كتاب بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: 171 ـ 180
(171)
تلك المقاطعة الذي كان يقيم في قلعة (سرخوست).
    و أرسل جيشاً آخر لحصار بقية القلاع الاِسماعيليّة ، ولقد استمر ذلك الحصار مدّة ستة أشهر ، نفدت بعدها موَونة الاِسماعيليين ، ففتحوا أبواب قلاعهم واشتبكوا مع التتر في معارك قويّة طاحنة ، قتل فيها اثنا عشر ألف إسماعيلي وثلاثون ألف تتري ، واحتلت الجيوش الغازية جميع القلاع الاِسماعيليّة ودمّرتها عن بكره أبيها فجعلتها قاعاً صفصفاً ، وأُلقي القبض على الاِمام ركن الدين خورشاه مع ولده الاَصغر مظفر الدين ، وابن أخيه سيف الدين ، وبعض دعاته ، وأخذوهم إلى الخليفة في بغداد.
    و في طريق العودة بينما كانت الجيوش التترية تعبر نهر (جيحون) توفي الاِمام ركن الدين خورشاه وكانت وفاته سنة 654 هـ ، ودفن على ضفة ذلك النهر اليمني.
    أمّا بقية الاَسرى فسلّموا لهولاكو الذي أمر بإعدامهم جميعاً ، والتمثيل بجثثهم ، ولم تستمر إمامة ركن الدين سوى عاماً واحداً ، قضاه في الحروب والحصار ، وبانتهاء عهده ودّعت الاَئمة الاِسماعيلية بلاد آلموت لتستقر في آذربيجان بعد أن دام حكمهم فيها ما يقارب 214 عام. (1)
    إلى هنا وقفت على أئمّة النزارية ، من الاِسماعيليّة وأمّا غيرهم من الاَئمّة الباقية الذين تسلموا مسند الاِمامة بعد تدمير قلاع آلموت فيحتاج إلى تأليف مفرد.
    إنّ الكتب الاِسماعيليّة التاريخية المخطوطة والمصادر الصوريّة القديمة ، منذ عام 710 هـ حتى سنة 1210 هـ جاءت حافلة بذكر أُسرة موَمن شاه وحدها ،
    1 ـ تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 289 ـ 290.

(172)
وبعد سنة 1210 هـ انطفأ وخبا كلُّ نشاط علمىٍّ من جانب هذه الفرقة (الموَمنية) وقامت الا َُسرة الثانية (القاسميّة) تحتل مركزها وتبرز على مسرح الاِسماعيلية النزارية وبما أنّ الاَُسرة الآغا خانية تزعّمت الاِسماعيلية النزارية ما يربو عن القرنين ، فلذلك خصصنا الفصل التالي لبيان حياة تلك الاَُسرة.
    إنّ الفرقة الاِسماعيلية النزارية الموَمنية تقطن في عهدنا الحاضر في بلدتي « القدموس » و « مصياف » السوريتين وفي بعض قرى سلمية وفي سلمية نفسها ، وأمّا الفرقة القاسمية النزارية الآغاخانية فتقطن في سلمية ، وما يتبعها من القرى ، وفي نهر الخوابي قرب طرطوس ، كما تقطن في إيران ، والهند ، وباكستان ، وبورما ، والصين ، وإفريقية الشرقية ، و الكونغو ومدغشقر و زنجبار وغيرها. (1)
    1 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 170.

(173)
الفصل التاسع
في
الاَسرة الآغاخانية


(174)

(175)
قد عرفت أنّ النزاريّة انقسمت إلى طائفتين : « موَمنيّة » و « قاسمية » ويطلق على « القاسمية » في الآونة الاَخيرة « الآغا خانية » واشتهروا في هذه الاَعصار باللقب الاَخير وأئمة هذه الاَُسرة هم :
    1 ـ حسن علي شاه.
    2 ـ علي شاه.
    3 ـ سلطان محمد شاه.
    4 ـ كريم خان.

1 ـ حسن علي شاه : (1219 ـ 1298 هـ)
    ولد في بلدة محلاّت سنة 1219 هـ وهو أوّل من لُقّب بـ « آغا خان » كان معاصراً للشاه « محمد القاجاري » وفي عهده قُتل الشاه القاجاري وجلس مكانه فتح علي شاه ، وقد عامل الاِسماعيليين معاملة طيبة ، وزوّج حسن علي شاه من كريمته ، ولكنَّ حياته لم تطل فمات ، واستلم مكانه « علي محمد شاه ».
    فلاحظ أنّ مركز الاِمام حسن علي شاه قد أصبح قويّاً وخطيراً ، فاعتبره خطراً على شوَون المملكة ، وأمر بإبعاده عن إيران ، فذهب إلى السند ، واستقر بين أتباعه الكثيرين في كراتشي يُنظّم أُمورهم ويصلح أحوالهم ، ويقرّب وجهات النظر بين ملوك السند والبريطانيين ، وأخيراً انتقل إلى الهند.
    وتوفي سنة 1298 هـ ودفن في محلة « مجكائون » أو « حسن آباد » عن أربعة أولاد ، هم : آغا علي شاه ، وآغا جهانگير شاه ، وآغا جنگي شاه ، وآغا جلال شاه ،


(176)
وكان عليُّ هو وصيّه ووريث الاِمامة. (1)
    يقول الموَرّخ المعاصر مصطفى غالب : دخل الاِمام حسن علي شاه مدينة « بومباي » واسْتقبِل من قبل حاكم تلك المدينة ورجال السلك السياسي وممثلي الدول ومختلف طبقات الشعب ، و منحته المملكة البريطانية لقب صاحب السمو ، وأرفع وسام للسلام في المملكة. (2)
    ولعلّ مغادرته لاِيران وإقامته في بومباي هيّأت له أرضية الاتصال بالبلاط البريطاني ، وتوثقت عُرى الصداقة بينهما عبر العصور ، فلم تزل أئمة الطائفة بعده متهمين بالعمالة للبريطانيين.

2 ـ علي شاه : (1246 ـ 1302 هـ)
    ولد عام 1246 هـ في بلدة محلاّت ، وجلس على مسند الاِمامة بعد وفاة أبيه سنة 1298 هـ ، واشتهر بـ « آغا خان الثاني » والدته هي كريمة فتح علي شاه القاجاري.
    يذكر أنّه كان مولعاً بصيد الاَُسود والرماية ، وقوة الساعد والرجولة. تزوّج شمس الملوك ابنة ميرزا علي خان الاِيرانية.
    أنجب ثلاثة أولاد ، هم : سلطان محمد شاه ، وشهاب الدين شاه ، ونور شاه ، ووليُّ عهده هو السلطان محمد شاه آغا خان الثالث.
    وفي احتفال مهيب ضم آلاف الاِسماعيليّة الذين قدموا لتقديم الزكاة والخمس للاِمام ، أعلن الاِمام علي شاه بأنّ نجله الاَكبر سلطان محمد شاه قد أصبح وليّاً للعهد ، وسيكون إماماً من بعده.
    1 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 228.
    2 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 336.


(177)
    قدم إليه وفد من إسماعيليّة سوريا ، وطلبوا من الاِمام رفع مشاكلهم وأن يدفع إليهم السلطان العثماني مكاناً يقطنون فيه بعد أن ضاقت بهم معاقلهم ، فقام الاِمام بتنفيذ طلبهم واتصل بالسلطان العثماني إلى أن أصدر السلطان أمره إلى والي دمشق ليسمح للاِسماعيليّة بأن يختاروا مكاناً ليشيدوا فيه مساكن لهم ، شريطة أن يعفوا من الضرائب والجندية ، تجمّع الاِسماعيليون بزعامة الاَمير إسماعيل ، وذهبوا باتجاه المنطقة الشرقيّة حتى وصلوا إلى سهول السلمية فقرروا أن يعيدوا تأسيس مدينة « السلمية » التاريخية ، بعد أن دمّرتها الحروب.
    توفي الاِمام علي شاه سنة 1302 هـ ، ونقل جسده إلى مدينة كربلاء ودفن هناك. (1)

3 ـ سلطان محمد شاه « آغا خان الثالث » : (1294 ـ 1380 هـ)
    ولد « محمد سلطان الحسيني » المعروف بآغا خان الثالث عام 1294 هـ في محلة « شهر العسل » بكراتشي ، وفي الثامنة من عمره اجتمع به رجال الدعوة الاِسماعيليّة في الهند وسلّموه شوَون الاِمامة باحتفال مهيب ، وتزوّج في سن العشرين ابنة عمّه « شاه زاده » وزار الغرب لاَوّل مرّة واصلاً إلى لندن ، فمنح لقب « كوماندور » للامبراطورية الهندية. كما زار ألمانيا وفرنسا وإيران وتركيا ومناطق عديدة من العالم ، وتزوّج عدّة مرّات ، وساهم بإنشاء جامعة عليكرة ، وبإرسال بعثة إسلامية لتدريس الدين الاِسلامي في اليابان.
    وفي حياته نقاط جديرة بالمطالعة ، منها :
    1.يقول عارف تامر : ورأيته في القاهرة سنة 1956م يقول لاَتباعه الذين جاءوا لزيارته : علّموا أولادكم العلوم العمليّة ، وأبعدوهم عن العلوم النظرية ،
    1 ـ الاِمامة في الاِسلام : 228 ـ 229؛ وتاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 339 ـ 341.

(178)
فالعالم قادم على انقلاب خطير وتطور سريع في ميدان الاستنباط والاختراع. (1)
    أقول : ماذا يقصد من العلوم النظرية؟ وهل تختص بالعلوم الدينية ، أعني : الكلام والتفسير والفقه ، أو تشمل سائر العلوم الاِنسانية الاَُخرى كمعرفة النفس وعلم الاجتماع والقانون؟و على أيّة حال فإرشاداته لا اعتبار بها ، وكان الاَفضل أن يرشدهم بالقول : علّموا أولادكم الصناعات الحديثة والعلوم العمليّة إلى جانب سائر العلوم ، يقول سبحانه : « وَ قالَ الّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالاِِيمان » (2) فإنّتزويد البشر بالصناعات الحديثة دون الاِيمان كتزويد المجنون بالسلاح ، والذي يكبح جماح البشر عن استخدامه لتلك الصناعات الحديثة من سبيل الشر ، هو الاِيمان باللّه ، والاعتقاد بالمبدأ والمعاد ، التي تتكفل العلوم النظرية بيانه.
    2 ـ يقول ـ للوفد الاِسلامي الذي جاء يطالبه بالمساهمة ببناء كلية إسلامية في مدينة « منباسا » كينيا ـ : إنّني لا أُساهم إلاّ بإنشاء مدرسة صناعية كبرى لتعليم الصناعات المختلفة ، والمهن الحرّة ، فقد كفانا نوماً وركضاً وراء الخيالات والاَحلام. (3)
    أقول : ماذا يريد بقوله : كفانا نوماً و ركضاً وراء الخيالات والاَحلام؟! فهل مقصوده أنّ العلوم الدينيّة هي منبع للخيالات والاَحلام؟! فحينئذٍ ستكون قيادته مبنيّة على الاَوهام والخيالات ، فما أشبه كلامه بفعل من تسلّق الشجرة وأخذ يقطع ما تحته. بل إنّ كلامه هذا تفريغ واضح وصريح لحالة القداسة الدينية التي طالما حاول أن يظهر بها أمام المسلمين عامة وأتباعه بصورة خاصة.
    3 ـ يقول الموَرّخ المعاصر مصطفى غالب : سمو آغا خان يملك قصوراً كثيرة في جميع أنحاء العالم ، وطائرات حديثة من أفخر طراز ، وعدداً كبيراً من
    1 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 231.
    2 ـ الروم : 56.
    3 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 233.


(179)
أحدث اصطبلات الجياد في العالم ، ويحتفظ بفصيلة جياد (هاراث) التي تملكها أُسرته منذ زمن بعيد ، ومنها ينتج أحسن خيول السباق المعروفة ، وقد ربحت هذه الخيول أكبر الجوائز العالمية لسباق (دربي).
    والاِمام آغا خان يُعد من أغنى أغنياء العالم ، إذ يُقدّر إيراده السنوي بمبلغ يتراوح بين 600 ألف و10 ملايين دولار ، وقد قُدّرت مجموعة الجواهر التي يملكها بمبلغ 200 مليون دولار. (1)
    لا شكّ أنّ حياة البذخ التي عاشها الاِمام آغا خان ليست نتيجة كد عمله ومحصول جهده إنّما هي أموال شرعية باسم الزكاة والخمس قدمتها إليه الطائفة الاِسماعيليّة المتشكلة من الفلاحين والعمال وأصحاب المكاسب الحرّة ، لا أنّها أموال شخصيّة للاِمام ، بل ملك لمنصب الاِمامة يصرفها في المشاريع الخيرية ، فأين حياة البذخ هذه ممّا كان عليه الاِمام أمير الموَمنين ذلك الاَُسوة الحسنة لعامة البشر والمسلمين خاصة حيث يكتب إلى عامله بالبصرة عثمان بن حنيف : « ألا وإنّ لكلّ مأموم إماماً يقتدي به ويستضىَ بنور علمه ، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ، ومن طعمه بقرصيه ، إلى أن يقول : ولعلّ بالحجاز واليمامة من لا طمع له بالقرص ، ولا عهد له بالشبع ، أو أبيت مبطاناًوحولي بطون غرثى ، وأكباد حرّى ، أو أكون كما قال القائل :
وحسبك داءً أن تبيت ببطنةٍ وحولك أكباد تحن إلى القد
    أ أقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير الموَمنين ، ولا أُشاركهم في مكاره الدهر ، أو أكون أُسوة لهم في جشوبة العيش ، فما خُلقت ليشغلني أكل الطيبات ، كالبهيمة المربوطة همّها علفها ، أو المرسلة شغلها تقمّمها ». (2)
    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 366.
    2 ـ نهج البلاغة : قسم الرسائل ، رقم 45 ، تعليق صبحي الصالح.


(180)
    4 ـ يقول : ويجب أن لا يغرب عن بالكم ، بأنّ هذه المشاريع لا يمكن أن تتحقق ، ولا يكتب النجاح لهذه النهضة الاِصلاحية إلاّ إذا دفعت ضريبة العشر ، والعشر هذا تضحية جزئية واجبة على كلّ إسماعيلي يعتقد ولايتنا ويخلص لنا. (1)
    ويلاحظ عليه : بأنّ الفريضة مختلفة في الزكاة ، وليست مبعضة بالعشر كما هو واضح ، لمن له أدنى إلمام بالفقه الاِسلامي من سنة وشيعة ، كما أنّ الواجب في المعادن ، والركائز ، وأرباح المكاسب ، هو الخمس ، لا العشر ، فالتركيز على العشر ، وحذف المعايير الاَُخر إبطال للشريعة.
    5 ـ ومن نصائحه لاَتباعه أنّه أمرهم بالزهد ، ويقول : لا تسرفوا شيئاً على طقوس الاَموات والزواج ، وازهدوا في لذائذ الحياة الدنيا ، وادّخروا شيئاً من نفقاتكم الشهريّة ، وابتاعوا بها سندات شركات التأمين وأوراق الدولة المالية. (2)
    إنّ هذه النصيحة ممزوجة بالحقّ والباطل ، فهو يأمرُ أتباعه بالزهد ، بينما يعيش هو حياة البذخ والاِسراف ، أتقولون مالا تفعلون؟!
    6 ـ قال لزوجته الفرنسية في صباح اليوم الذي قرّر أن تتم به حفلة زواجهما :
    ابنتي العزيزة!! ...
    أنت لا تجهلين ولا ريب بأنّي أميرٌ شرقي كبيرٌ وأعتقد بأنّك تجهلين بأنّ آلافاً وآلافاً من البشر يعتقدون بأنّ الاِله متجسم فيَّ تقريباً. (3)
    أقول : يبدو بأنّه إمّا يصحح عقيدة أتباعه في حقّه ، أو يخطّئهم ، فعلى الوجه الاَوّل هو إله متجسِّم حسب عقيدته ، وعلى الوجه الثاني مقصّر في إضفاء الشرعية على عقيدة قومه ، وعدم تخطئتهم ، وإرشادهم إلى الحقّ.
    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 365.
    2 ـ المصدر السابق : 368.
    3 ـ المصدر السابق : 372.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: فهرس