كتاب بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: 71 ـ 80
(71)
الاِمام الاَوّل (1)
إسماعيل بن جعفر الصادق
(110 ـ 145 هـ)
    إنّ إسماعيل هو الاِمام الاَوّل والموَسِّس للمذهب ، فوالده الاِمام الصادق (عليه السّلام) غنيّ عن التعريف ، وفضله أشهر من أن يذكر ، وُلِد الاِمام الصادق عام 80 هـ على قول و83 على قول آخر وتوفي عام 148 هـ ، وهو من عظماء أهل البيت (عليهم السّلام) وساداتهم ، ذو علوم جَمّة ، وعبادة موفورة ، وزهادة بيّنة ، وتلاوة كثيرة ... إلى غير ذلك من فضائل ومآثر يقصر عنها القلمُ والبيان؛ وقد أنجب (عليه السّلام) عشرة أولاد ، هم إسماعيل ويليه عبد اللّه ، وموسى الكاظم ، وإسحاق ، ومحمد ، والعباس وعلي ، وأمّا الاِناث ، فأكبرهنّ أُمّ فروة ، ثمّ أسماء ، وفاطمة.
    لقد تزوج (عليه السّلام) فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين ، فأنجب منها إسماعيل وعبد اللّه وأُمّ فروة.
    وكان إسماعيل أكبر الاِخوة وكان أبو عبد اللّه (عليه السّلام) شديد المحبة له والبر به والاِشفاق عليه ، مات في حياة أبيه (عليه السّلام) « بالعريض » ، وحمل على رقاب الرجال إلى أبيه بالمدينة ، حتى دفن بالبقيع (2)
    1 ـ المبدأ في عدّ الاَئمة للاِسماعيليّة ، هو موَسس الفرقة ـ حسب زعمهم ـ وإن كان هو الاِمام السابع عندهم ثمّ إنّ الاَقوال في ميلاد ووفاة إسماعيل كثيرة وما ذكرناه أحد الاَقوال.
    2 ـ المفيد : الاِرشاد : 284.


(72)
    ولذلك كان من اللازم استعراض سيرته وسيرة بعض أولاده ممن كان لهم دور في نشوء هذه الفرقة فنقول :
    عنونه الشيخ في أصحاب رجال الصادق (عليه السّلام) و اقتصر على اسمه واسم آبائه ، وقال : إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي ، المدني. (1)
    وقال ابن عنبة : وأمّا إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السّلام) ويكنى أبا محمد ، وأُمّه فاطمة بنت الحسين الاَثرم بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ويعرف بإسماعيل الاَعرج ، وكان أكبر ولد أبيه ، وأحبَّهم إليه ، كان يحبُه حباً شديداً ، وتوفي في حياة أبيه « بالعريض » ، فحمل على رقاب الرجال إلى البقيع ، فدفن به سنة ثلاث وثلاثين ومائة ، قبل وفاة الصادق (عليه السّلام) بعشرين سنة ، كذا قال أبو القاسم ابن خداع نسّابة المصريين. (2)
    وقال ابن خلدون : تُوفّي قبل أبيه ، وكان أبو جعفر المنصور طلبه ، فشهد له عامل المدينة بأنّه مات. (3)
    قال المفيد : لمّا توفي إسماعيل جزع أبو عبد اللّه عليه جزعاً شديداً ، وحزن عليه حزناً عظيماً ، وتقدّم سريرَه بغير حذاء ولا رداء ، وأمر بوضع سريره على الاَرض قبلَ دفنه مراراً ، وكان يكشف عن وجهه وينظر إليه. (4)
    لم نقف في حياة إسماعيل على شيء سوى ما نقله ابن أبي الحديد حيث قال : كان القاسم بن محمد بن طلحة (5) يلقّب « أبا بعرة » ، ولي شرطة الكوفة ،
    1 ـ الطوسي : الرجال : 149 برقم 81.
    2 ـ ابن عنبة : عمدة الطالب : 233 ، ولعلَّ العشرين في العبارة مصحف خمس عشرة لاَنّ الفاصل الزمني بين الوفاتين لا يتجاوز هذا المقدار على جميع الاَقوال لاَنّها في حقّه مختلفة فانّه مضافاً إلى ما ذكره من أنّه توفي عام 138 وقيل توفي عام 143.
    3 ـ تاريخ ابن خلدون : 4/39.
    4 ـ المفيد : الاِرشاد : 284.
    5 ـ هو طلحة بن عبيد اللّه التيمي المقتول بالجمل سنة 36 هـ .


(73)
لعيسى ابن موسى العباسي ـ فكلَّم إسماعيل بن جعفر الصادق بكلام خرجا فيه إلى المنافرة.
    فقال القاسم : لم يزل فضلنا وإحساننا سابغاً عليكم يا بني هاشم ، وعلى بني عبد مناف كافة.
    فقال إسماعيل : أيّ فضل وإحسان أسديتموه إلى بني عبد مناف؟! أغضب أبوك جدي بقوله : « ليموتن محمد ولنجولنّ بين خلاخيل نسائه ، كما جال بين خلاخيل نسائنا » ، فأنزل اللّه تعالى مراغمة لاَبيك : « وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُوَذُوا رَسُولَ اللّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً » (1) ومنع ابن عمك أُمّي من حقّها في فدك ، وغيرها من ميراث أبيها ، وأجلب أبوكَ على عثمان ، وحصره حتى قُتِل ، ونكثَ بيعة علىٍّ ، وشام السيف في وجهه ، وأفسد قلوبَ المسلمين عليه ، فإن كان لبني عبد مناف قوم غير هوَلاء ، أسديتم إليهم إحساناً ، فعرّفني من هم ، جعلت فداك؟! (2)
    و روى الكشي بسنده عن عنبسة العابد : كنت مع جعفر بن محمد بباب الخليفة أبي جعفر بالحيرة ، حين أُتي ببسّام ، وإسماعيل بن جعفر بن محمد ، فأُدخلا على أبي جعفر (3) فأُخرج بسّام مقتولاً ، وأُخرِج إسماعيل بن جعفر بن محمد ، قال : فرفع جعفر رأسه إليه ، قال : أفعلتها يا فاسق ، أبشر بالنار. (4)
    قلت : الضمير في « إليه » يرجع إلى المنصور من باب خطاب الغائبين بما يقتضيه الحال.
    والحديث يدل على أنّه وشي عليهما لدى المنصور فطلبهما ، فقتل بسّاماً
    1 ـ الاَحزاب : 53.
    2 ـ ابن أبي الحديد : شرح النهج : 9/323.
    3 ـ هو أبو جعفر المنصور الدوانيقي.
    4 ـ الكشي : الرجال : ترجمة بسام بن عبد اللّه الصيرفي برقم 121.


(74)
وأطلق إسماعيل.و لعلّه ثبتت براءته مما نسب إليه.
    و روى الكشي أيضاً في ترجمة عبد اللّه بن شريك العامري ، عن أبي خديجة الجمّال ، قال : سمعت أبا عبد اللّه ، يقول : إنّي سألت اللّه في إسماعيل أن يُبقيه بعدي فأبى ، ولكنّه قد أعطاني فيه منزلة أُخرى ، انّه يكون أوّل منشور في عشرة من أصحابه ، ومنهم عبد اللّه بن شريك وهو صاحب لوائه. (1)
    و الحديث يدل على انّ الاِمام الصادق (عليه السّلام) كان يحبّه كثيراً ، و لعلّ إسماعيل مرض ، فدعا أبوه اللّه تعالى أن يشفيه ولكن اللّه قدّر موته ، كما يدل على وثاقته أيضاً.
    ويظهر ممّا رواه الكشي في ترجمة المفضل بن مزيد ، أخي شعيب الكاتب ، أنّه كان مأموراً بدفع جوائز إلى بني هاشم ، وكان أسماءُ أصحاب الجوائز مكتوباً في كتابٍ ، ناولَ الكتابَ للاِمام الصادق (عليه السّلام) فلما رآه قال : ما أرى لاِسماعيل هاهنا شيئاً ، فأجاب المفضل : هذا الذي خرج إلينا. (2)
    ومن راجع الكتب الحديثية يرى أنّ هناك روايات يظهر منها جلالة منزلة إسماعيل ، عند والده نذكر منها ما يلي :

1 ـ الاِمام الصادق (عليه السّلام) يستأجر من يحجّ عن إسماعيل :
    روى الكليني بسنده ، عن عبد اللّه بن سنان ، قال : كنت عند أبي عبد اللّه (عليه السّلام) إذ دخل عليه رجل فأعطاه ثلاثين ديناراً يحجّ بها عن إسماعيل ، ولم يترك شيئاً من العمرةِ إلى الحجّ إلاّ اشترط عليه أن يسعى في وادي مُحسِّر ، ثمّ قال : يا هذا ، إذا أنت فعلتَ هذا كانَ لاِسماعيل حجة بما أنفق من ماله ، وكانت لك تسْع بما أتعبَت من بدنك. (3)
    1 ـ الكشي : الرجال : 190 ، برقم 97.
    2 ـ الكشي : الرجال : 320 ، برقم 237.
    3 ـ الوسائل : الجزء 8 ، الباب 1 من أبواب النيابة في الحجّ ، الحديث 1.


(75)
2 ـ الاِمام ينصحه من الائتمان بالفاسق :
    روى الكليني بسنده ، عن حريز بن عبد اللّه السجستاني ، قال : كانت لاِسماعيل بن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) دنانير وأراد رجل من قريش أن يخرجَ إلى اليمن ، فقال إسماعيل : يا أبت إنّ فلاناً يريد الخروج إلى اليمن ، وعندي كذا وكذا ديناراً ، أفترى أن أدفعها إليه يبتاع لي بها بضاعة من اليمن؟ فقال أبو عبد اللّه (عليه السّلام) : يا بُنيّ أما بلغك أنّه يشرب الخمر؟ فقال إسماعيل : هكذا يقول الناس ، فقال : يا بُنيّ لا تفعل.
    فعصى إسماعيلُ أباه ودفع إليه دنانيره فاستهلكها ، ولم يأته بشيء منها ، فخرج إسماعيل وقضى أنّ أبا عبد اللّه (عليه السّلام) حجّ وحجّ إسماعيل تلك السنة فجعل يطوف بالبيت ، ويقول : اللهمّ أجرني واخلف عليّفلحقه أبو عبد اللّه (عليه السّلام) فهمزه بيده من خلفه ، فقال له : مَهْ يا بني فلا واللّه مالك على اللّه (هذا) حجة ولا لك أن يأجرك ولا يُخلف عليك ، وقد بلغك أنّه يشرب الخمر فائتمنته ، فقال إسماعيل : يا أبت إنّ ـ ي لم أره يشرب الخمر ، إنّما سمعت الناس يقولون.
    فقال : يا بُني إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول في كتابه : « يُوَْمِنُ بِاللّهِ ويُوَْمِنُ للمُوَمِنين » (1) يقول : يصدِّق اللّه ويصدق للموَمنين فإذا شهد عندك الموَمنون فصدِّقهم ولا تأتمن شارب الخمر ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقول في كتابه : « وَلا تُوَتُوا السفهاءَ أَموالَكُم » (2) فأيّ سفيه أسفه من شارب الخمر؟! إنّ شارب الخمر لا يُزوَّج إذا خَطِب ، ولا يُشفَّع إذا شَفَع ، ولا يُوَتمن على أمانة ، فمن ائتمنه على أمانة فاستهلكها لم يكن للذي ائتمنه ، على اللّه أن يأجره ولا يخلف عليه. (3)
    1 ـ التوبة : 61.
    2 ـ النساء : 5.
    3 ـ الكافي : 5/299.


(76)
قلة رواياته
    لم نجد في الجوامع الحديثية شيئاً يروى عنه ، إلاّ الحديثين التاليين ، ولعلّ قصر عمره وموته في حياة والده صارا سبباً لقلة الرواية عنه ، وإليك ما وقفنا عليه من رواياته :
    1 ـ روى الكليني بسنده ، عن أبي أيّوب الخزاز ، قال : سألت إسماعيل بن جعفر ، متى تجوز شهادة الغلام؟ فقال : إذا بلغ عشر سنين ، قال : قلتُ : ويجوز أمره؟ قال : فقال : إنّ رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دخل بعائشة وهي بنت عشر سنين ، وليس يدخل بالجارية حتى تكون امرأة ، فإذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره وجازت شهادته. (1)
    2 ـ روى الشيخ الطوسي ، عن داود بن فرقد ، عن إسماعيل بن جعفر ، قال : اختصم رجلان إلى داود (عليه السّلام) في بقرة فجاء هذا ببيّنة على أنّها له ، وجاء هذا ببيّنة على أنّها له ، قال : فدخل داود (عليه السّلام) المحرابَ فقال : يا رب إنّه قد أعياني أن أحكم بين هذين ، فكُن أنتَ الذي تحكم ، فأوحى اللّه عزّوجلّ إليه اخرج فخذ البقرة من الذي في يده ، فادفعها إلى الآخر ، واضرب عنقه ، قال : فضجت بنو إسرائيل من ذلك ، وقالوا : جاء هذا ببينّة وجاء هذا ببيّنة ، وكان أحقّهما بإعطائها الذي في يديه ، فأخذها منه ، وضرب عنقه ، فأعطاها هذا ... قال : فدخل داود (عليه السّلام) المحرابَ فقال : يا ربّ قد ضجَّتْ بنو إسرائيل ممّا حكمتُ ، فأوحى إليه ربُّه أنّ الذي كانت البقرة في يده لقي أب الآخر فقتله وأخذ البقرة منه ، إذا جاءك مثل هذا فاحكم بينهم بما ترى ولا تسألني أن أحكم حتى الحساب. (2)
    1 ـ الكافي : 7/388.
    2 ـ التهذيب : 6/287 ، الحديث 797.


(77)
وفاته
    قد عرفت أنّ ابن عنبة ذكر أنّه توفي عام (133 هـ) ، وقال صاحب تهذيب الكمال : إسماعيل إمام مات وهو صغير ، ولم يروَعنه شيء من الحديث. (1)
    و أرّخ الزركلي في الاَعلام وفاته سنة (143 هـ) ولعله تبع صاحب دائرة المعارف الاِسلامية حيث قال : توفي إسماعيل في المدينة سنة (143 هـ) أي قبل وفاة أبيه بخمسة أعوام. (2)
    و القول الثاني أقرب للصواب ، لاَنّه لو كان توفي سنة (133 هـ) لكانت وفاته قبل وفاة أبيه بخمسة عشر عاماً ، وهذا المقدار من الفاصل الزمني ، يوجب انقطاع الناس عنه ، ونسيانهم له عند وفاة أبيه.
    وقال عارف تامر السوري من كُتّاب الاِسماعيلية : إنّإسماعيل ولد سنة 101 في المدينة المنورة ، وادّعى والده الصادق أنّه مات سنة 138 هـ بموجب محضر أشهد عليه عامل الخليفة المنصور العباسي. (3)

استشهاد الاِمام الصادق (عليه السّلام) على موته :
    كان الاِمام الصادق حريصاً على إفهام الشيعة بأنّ الاِمامة لم تُكْتب لاِسماعيل ، فليس هو من خلفاء الرسول الاثني عشر الذين كتبت لهم الخلافة والاِمامة بأمر السماء وإبلاغ الرسول الاَعظم.
    و من الدواعي التي ساعدت على بثّ بذر الشبهة والشك في نفوس
    1 ـ الاَعلام : 1/311 ، نقلاً عن تهذيب الكمال.
    2 ـ الزركلي : الاَعلام : 1/311.
    3 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 180.


(78)
الشيعة في ذلك اليوم ، هو ما اشتهر من أنّ الاِمامة للولد الاَكبر. وكان إسماعيل أكبرَ أولاده فكانت أماني الشيعة معقودة علي هـ حسب الضابطة ـ صحّت أم لم تصح ، ولاَجل ذلك تركزت جهود الاِمام الصادق (عليه السّلام) على معالجة الوضع واجتثاث جذور تلك الشبهةو انّ الاِمامة لغيره ، فتراه تارة ينصَّ على ذلك ، بقوله وكلامه ، وأُخرى بالاستشهاد على موت إسماعيل ، وأنّه قد انتقل إلى رحمة اللّه ، ولن يصلحَ للقيادة والاِمامة.
    وإليك نماذج توَيد النهج الثاني الذي انتهجه الاِمام (عليه السّلام) لتحقيق غرضه في إزالة تلك الشبهة ، وأمّا القسم الاَوّل أي النصوص على إمامة أخيه فموكولة إلى محلّها (1)
    1 ـ روى النعماني عن زرارة بن أعين ، أنّه قال : دخلت على أبي عبد اللّه (عليه السّلام) و عند يمينه سيّدُ ولده موسى (عليه السّلام) ، وقُدّامه مرقد مغطى ، فقال لي : « يا زرارة ، جئني بداود بن كثير الرقي ، وحمران ، وأبي بصير ». ودخل عليه المفضل بن عمر ، فخرجت فأحضرت مَنْ أمرني بإحضاره ، ولم يزل الناس يدخلون واحداً إثرَ واحد ، حتى صرنا في البيت ثلاثين رجلاً.
    فلمّا حشد المجلس قال : « يا داودُ إكشف لي عن وجه إسماعيل » ، فكشف عن وجهه فقال أبو عبد اللّه (عليه السّلام) : « يا داود أحيٌّ هو أم ميت؟ » قال داود : يا مولايَ هو ميّت ، فجعل يعرض ذلك على رجل رجل ، حتى أتى على آخر مَن في المجلس ، و انتهى عليهم بأسرهم وكلٌّ يقول : هو ميّت يا مولاي ، فقال : « اللهمّ اشهد » ، ثمّ أمر بغَسْله وحنوطه ، وادراجه في أثوابه.
    فلمّا فرغ منه قال للمفضل : « يا مفضّل احسر عن وجهه » ، فحسَر عن وجهه ، فقال : « أحيٌّ هو أم ميّت؟ » فقال : ميّت ، قال : « اللهم اشهد عليهم » ؛ ثمّحُمِل إلى قبره ، فلما وضع في لَحده قال : « يا مفضل اكشف عن وجهه » وقال
    1 ـ سوف يأتي شيء منه عند عرض الفطحيّة فلاحظ.

(79)
للجماعة : « أحيٌّ هو أم ميت؟ » قلنا له : ميت فقال : « اللهمّ اشهد ، واشهدوا ، فإنّه سيرتاب المبطلون ، يريدون إطفاء نور اللّه بأفواههم ـ ثم أومأ إلى موسى ـ واللّه متم نوره ولو كره المشركون » ، ثم حثونا عليه التراب ثمّ أعاد علينا القول ، فقال : « الميّت ، المحنَّط ، المكفَّن ، المدفون في هذا اللحد من هو؟ » قلنا : إسماعيل ، قال : « اللهم اشهد » ، ثمّ أخذ بيد موسى (عليه السّلام) و قال : « هو حقّ ، والحقّ منه ، إلى أن يرث اللّه الاَرض ومن عليها ». (1)
    2 ـ روى الشيخ الطوسي بسنده عن أبي كهمس ، قال : حضرتُ موتَ إسماعيل وأبو عبد اللّه (عليه السّلام) جالس عنده فلمّا حضره الموت ، شدّ لحييه وغمّضه ، وغطّى عليه المِلْحَفة ، ثمّ أمر بتهيئته ، فلمّا فرغ من أمره ، دعا بكفنه فكتب في حاشية الكفن : إسماعيل يشهد أن لا إله إلاّ اللّه. (2)
    3 ـ روى الصدوق بسنده عن أبي كهمس قال حضرت موت إسماعيل ورأيت أبا عبد اللّه (عليه السّلام) وقد سجد سجدة فأطال السجود ، ثمّ رفع رأسه فنظر إليه ، ثمّ سجد سجدة أُخرى أطول من الاَُولى ثمّ رفع رأسه ، وقد حضره الموت فغمّضه وربط لحيته ، وغطّى عليه الملحفة ، ثمّقام ، ورأيتُ وجهه وقد دخل منه شيء اللّه أعلم به ، ثمّ قام فدخل منزله فمكث ساعة ثمّ خرج علينا مدهِناً ، مكتَحلاً ، عليه ثياب غير ثيابه التي كانت عليه ، ووجهه غير الذي دخل به ، فأمر ونهى في أمره ، حتى إذا فرغ ، دعا بكفنه ، فكتب في حاشية الكفن : إسماعيل يشهد أن لا إله إلاّ اللّه. (3)
    و هذه الروايات و خاصّة ما نقلناه عن أبي خديجة الجمّال حاكية عن جلالة إسماعيل ، ويوَكّدها تقبيل الاِمام له بعد موته مراراً.
    1 ـ النعماني : الغيبة : 327 ، الحديث 8 ، ولاحظ بحار الاَنوار : 48/21.
    2 ـ الوسائل : الجزء 2 ، الباب 29 من أبواب التكفين ، الحديث 1.
    3 ـ الوسائل : الجزء 2 ، الباب 29 من أبواب التكفين ، الحديث 2.


(80)
    نعم هناك روايات تدل على ذمّه ذكرها الكشي في ترجمة عدّة ، مثل إبراهيم ابن أبي سمال ، وعبد الرحمان بن سيابة ، والفيض المختار ، وقد ناقش السيد الخوئي ، اسنادها فلاحظ. (1)
    وقد أخطأ الكاتب الاِسماعيلي ، مصطفى غالب السوري في فهم رأي الشيعة في معرض كتابته عن إمامه ، حيث قال :
    غير أنّ موَرّخي الشيعة ، والسنة ، يذهبون في إسماعيل مذهباً مختلفاً كلّ الاختلاف عمّا يقوله الاِسماعيلية. فيقولون : إنّ إسماعيل لم يكن يصلح للاِمامة ، كونه كان يشربُ الخمر ، وأنّه كان من أصدقاء أبي الخطاب الملْحِد الذي تبّ ـ رأ منه الاِمام الصادق ، وأنّ الصادق أظهر فرحه لموت ابنه إسماعيل ، وعلى هذه الصورة اضطربت الروايات ، واختلفت الاَقاويل في أمر إسماعيل ، فأصبح أكثر الباحثين لا يدرون حقيقة أمره ، ولا سيّما أنّه الاِمام الذي تنسب إليه الحركة الاِسماعيلية التي قامت بدورٍ هامٍّ في تاريخ العالم الاِسلامي منذ ظهورها. (2)
    قد عرفت عقيدة الشيعة الاِماميّة في حقّ إسماعيل وانّهم ـ عن بكرة أبيهم ـ يذكرون إسماعيل بخير ، اقتداء بإمامهم الصادق (عليه السّلام) وأنّ رميه بشرب الخمر من صنيع أعداء أهل البيت (عليهم السّلام) حيث كانوا لا يتمكّنون من رمي أئمة الشيعة بالسفاسف فيوجهونها إلى أولادهم المظلومين المضطهدين.

هل كان عمل الاِمام تغطية لستره؟
    إنّ الاِسماعيلية تدّعي أنّ ما قام به الاِمام الصادق (عليه السّلام) كان تغطية ، لستره عن أعين العباسيين ، الذين كانوا يطاردونه بسبب نشاطه المتزايد في نشر التعاليم
    1 ـ السيد الخوئي : معجم رجال الحديث : 3/124 ـ 127 ، برقم 1307.
    2 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسلامية : 16.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: فهرس