كتاب بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: 191 ـ 200
(191)
الاِسماعيلية والاَُصول الخمسة
1
عقيدتهم في التوحيد
1 ـ عقيدتهم في توحيده سبحانه ، أنّه واحد لا مثل له ولا ضد :
    يقول الكرماني في المشرع الخامس : إنّه تعالى لا ضد له ولا مثل (1) ثمّ يستدل عليه.
    ويقول علي بن محمد الوليد (الداعي الاِسماعيلي اليمني) : إنّه تعالى واحد لا من عدد ، ولا يُعتقد فيه كثرة ، أو إزدواج أشكال المخلوقات ، واختلاف البسائط والمركبات (2) ثمّيستدل عليه.
    و يقول أحد الدعاة الاِسماعيلية في قصيدة له في العقائد :
الحمد للّه القديم الاَزلي باري البرايا الدائم الفرد الصمد المبدع العالي معلِّ العلل والجاعل الواحد أصلاً للعدد (3)

    1 ـ راحة العقل : 47.
    2 ـ علي بن محمد الوليد : تاج العقائد ومعدن الفوائد : 21.
    3 ـ القصيدة الشافية : 1.


(192)
2 ـ انّه سبحانه ليس أيسا :
    إنّالاَيس بمعنى الوجود ، ولعلّ أوّل من استعمله هو الفيلسوف الكندي ، وقد اشتهر في الفلسفة الاِسلاميّة أنّالممكن من ذاته أن يكون ليس ، ومن علّته أن يكون أيس ، وإن كانت هذه الكلمة في التعبير عن مكانة الممكن تعبيراً غير دقيق ، لاَنّ معناه ، أنّالممكن من ذاته يقتضي العدمَ ، وهذه علامة الممتنع لا الممكن ، فالممكن لا يقتضي من صميم ذاته أحدَ الشيئين ، الاَيس والليس.
    وعلى كلّ تقدير فهوَلاء يستنكرون وصفه سبحانه بالاَيس ، المرادف للوجود.
    وقد استدل عليه الداعي الكرماني بوجه مبسّط نأخذ منه ماله صلة بصميم الموضوع ، وحاصل ما ذكره يرجع إلى أمرين :
    الاَوّل : لمّا كان الاَيس ـ في كونه أيساً ـ محتاجاً إلى ما يستند إليه في الوجود ، وكان هو ـ عزّ كبرياوَ هـ متعالياً عن الحاجة فيما هوهو إلى غير ، به يتعلق ، مابه هوهو ، كان من ذلك الحكم ، بأنّه تعالى خارج عن أن يكون أيساً ، لتعلّق كون الاَيس أيساً بالذي يتأوّل عليه الذي جعله أيساً ، واستحالة الاَمر في أن يكون هو تعالى أيساً ، ولا هو يحتاج فيما هوهو إلى غير به هوهو ، فيستند إليه ، تكبّر عن ذلك وتعزّز وتعالى علوّاً كبيراً.
    فإذا كان هو عزّوعلا غير محتاج فيما هوهو إلى غير ، به يتعلّق ، ما به هوهو ، فمحال كونه أيسا.
    وحاصل هذا الوجه مع تعقيده في التعبير ، يرجع إلى أمر واضح ، وهو أنّه لوكان موصوفاً بالوجود ، فبما أنّالصفة غير الموصوف ، يحتاج في وصفه به إلى الغير ، وهو تعالى غني عمّا سواه.
    ولو كان ما جاء به الكرماني مذهباً للاِسماعيليّة فهو يُعرب عن عدم نضوج الفلسفة اليونانية في أوساطهم ، فهوَلاء يتصوّرون أنّ الوجود أمر عارض على


(193)
الواجب ، فيبحثون عن مسبب العروض ، مع أنّه إذا كان ماهيته انيّته ، وكان تقدّست أسماوَه عين الوجود ، فالاستدلال ساقط من رأسه ، والمسألة مطروحة في الفلسفة الاِسلامية على وجه مبسط ، وفي ذلك الصدد يقول الحكيم السبزواري :
والحقّ ماهيّته إنِّيَّته إذ مقتضى العروض معلوليّته
    فمن أراد التفصيل فليرجع إلى المصدرين في الهامش. (1)
    الثاني : أنّ اللّه تعالى إن كان أيساً ، فلا يخلو أن يكون إمّا جوهراً ، وإمّا عرضاً.
    فإن كان جوهراً ، فلا يخلو أن يكون إمّا جسماً أو لا جسماً (المجرد).
    فإن كان جسماً ، فانقسام ذاته إلى ما به وجودها ، يقتضي وجود ما يتقدم عليه بكون كلّ متكثر مسبوقاً متأوّلاً عليه ، وهو يتعالى بسبحانيّته عن أن يتأوّل عليه غيره.
    وإن كان لا جسماً ، فلا يخلو أن يكون إمّا قائماً بالقوة مثل الاَنفس ، أو قائماً بالفعل مثل العقول.
    فإن كان قائماً بالقوّة ، فحاجته إلى ما به يخرج إلى الفعل تقتضي ما يتقدّم عليه ، وهو يتعالى عن ذلك.
    وإن كان قائماً بالفعل ، فلا يخلو من أن يكون إمّا فاعلاً في ذاته من غير حاجة إلى غيرٍ به يتم فعله ، أو فاعلاً في غيرٍ به يتم فعله.
    فإن كان فاعلاً في غير به يتم فعله ، فلنقصانه في فعله وحاجته إلى ما يتم به فعله ، تقتضي ما يتأوّل عليه ، وهو يتعالى عن ذلك.
    وإن كان فاعلاً في ذاته ، من غير حاجة إلى غيرٍ به يتم فعله ، فلاستيعاب ذاته النسب المختلفة بكثرة المعاني المتغايرة ، بكونه في ذاته فاعلاً ومفعولاً بذاته ،
    1 ـ راجع الاَسفار لصدر المتألهين : 1/96 ، باب في أنّ الحق تعالى إنيّة صرفة؛ وشرح المنظومة للحكيم السبزواري : 2/96.

(194)
يقتضي ما عنه وجوده الذي لا تكون فيه كثرة ولا قلّة بهذه النسب ، وهو يتعالى عن ذلك.
    وإن كان عَرضاً ، وكان وجودُ العرض مستنداً إلى وجود ما يتقدم عليه من الجوهر ، الذي به وجوده ، وهو يتعالى ويتكبر عن أن تتعلّق هويته بما يتأوّل عليه ، بطل أن يكون عرضاً. (1)
    وحاصل هذا الوجه أنّ كونه سبحانه موصوفاً بالاَيس ، لا يخلو من صور أربع :
    أ : أن يكون جوهراً جسمانياً.
    ب : أن يكون عرضاً.
    ج : أن يكون جوهراً مجرداً ، قائماً بالقوّة ، مثل الاَنفس.
    د : أن يكون جوهراً مجرداً قائماً بالفعل ، مثل العقول.
    الصورة الاَُولى : تستلزم أن يكون موَلّفاً من أجزاء ، والاَجزاء متقدّمة على الكُلّ ، فيكون محتاجاً إلى غيره.
    و مثلها الصورة الثانية : لحاجة العرض إلى وجود موضوع متقدم عليه.
    ومثلها الثالثة : لاَنّه إذا كان قائماً بالقوّة ، فيحتاج إلى من يخرجه إلى الفعل ، وأن يكون المخرج متقدّماً عليه ، وهو سبحانه غني.
    وأمّا الصورة الرابعة : فقد فصّل فيها الكلام ولها شقان :
    الاَوّل : أن يكون فاعلاً في ذاته ، من غير حاجة إلى غير به يتم فعله ، فهذا يستلزم اجتماع النسب المختلفة في ذاته.
    الثاني : أن يكون فاعلاً في غيرٍ به يتم فعله ، فهو يستلزم حاجته إلى ما يتمُّ به فعله ، وهو غني على الاِطلاق.
    1 ـ راحة العقل : 39 ـ 40.

(195)
    والاستدلال مبني على أنّه صوّر للواجب ماهيّة بين كونها جوهراً أو عرضاً ، والجوهر جسماني أو نفساني ، أوعقلائي ، والفروض كلّها باطلة ، لاَنّ القائل بكونه وجوداً ، وأيسا ، يقول : هو والوجود متساويان؛ الواجب = الوجود.
    ولا يذهب عليك أنّ الفرض الرابع ، وهو كونه موجوداً بالفعل مردداً بين كونه فاعلاً في ذاته ، أو فاعلاً في غير ، لا يخلو عن تعقيد وغموض.
    ثمّ إنّ الداعي ذكرَ وجهاً ثالثاً لعدم كونه سبحانه أيساً ، ليس له قيمة تذكر ، فمن أراد فليرجع إليه. (1)

3 ـ في نفي التسمية عنه :
    يقول الداعي الاِسماعيلي علي بن محمد الوليد : إنّوضع التسمية عليه محال ، إذ كانت التسمية إنَّما جعلت وسماً يوسم بها المخلوقات ، ليكون الخلق بها فصولاً فصولاً ، يتميّز بها كلّ صورة عن الصورة الاَُخرى ، حتى ينحفظ كلّ صنف منها ، ويمكن للعقل الحكاية عنها إذا دعت الحاجة إليها ، فيكون بذلك ظهور أشكال العالم في أيّ تسمية وسم بها ، وهو متعال ، ليس له صورة نفسانية ، ولا عقلية ، ولا طبيعيّة ، ولا صناعيّة ، بل يتعالى بعظيم شأنه ، وقوّة سلطانه عن أن يوسم بما يوسم به أسباب خلقته ، وفنون بريته ، و قد اتفقت فحول العلماء على أنّه تعالى لم يزل ولا شيء معه ، لا جوهراً ولا عرضاً. (2)
    ولا يذهب عليك ، أنّعنوان البحث غير منطبق على ما جاء فيه ، فلو كان العنوان من جانب الموَلّف ، وإلاّ فالعنوان يهدف إلى شيء ، وما ورد فيه إلى شيء آخر ، فإنّ تسمية اللّه سبحانه أمر اتّفق عليه كافّة أهل التوحيد ، ومراده هو نفي
    1 ـ راحة العقل : 40.
    2 ـ علي بن محمد الوليد : تاج العقائد ومعدن الفوائد : 26.


(196)
الماهيّة ، كالجوهرية والعرضية.
    كما أنّمراده في بحث آخر في الكتاب ، تحت عنوان « في نفي الحدّعنه » هو نفي كونه متناهياً.

4 ـ نفي الصفات عنه :
    إنّنفي الصفات عنه سبحانه ، مما اشتهر عن الاِمام أمير الموَمنين (عليه السّلام) في خطبه ، وعنه أخذت المعتزلة ، قال (عليه السّلام) : « أوّل الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الاِخلاص له ، وكمال الاِخلاص له نفي الصفات عنه ، بشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كلِّ موصوف أنّه غير الصفة ، فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنّاه ، ومن ثنّاه فقد جزّأه ، ومن جزّأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حدّه ، ومن حدّه فقد عده ، ومن قال : « فيم » فقد ضمّنه ، ومن قال : « عَلامَ؟ » فقد أخلى منه ». (1)
    وقد ذهبت الاِماميّة ، وقسم من المعتزلة ، تبعاً للاَدلة العقليّة ، التي أشار إليها الاِمام في كلامه ، بأنّ المرادَنفي الصفات الزائدة عليه ، لا نفي الصفات على الاِطلاق ، فاللّه سبحانه علمٌ كلّه ، قدرة كلّه ، حياة كلّه ، وهكذا ، لا أنّه شيء ، وعلمه شيء آخر ؛ خلافاً للاَشاعرة ، فقد ذهبوا إلى زيادة الصفات على الذات مع كونها قديمة ، فأورد عليهم باستلزامه القول بالقدماء الثمانية.
    ولكن الاِسماعيليّة ذهبت إلى نفي الصفات عنه على الاِطلاق ، واكتفت في مقام معرفته سبحانه بالقول بهويته وذاته دون وصفه بصفات ، حتى الصفات الجماليّة والكماليّة ، ولهذا نرى أنّ الداعي الكرماني يعترض على المعتزلة الذين
    1 ـ نهج البلاغة : الخطبة الاَُولى.

(197)
قالوا بنفي الصفات قائلاً :
    إنّ المتأمّل المنصف ، إذا فحص عن ذلك بفكره ، علم أنّ كلاً من المخالفين قد زيّن مذهبه ، بأن عمد في توحيده لمعبوده ما عمدناه ، وقصد ما قصدناه ، في استعمال حرف (لا ) في نفي (1) ما يستحق الغير عن اللّه تعالى ، خاصّة المعتزلة الذين صدّروا كتبهم ، وزيّنوها بقولهم في أُصول مذهبهم : بأنّ اللّه تعالى لا يوصف بصفات المخلوقين ... و هذا من قولهم ، هو أصل مذهبنا ، وعليه قاعدة دعوتنا ، بأنّنا لا نقول على اللّه تعالى ، ما يقال على المخلوقين ، وهو المعتمد في توحيد معبودنا ، والمقصود في أنحاء كلامنا ، لكن المعتزلة قالوا بأفواههم قول الموحدين ، واعتقدوا بأفئدتهم اعتقاد الملحدين ، بنقضهم قولهم أوّلاً بأنّاللّه لا يوصف بصفات المخلوقين ، بإطلاقهم على اللّه سبحانه وتعالى ما يستحقه غير اللّه تعالى ، من الصفات من القول بأنّه حيٌّ قادرٌ ، عالمٌ ، وسائر الصفات ، نعوذ باللّه. (2)
    ويقول علي بن محمد الوليد : إنّنفي الصفات عنه معتقد صحيح ، لا يسوغ تركه ، لاَنّ الصفات تلحق الجوهر ، إمّا في الاَجسام وإمّا في النفوس ، ويكون في الاَجسام كيفيات من خارجها ، كالاَقدار ، والاَلوان ، وما يجري مجراها ، وفي النفوس كيفيات من داخلها ، كالعلم ، والجهل ، ومايجري هذا المجرى ، وهو يتعالى عن أن يكون له داخل أو خارج.
    و ممّا تقرر عند كل ذي عقل أنّ الصفات تلحق الموصوف من غيره ، لا من ذاته ، ألا ترى أنّصفات الاَجسام التي هي لها ، تأتي من خارجها كالاَقدار والاَلوان ، وما يجري مجراها ، وفي النفوس كيفيات من داخلها ، كالعلم ، والجهل ومايجري هذا المجرى ، وهو يتعالى أن يكون له داخلاً أو خارجاً ، ومما تقرر عند كلّ ذي عقل أنّ الصفات تلحق الموصوف من غيره لا من ذاته. (3)
    1 ـ وفي المصدر (النفي)؛ راحة العقل : 52.
    2 ـ راحة العقل : 52 ـ 53.
    3 ـ علي بن محمد الوليد : تاج العقائدو معدن الفوائد : 27.


(198)
5 ـ الصّادر الاَوّل هو الموصوف بالصفات العليا :
    لمّا ذهبت الاِسماعيليّة إلى نفي الصفات عنه سبحانه ، مع أنّ الكتاب والسنّة مليئان بهما ، لم يكن لهم بُد من إرجاع تلك الصفات إلى المبدع الاَوّل ، الذي هو الموجود الاَوّل ، وإليه تنتهي الموجودات ، وهو الصادر عنه سبحانه بالاِبداع ، لا بالفيض والاِشراق ، كما عليه إخوان الصفا. (1)
    قال الداعي علي بن محمد الوليد : إنّ الباري تعالى وتقدّس لمّا تعاظم عن أن يُنال بصفة توجد في الموجودات ، لقصور الموجودات عن وصفه بما تستحقه الاِلهيّة ، جعل موجوداً أوّلاً تتعلّق الصفات به ، عطفاً ورحمةً ومنّة على عقول عباده أن تهلك وتضل ، إذا لم تستند إلى ما تقف عنده ، فتوقع الصفات عليه ، فجعل للعالم مبدأ مبدعاً ، وهو الاَوّل في الوجود من مراتب الموجودات ، وكان المبدع حق لوجوده عن المتعالى سبحانه ، غاية تنتهي إليها الموجودات.
    ثمّإنّه أفاض الكلام في صفاته ، وعرّفه بكونه : موجوداً حقاً واحداً ، تامّاً ، باقياً ، عاقلاً ، عالماً ، قادراً ، حيّاً ، فاعلاً.
    ثمّ قال : الحياة ذات جامعة لهذه الاَُمور وبها هي فاعلة. (2)
    وقال الداعي الكرماني في هذا الصدد :
    « فالاِبداع هو الحقّ والحقيقة ، وهو الوجود الاَوّل ، وهو الموجود الاَوّل ، وهو الوحدة ، وهو الواحد ، وهو الاَزل ، وهو الاَزلي ، وهو العقل الاَوّل ، وهو المعقول الاَوّل ، وهو العلم ، وهو العالم الاَوّل ، وهو القدرة ، وهو القادر الاَوّل ، وهو الحياة ، وهو الحيّ الاَوّل ، ذات واحدة ، تلحقها هذه الصفات ، يستحق بعضها لذاته ، وبعضها بإضافةٍ إلى غيره ، من غير أن تكون هناك كثرة بالذات.
    1 ـ رسائل اخوان الصفا : 3/189 ، طبعة بيروت.
    2 ـ علي بن محمد الوليد : تاج العقائد ومعدن الفوائد : 40 ـ 41.


(199)
    إلى أن قال : وهذه الاَُمور وجودها له ضروري ، لكونه أوّلاً في الوجود الواجب ، احتوائه على أشرف الكمالات وأشرف الموجودات.
    إلى أن يقول : وجوهر هذا الاِبداع جوهر الحياة ، وعينه عين الحياة ، والحياة متقدمة على سائر هذه الصفات ، ولذلك قدَّم اللّه تعالى عند وصفه سمة الحياة في قوله تعالى : « اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم » (1) فهو متوحّد من جهة كونه إبداعاً وشيئاً واحداً ، ومتكثّر من جهة الموجود فيه من الصفات ، على ما بيّناه. (2)
    أقول : إنّ المبدع الاَوّل حسب ما يذكرونه هو الاِله الثاني ، غير أنّه يفارقه بأنّه المبدَع بإبداعه سبحانه ، وبذلك يفترق عن إله العالمين.
    وأعجب منه أنّالكرماني يصفه بأنّه أزليٌّ ، ولعلَّ المراد أنّه قديم زماناً وحادثاً ذاتاً.
    على أنّهذا الكلام باطلٌ من أصله ، وذلك : لاِمكان وصفه سبحانه بالاَوصاف الجماليّة ، والكماليّة ، من دون أن يطرأ على ذاته وصمة النقص ، وذلك بحذف المبادىَ ، والاَخذ بالغايات ، فهو سبحانه علم ، لا بما أنّه كيف ، بل بما هو وجود بحت ، وأنّ الوصف ربَّما يكون له من الكمال على حدٍّ يكون قائماً بذاته لا طارئاً على الذات ، وما يلاحظ من المباينة بين الوصف والموصوف ، فإنّما هو من خصوصيات المورد أيْ الممكنات ، ولا يجب أن يكون كلّ وصف كذلك.
    1 ـ البقرة : 255.
    2 ـ راحة العقل : 83 ، طبعة القاهرة.


(200)
الاِسماعيلية والاَُصول الخمسة
2
عقيدتهم في العدل
    قد تعرّفت في البحث السابق على أنّهم لا يصفونه سبحانه بوصف ، ويعتقدون أنّه فوق الوصف ، وأنّغاية التوحيد نفي الوصف ، وإثبات الهوية ، ولهذا لا تجد عنواناً لهذا الفصل في كتبهم حسب ما وصل بأيدينا ، ولكن يمكن استكشاف عقيدتهم في عدله سبحانه من خلال دراستهم لفعل الاِنسان ، وهل هو إنسان مسيّر أو مخيّر؟

1 ـ الاِنسان مخيّر لا مسيّر
    يقول الداعي علي بن محمد الوليد : الاِنسان مجبور في حال تركيبه ، ورزقه ، ومدّته ، وحركات طبائعه ، والكيان بنشوئه ، ومايحدث عليه مقهور عليه مغيّب عن إدراكه وعيانه ، ليكون مفتقراً بالدعاء والتضرّع إلى خالقه ، إذ لو كشف له لفسد حاله.و مخيّ ـ ر غير مجبور فيما يعتقد لنفسه ، من علومه ، وصناعته ، ومذاهبه ، و معتقداته.
    إلى أن قال : ولولا ذلك لما كانت لها منفعة بإرسال الرسل ، وقبول العلم ، وتلقي الفوائد والانصياع لاَوامر اللّه تعالى ، إذ لو كانت مجبورة لاستغنت عن كلّ شيء تستفيده.
    ثمّ استدلّ بآيات منها قوله تعالى : « وَ أَنْ لَيْسَ لِلاِِنْسانِ إِلاّما سَعى * وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى » (1) إلى غير ذلك من الآيات. (2)
    1 ـ النجم : 39 ـ 40.
    2 ـ تاج العقائد : 166 ـ 168.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: فهرس