كتاب بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: 181 ـ 190
(181)
الاِمام يتعلّم على يد مأمومه
    قال الموَرّخ الاِسماعيلي المعاصر مصطفى غالب : وسموّه يجيد اللغات الشرقية والغربية من الهندية والفارسية والعربية والتركية ، والانكليزية والفرنسية والاِيطالية والاَلمانية ، وغيرها من اللغات العديدة ، كلُّ هذا بدون أن يدخل أيَّ مدرسة أو يتلّقى علومه في أيّ معهد ، وقد تلقّى تعليمه الاَوّل على أيدي والدته التي علّمته تعليماً صحيحاً ، فجعلته يتقن اللغات الاَُوروبية والعربية والفارسية. (1)
    وقال عارف تامر : وتوفي والده علي شاه ، وهو في الثامنة من عمره ، فاجتمع به رجال الدعوة الاِسماعيليّة في الهند ، وسلّموه شوَون الاِمامة باحتفال مهيب. وكان هذا من الاَسباب التي حفّزت والدته على مضاعفة السهر على حياته ، وإحضار المربّين الاختصاصين ، والاَساتذة الماهرين ، عملوا على تدريسه اللغات الاَجنبية والفارسية والعربية. (2)
    و هنا نقطة جديرة بالاِمعان وهي أنّالثابت في عقيدتهم أنّ الاِمام منصوص لا يتلقّى العلم إلاّ عن الغيب فعلمه لدني.
    فلا أدري ما هذا الاِمام. الذي يتلقّى العلم عن مأمومه ، وهل الاِمام ذو العلم اللدني بحاجة إلى دخول المدارس البشرية ، وتعلّم اللغات والعلوم وغير ذلك.
    وفي يوم الخميس الساعة الثانية ظهراً الحادي عشر من تموز سنة 1957م المواف ـ ق (1377 هـ) توفي الآغا خان في قصره بسويسرا ، ونقل جثمانه جوّاً إلى أسوان بمصر. ودفن في المقبرة التي شرع بتشييدها على رأس ربوة الجبل الاَصفر غرب مدينة أسوان في مصر. (3)
    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 351.
    2 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 234.
    3 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 392.


(182)
    و لما توفي آغا خان الثالث في سويسرا توجه زعماء الاِسماعيلية من مختلف أنحاء العالم إلى مقر الآغا خان في قصر بركان ، حيث حضروا فتح وصيّة الاِمام الراحل التي كانت مودعة في بنك (لويدز) في بريطانيا.
    واستناداً إلى هذه الوصية فقد تم إعلان إمامة كريم بن علي شاه الحسيني ، ولُقّب بآغا خان الرابع. (1)
    و من الطريف بالذكر هو أنّالاِمام آغا خان الثالث قد عهد بالاِمامة لابنه الاَمير على خان في حياته ، يقول مصطفى غالب : أصبح الاَمير علي خان وليّاً لعهد الاِمامة الاِسماعيليّة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني عام 1927 ميلادية وجرت احتفالات عظيمة بهذه المناسبة ، عمّت جميع البلدان الاِسماعيليّة. (2)
    وقد خاب أمل الاَمير علي خان لما فُتحت وصيّة والده التي كانت مُودعة في بنك (لويدز) في بريطانيا والتي تنصُّ على إمامة حفيده كريم بن علي شاه الحسيني (آغا خان الرابع) ، ولا أجد تفسيراً لها إلاّبنشوب الخلافات بينهما.
    و ممّا جاء في وصيته التي أبطل بها إ مامة ابنه :
    و نظراً إلى الظروف التي تغيّرت تغيّراً أساسياً في العالم في السنوات الاَخيرة ، ونظراً للتغيّ ـ رات الكبرى التي وقعت ، ومن بينها اكتشاف العلوم الذرية ، فإنّي على يقين أنّمصلحة الطائفة الاِسماعيليّة تقتضي أن يخلفني شابٌ نشأ وترعرع في السنوات الاَخيرة وسط هذا العصر الحديث ، وأن تكون له نظرةٌ جديدة للحياة عند تولّي زعامة الطائفة الاِسماعيليّة ، لذلك أختار حفيدي كريم خان ، ليكون خليفة لي وزعيماً للطائفة من بعدي. (3)
    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 402 ـ 403.
    2 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 393.
    3 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 402.


(183)
    وقد توفي ولده علي خان المعزول في الخامس عشر من ذي القعدة سنة 1380 هجرية ، بحادث اصطدام سيارته التي كان يقودها بنفسه ، ودفن جثمانه موَقتاً في قصره الخاص في نويللي بفرنسا ، ريثما يتم نقله إلى مقرّه الاَخير في سلَمية سوريا تنفيذاًلوصيته.
    فالاِمام الحاضر للاِسماعيليّة هو كريم حفيد (آغا خان الثالث) لا ولده.

كريم بن علي بن محمد
آغا خان الرابع
    ولد سنة 1938 م في مدينة جنيف بسويسرا ، والده هو الاَميرعلي خان الذي أُقصي عن مركز الاِمامة بموجب وصية والده سلطان محمد شاه (آغا خان الث ـ ال ـ ث) ، وأُمّه هي الاَميرة البريطانية (جون بربارايولد) ابنة اللورد تشارستون ، تلقّى علومه الاَوّلية في مدارس سويسرا ، فأتقن الانكليزية والفرنسية والاِسبانية ، كما درس اللغة العربية ، وبعد أن أكمل تحصيله في سويسرا انتسب إلى جامعة (هارفرد الاَميركية).
    كان كثير التنقل والاَسفار ، يمارس الرياضة الصعبة ، وقد نجا مرتين من حادثتي اصطدام مروعتين ، ويولي الشوَون الاقتصادية والمالية اهتمامه ، ويتجنّب الخوض ببحر السياسة. كما ويقوم بزيارة لاِفريقية وسوريا ولبنان وإيران في العام ، لتفقد شوَون أتباعه ومعالجة قضاياهم. وهو لا يزال حيّاً يرزق. (1)
    هوَلاء أئمّة النزاريّة القاسمية الآغاخانية ، وهم الفرقة المنحصرة باستمرار الاِمامة في أولاد إسماعيل ، وفق المذهب الاِسماعيلي ، فاللّه سبحانه يعلم هل تستمر الاِمامة بعد رحيله أوتدخل في كهف الغيبة.
    1 ـ الاِمامة في الاِسلام : 237؛ وتاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 403.

(184)

(185)
الفصل العاشر
في
الاِسماعيلية والاَصول الخمسة


(186)

(187)
الاِسلام عقيدة وشريعة ، والاِسماعيليّة كغيرها من المذاهب الاِسلاميّة لها أُصول ، وفروع ، أمّا الفروع فلا يختلفون مع المسلمين في أُمهاتها ، وكفى في الوقوف عليها ما كتبه القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي باسم « دعائم الاِسلام ». نعم ، انفردوا في الاعتقاد بأنّ لكلِّ حكم فرعي ظاهراً وباطناً ، ولهم موَلفات خاصّة في تأويل الظواهر الفرعيّة ، وقد ألّف القاضي المذكور كتاباً باسم « تأويل الدعائم » وسيمر عليك بعض تأويلاتهم في هذا المجال.
    إنّما الكلام في عقائدهم وأُصولهم التي بنوا مذهبهم عليها ، والعثور عليها أمر مشكل جدّاً وذلك لوجوه :
    الاَوّل : الظنّة بكتبهم والتستر عليها وإخفائها وعدم جعلها تحت متناول أيدي الآخرين ، وأن فرض عليهم الوضع الراهن كسرطوق التكتم ، وإزاحة الستار عن بعض الكتب ، والفضل يعود إلى غيرهم ، فلو كان الاَمر بيد دعاتهم وعلمائهم لما سمحوا بذلك ، ولَما وصلت بأيدينا تلك الكتب.
    الثاني : اتخاذ الفلسفة اليونانية عماداً وسنداً للمذهب ، فأدخلوا فيه أشياء كثيرةً ممّا لا صلة لها بباب العقائد والاَُصول ، ولا يضر الاعتقاد بها أو بعدمها ، ولا يضرّه جهلها فالقول بالعقول العشرة ، والاَفلاك التسعة ونفوسها ، وأنّ الصادر الاَوّل هو العقل إلى أن ينتهي الصدور إلى العقل العاشر ، فروض فلسفيّة طُرحت لحل مشكلة (امتناع صدور الكثيرعن الواحد) ، وهذه المباحث على فرض صحتها تختص بذوي المواهب الكبيرة في مجال الفكر ، فإدخالها في المذهب والدعوة إليها ، إلزام بلا ملزم.


(188)
    الثالث : أنّ المذهب الاِسماعيلي ، لم يكن في بدء ظهوره مذهباً منسقاً ، وإنّما تكامل حسب مرّ السنين ، نتيجة احتكاك الدعاة مع أصحاب الفلسفة اليونانية ، وحسب أذواقهم في مجال التأويل ، وهذا أمر مسلّم بينهم ، يقول الكاتب الاِسماعيلي مصطفى غالب :
    إنّالعقائد الاِسماعيلية لا يمكن دراستها وبحثها على أنّها عقائد ثابتة لفرقة موحّدة ، وذلك أنّها عقائد تطورت حسب البيئات والاَزمان ، واختلفت باختلافها ، وتشعّبت آراوَها ونظرياتها ، حتى أصبح من الصعب أن تبلور هذه العقائد ، أو أن تُصهر في بوتقة واحدة. (1)
    وقد اعتمدنا من بين كتبهم العقائديّة على كتابين هما :
    1 ـ « راحة العقل » : تأليف الداعي في عهد الحاكم ، أعني : حميد الدين أحمد ابن عبد اللّه الكرماني ، الملقّب بحجة العراقين ، وكبير دعاة الاِسماعيليّة في جزيرة العراق ، وصاحب الموَلّفات العديدة في المذهب الاِسماعيلي ، ألّفه عام (411 هـ) ، وقد عاصر الفيلسوف الاِسلامي الكبير ابن سينا (373 ـ 427 هـ) ومن المعلوم أنّ هذا العصر وما قبله عصر إزدهار الفلسفة اليونانية ، فقد قام المسلمون وغيرهم بترجمة تلك الفلسفة وشرحها وتحقيقها.
    وقد وضع الداعي كتابه هذا على غرار ما أُثر من الفلسفة ، وأدخل فيه شيئاً ممّا لا يمت إلى المذهب بصلة ، فإنّ أكثر مباحثه مسائل فلسفية بحتة ، أو طبيعية ، لا ارتباط لها بصميم المذهب.و يتجلّى ذلك بوضوح حينما يقوم الداعي الكرماني في ترسيم عوالم الخلقة.
    إنّ الكتاب لا ينقسم إلى أبواب أو مقالات ، ولا تشتمل أبوابه أو مقالاته على فصول على نحو ماجرت به العادة في تقسيم الكتب ، و إنّما ينقسم إلى أسوار ،
    1 ـ كنز الولد : 7 ، قسم المقدمة.

(189)
ويندرج تحت كلّ سور عدّة مشارع ، هي من السور بمنزلة الاَجزاء من البلد الذي يحيط به السور.
    فكان مثل « راحة العقل » كمثل المدينة ، و السور بمنزلة الاَبواب ، والمشارع بمنزلة الفصول ، ولكن عدد الاَسوار ، التي يشتمل عليها الكتاب سبعة ، يدخل في نطاق كلّ منها سبعة مشارع ، فتكون عدد المشارع تسعة وأربعين مشرعاً.
    ولكنّ تتمة لما ينطوي عليه منهجه في تقسيم الكتاب من معاني التأويل والمتقابلات قد زاد على هذه المشارع (التسعة والاَربعين) سبعة مشارع أُخرى.
    وإنّما كانت الاَسوار سبعة مقابلة بينها وبين السيارات السبع ، وهي : زحل ، والمشتري ، والمريخ ، والشمس ، والزهرة ، وعطارد ، والقمر.
    يقول الداعي : فجعلنا أسواره سبعة بإزاء السيارات منها الموَثرة في المواليد الجسمانية القائمة في الدين تأويلاً ، حيال بيوت أنوار اللّه أصحاب الاَدوار السبعة الموَثّرين في المواليد النفسانية. وجعلنا مشارع أسواره تسعة وأربعين مشرعاً ، بإزاء محيط الاَفلاك صغاراً وكباراً المحركة لما دونها من الاَجسام. (1)
    وقد طبع لاَوّل مرّة بالقاهرة بتحقيق الدكتور محمد كامل حسين والدكتور محمد مصطفى حلمي ، ونشرته دار الفكر العربي بالقاهرة عام 1371 هـ ، وأُعيد طبعه ثانياً بتحقيق مصطفى غالب الذي هو من كتّاب الاِسماعيلية نشره عام 1967م.
    2 ـ « تاج العقائد ومعدن الفوائد » ، تأليف الداعي الاِسماعيلي اليمني المطلق ، علي بن محمد الوليد (522 ـ 612 هـ) حقّقه عارف تامر ، ونشرته دار المشرق بيروت ، وهذا الكتاب أسهل فهماً وأحسن تعبيراً في بيان عقائد الاِسماعيلية.
    1 ـ راحة العقل : 25 ، ولاحظ المقدمة : 10.

(190)
    و نحن نعتمد على هذين الكتابين ـ مع البون الشاسع بينهما ـ في بيان الفوارق الموجودة بينهم وبين سائر الفرق ، دون أن نذكر المشتركات ، فانّ دراسة الجميع توَدي إلى أن يطول بنا الكلام ، والهدف تسليط الضوء على عقائدهم عن كثب ، وربّما نعتمد على غير هذين الكتابين عند اقتضاء الحال.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: فهرس