأصحاب (2).
ويدل عليه قول أبي الحسن عليه السلام في مرسلة حماد بن عيسى : ( والأرض التي اخذت عنوة بخيل وركاب ، فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها ويحييها على صلح ما يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الخراج : النصف ، أو الثلث ، أو الثلثان ، على قدر ما يكون لهم صالحا ولا يضر بهم ... الحديث ) (3).
[ حكم ما إذا كان الخراج المجعول مضرّاً بحال المزارعين ] ويستفاد منه : أنه إذا جعل (4) عليهم من (5) الخراج أو المقاسمة
1 ـ في هامش ( ن ) : فيناط ـ خ ل ، وفي هامش ( ص ) : فيناط ـ ظ.
2 ـ لم نعثر عليه.
3 ـ التهذيب 4 : 130 ، الحديث 366 ، وانظر الوسائل 11 : 85 ، الباب 41 من أبواب جهاد العدو ، الحديث 2.
4 ـ في ( ف ) ، ( خ ) ، ( م ) ، ( ع ) و ( ص ) : جعلت.
5 ـ لم ترد ( من ) في ( ن ) ، ( خ ) ، ( م ) ، ( ع ) و ( ص ).
(235)
ما يضر بهم لم يجز ذلك ، كالذي يؤخذ من بعض مزارعي (1) بعض بلادنا ، بحيث لا يختار الزارع الزراعة من كثرة الخراج ، فيجبرونه على الزراعة ، وحينئذ ففي حرمة كل ما يؤخذ أو المقدار الزائد على ما تضر (2) الزيادة عليه ، وجهان.
وحكي (3) عن بعض : أنه يشترط أن لا يزيد على ما كان يأخذه المتولي له ـ الإمام العادل ـ إلا برضاه.
والتحقيق : أن مستعمل الأرض بالزرع والغرس إن كان مختارا في استعمالها فمقاطعة الخراج والمقاسمة باختياره واختيار الجائر ، فإذا تراضيا على شيء فهو الحق ، قليلا كان أو كثيرا ، وإن كان لا بد له من استعمال الأرض ـ لأنها كانت مزرعة له مدة سنين (4) ويتضرر بالارتحال عن تلك القرية إلى غيرها ـ فالمناط ما ذكر في المرسلة ، من عدم كون المضروب عليهم مضرا ، بأن لا يبقى لهم بعد أداء الخراج ما يكون بإزاء ما أنفقوا على الزرع من المال ، وبذلوا له من أبدانهم الأعمال.
1 ـ في غير ( ش ) : مزارع.
2 ـ في غير ( ص ) : يضر.
3 ـ حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4 : 247 عن السيد عميد الدين.
4 ـ في ( ف ) و ( م ) : مد سنين ، وصحح في ( ن ) ب ( مدة ) ، ولعله كان في الأصل : مذ سنين.
[ هل يشترط استحقاق مَن يصل إليه الخراج؟ ] ظاهر إطلاق الأصحاب : أنه لا يشترط في من يصل إليه الخراج أو الزكاة من السلطان على وجه الهدية ، أو يقطعه الأرض الخراجية إقطاعا ، أن يكون مستحقا له ، ونسبه الكركي رحمه الله في رسالته (1) إلى إطلاق الأخبار والأصحاب ، ولعله أراد إطلاق ما دل على حل جوائز السلطان وعماله (2) مع كونها غالبا من بيت المال ، وإلا فما استدلوا به لأصل المسألة إنما هي الأخبار الواردة في جواز ابتياع الخراج والمقاسمة والزكاة (3) ، والواردة في حل تقبل (4) الأرض الخراجية من السلطان (5). ولا ريب في عدم اشتراط كون المشتري والمتقبل مستحقا لشيء من بيت المال ، ولم يرد خبر في حل ما يهبه السلطان من الخراج حتى يتمسك بإطلاقه عدا أخبار جوائز السلطان ، مع أن تلك الأخبار واردة أيضا في أشخاص خاصة ، فيحتمل كونهم ذوي حصص من بيت المال.
فالحكم بنفوذ تصرف الجائر على الاطلاق في الخراج ـ من حيث البذل والتفريق ـ كنفوذ تصرفه على الاطلاق فيه بالقبض والأخذ والمعاملة عليه ، مشكل.
1 ـ قاطعة اللجاج ( رسائل المحقق الكركي ) 1 : 283.
2 ـ المتقدم في الصفحة 178 وما بعدها.
3 ـ راجع الصفحة 204 وما بعدها.
4 ـ في غير ( ص ) : تقبيل.
5 ـ انظر الصفحة 209 وما بعدها.
(237)
[ عدم دلالة رواية الحضرمي وكلام العلاّمة على الاشتراط ] وأما قوله عليه السلام ـ في رواية الحضرمي السابقة ـ : ( ما يمنع ابن أبي سماك أن يبعث إليك بعطائك ، أما علم أن لك نصيبا من بيت المال ) (1) ، فإنما يدل على أن كل من له نصيب في بيت المال يجوز له الأخذ ، لا أن كل من لا نصيب له لا يجوز أخذه.
وكذا تعليل العلامة قدس سره فيما تقدم من دليله : بأن الخراج حق لله أخذه غير مستحقه (2) ، فإن هذا لا ينافي إمضاء الشارع لبذل الجائر إياه كيف شاء ، كما أن للإمام عليه السلام أن يتصرف في بيت المال كيف شاء.
فالاستشهاد بالتعليل المذكور في (3) الرواية المذكورة (4) ، والمذكور (5) في كلام العلامة رحمه الله على اعتبار استحقاق الآخذ لشيء (6) من بيت المال ، كما في الرسالة الخراجية (7) ، محل نظر.
[ الاشكال في تحليل الزكاة الذي يأخذه الجائر لكلّ أحد ] ثم أشكل من ذلك تحليل الزكاة المأخوذة منه لكل أحد ، كما هو
1 ـ الوسائل 12 : 157 ، الباب 51 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 6 ، وتقدمت في الصفحة 208.
2 ـ تقدم في الصفحة 227.
3 ـ في ( م ) : وفي.
4 ـ لم ترد ( المذكورة ) في ( ف ) و ( ن ).
5 ـ لم ترد ( المذكور ) في ( ص ) ، ولم ترد : ( والمذكور ) في ( خ ) ، ( م ) و ( ع ).
6 ـ في غير ( ف ) و ( ص ) : بشئ.
7 ـ رسالة قاطعة اللجاج ( رسائل المحقق الكركي ) 1 : 283.
(238)
ظاهر إطلاقهم (1) القول بحل اتهاب ما يؤخذ باسم الزكاة.
[ كلام الشهيد في اتهاب ما يؤخذ باسم الزكاة ] وفي المسالك : أنه يشترط أن يكون صرفه لها على وجهها (2) المعتبر عندهم ، بحيث لا يعد عندهم غاصبا (3) ، إذ (4) يمتنع الأخذ منه عندهم أيضا. ثم قال : ويحتمل الجواز مطلقا ، نظرا إلى إطلاق النص والفتوى. قال : ويجئ (5) مثله في المقاسمة والخراج ، فإن مصرفهما (6) بيت المال ، وله أرباب مخصوصون عندهم أيضا (7) ، انتهى.
1 ـ كالمحقق في الشرائع 2 : 13 ، والعلامة في القواعد 1 : 122 ، والشهيد في الدروس 3 : 170 ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2 : 19 وغيرهم.
2 ـ في غير ( ش ) : وجهه.
3 ـ في ( ص ) و ( ش ) : عاصيا.
4 ـ في غير ( ص ) و ( ش ) : أو.
5 ـ في ( خ ) ، ( م ) ، ( ع ) و ( ص ) : ويجوز.
6 ـ كذا في المصدر ومصححة ( ن ) وهامش ( ص ) ، وفي النسخ : مصرفها.
7 ـ المسالك 3 : 143.
[ ما يعتبر في كون الأرض خراجية ] أن كون الأرض خراجية (1) ، بحيث يتعلق بما يؤخذ منها ما تقدم من أحكام الخراج والمقاسمة ، يتوقف على امور ثلاثة :
[ 1 ـ أن تكون الأرض مفتوحة عنوة ] الأول : كونها مفتوحة عنوة ، أو صلحا على أن تكون (2) الأرض للمسلمين ، إذ ما عداهما (3) من الأرضين لا خراج عليها.
نعم ، لو قلنا بأن حكم (4) ما يأخذه الجائر من الأنفال حكم ما يأخذه من أرض الخراج ، دخل ما يثبت كونه من الأنفال في حكمها.
[ كيف يثبت كون الأرض مفتوحة عنوة؟ ] فنقول : يثبت الفتح عنوة بالشياع الموجب للعلم ، وبشهادة عدلين ، وبالشياع المفيد للظن المتاخم للعلم ، بناء على كفايته في كل ما يعسر إقامة البينة عليه ، كالنسب ، والوقف ، والملك المطلق ، وأما ثبوتها بغير ذلك من الأمارات الظنية حتى قول من يوثق به من المؤرخين فمحل إشكال ، لأن الأصل عدم الفتح عنوة ، وعدم تملك المسلمين.
نعم ، الأصل عدم تملك غيرهم أيضا ، فإن فرض دخولها بذلك في الأنفال وألحقناها بأرض الخراج في الحكم فهو ، وإلا فمقتضى القاعدة حرمة تناول ما يؤخذ قهرا من زراعها. وأما الزراع فيجب عليهم
1 ـ كذا في ( ف ) ومصححة ( ن ) ، وفي سائر النسخ : الخراجية.
2 ـ في غير ( ص ) : يكون.
3 ـ في ( ف ) ، ( خ ) ، ( خ ) ، ( ع ) و ( ص ) : عداها.
4 ـ لم ترد ( حكم ) في ( ف ) ، ( خ ) ، ( م ) و ( ع ).
(240)
مراجعة حاكم الشرع ، فيعمل فيها معهم على طبق ما يقتضيه القواعد عنده : من كونه مال الإمام عليه السلام ، أو مجهول المالك ، أو غير ذلك.
[ المعروف أنّ أرض العراق ممّا فتحت عنوةً ] والمعروف بين الإمامية ـ بلا خلاف ظاهر ـ أن أرض العراق فتحت عنوة ، وحكي ذلك عن التواريخ المعتبرة (1).
وحكي عن بعض العامة أنها فتحت صلحا (2).
وما دل على كونها ملكا للمسلمين يحتمل الأمرين (3).
ففي صحيحة الحلبي : ( أنه سئل أبو عبد الله عليه السلام عن أرض السواد ما منزلته؟ فقال : هو لجميع المسلمين ، لمن هو اليوم (4) ، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ، ولمن لم يخلق بعد ) (5).
ورواية أبي الربيع الشامي : ( لا تشتر من أرض السواد شيئا إلا من كانت له ذمة ، فإنما هي فئ للمسلمين ) (6). وقريب منها صحيحة ابن الحجاج (7).
[ حكم غير أرض العراق ] وأما غير هذه الأرض مما ذكر أو اشتهر (8) فتحها عنوة ، فإن
1 ـ حكاه المحقق السبزواري في الكفاية : 79 ، وانظر تأريخ الطبري 3 : 87.
2 ـ حكاه العلامة في التذكرة 1 : 428 عن أبي حنيفة وبعض الشافعية.
3 ـ في ( خ ) ، ( م ) ، ( ع ) و ( ص ) : أمرين.
4 ـ كذا في ( ف ) ، وفي سائر النسخ : اليوم مسلم.
5 ـ الوسائل 12 : 274 ، الباب 21 من أبواب عقد البيع ، الحديث 4.
6 ـ نفس المصدر ، الحديث 5.
7 ـ الوسائل 17 : 330 ، الباب 4 من أبواب إحياء الموات ، الحديث 3.
8 ـ في ( ش ) : واشتهر.