كتاب بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: 211 ـ 220
(211)
وأمين سره ، والقائم بأعمال الرسالة الكبرى ، والمنفذ للاَوامر العليا ، فمنه تتسلسل الاَئمة المستقرون في الاَدوار الزمنية ، وهو المسوَول عن شوَون الدعوة الباطنية القائمة على الطبقة الخاصة ممن عرفوا « التأويل » ووصلوا إلى العلوم الاِلهية العليا.

3 ـ الاِمام المتم
    هو الذي يتم أداء الرسالة في نهاية الدور ، والدور كما هو معروف أصلاً يقوم به سبعة من الاَئمة ، فالاِمام المتم يكون سابعاً ومتماً لرسالة الدور ، وانّ قوته تكون معادلة لقوة الاَئمّة الستة الذين سبقوه في الدور نفسه بمجموعهم. ومن جهة ثانية يطلق عليه اسم ناطق الدور أيضاً ، أي انّ وجوده يشبه وجود الناطق بالنسبة للاَدوار. أمّا الاِمام الذي يأتي بعده فيكون قائماً بدور جديد ، وموَسساً لبنيان حديث.

4 ـ الاِمام المستقر
    هو الذي يملك صلاحية توريث الاِمامة لولده ، كما أنّه صاحب النص على الاِمام الذي يأتي بعده ، ويسمّونه أيضاً الاِمام بجوهر والمتسلم شوَون الاِمامة بعد الناطق مباشرة ، والقائم بأعباء الاِمامة أصالة.

5 ـ الاِمام المستودع
    هو الذي يتسلّم شوَون الاِمامة في الظروف والاَدوار الاستثنائية ، وهو الذي يقوم بمهماتها نيابة عن الاِمام المستقر بنفس الصلاحيات المستقرة للاِمام المستقر ، ومن الواضح أنّه لا يستطيع أن يورث الاِمامة لاَحد من ولده ، كما أنّهم يطلقون عليه (نائب غيبة). (1)
    1 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 143 ـ 144.

(212)
    والعجب انّهم عندما بحثوا موضوع الاِمامة لم يجعلوا تسلسلها من إسماعيل ابن جعفر الصادق فحسب ، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك ، وحجتهم انّ الاِمامة إذا كانت قد بدأت من هذا العهد المبكر فتكون محدثة ولا يقوم وجودها على أساس (1) ، فذهبوا إلى عهد بدء الخليقة المعروف من عصر آدم إلى يومنا هذا ، ثمّ أضافوا إلى ذلك قولهم بالاَدوار والاَكوار ، فقد جعلوا كل دور يتألف من إمام مقيم ورسول ناطق أو أساس له ، ومن سبعة أئمة يكون سابعهم متم الدور ، ويمكن أن يزيد عدد الاَئمّة عن سبعة في ظروف أُخرى وفي فترات استثنائية ، وهذه الزيادة تحصل في عداد الاَئمّة المستودعين دون الاَئمّة المستقرين ، أمّا الدور فيكون عادة صغيراً وكبيراً ، فالدور الصغير هو الفترة التي تقع بين كلّ ناطق وناطق يقوم فيها سبعة أئمّة. أمّا الدور الكبير فيبتدىَ من عهد آدم إلى القائم المنتظر الذي يسمّى دوره الدور السابع ، ويكون بالوقت ذاته متماً لعدد النطقاء الستة.
    فلاَجل عرض صورة عن عقائدهم في مجال تسلسل الاِمامة من عصر أبينا آدم إلى يومنا هذا سوف نأتي بالجداول التي استخرجها ، عارف تامر في كتاب « الاِمامة » ومصطفى غالب في كتاب « تاريخ الدعوة الاِسماعيلية ».
    يقول عارف تامر : إنّ هذا الموضوع من أدق المواضيع وأصعبها ، بل هو بالحقيقة من الدعائم المتينة في عقائد الاِسماعيلية ، وقد يبدو لكل باحث فيها انّ دعاتها حافظوا على سريته التامة طيلة العصور الماضية وجعلوا معرفته مقتصرة على طبقة خاصة من العلماء والدعاة. (2)
    و سوف توافيك تلك الجداول تحت عنوان « شجرة الاِمامة الاِسماعيلية » في الفصل الحادي عشر فانتظر.
    1 ـ ماذا يعنون من هذه الجملة ، هل الاِمامة أمر أزلي ، أو الاِمام موجود قديم مع تضافر البراهين على حدوث ما سوى اللّه سبحانه؟!
    2 ـ الاِمامة في الاِسلام : 141.


(213)
المقام الثاني : في الاِمامة الخاصة
    قد تعرفت على نظام الاِمامة في مذهب الاِسماعيلية ولكن المهم هو الوقوف على ملامح الاِمامة عندهم بصورة عامة ، وقد تصدّى لذكرها الداعي اليمني علي ابن محمد الوليد في كتابه « تاج العقائد » ونحن ننقل منه ما يبيّن عقيدتهم في ذلك :

1 ـ صاحب الوصية أفضل العالم بعد النبي في الدور
    إنّ صاحب الوصية هو الذي جوهره لاحق بجوهره ، وكماله مشتق من كماله ، وإنّ معاني أقواله ورموز شريعته وأسرار ملته وحقائق دينه توجد عنده ، ولا تتعداه ، ولا توَخذ إلاّ منه ، وانّه المبرهن عن أغراضه ، والمفصح لاَقواله ، المبين لاَفعاله ، القائم بالهداية بعده لمن قصد المعرفة لما جاء به ، والحافظ لشريعته من الآراء المختلفة ، وبذلك كان وصياً ، ولا يوجد في الاَصحاب من يقوم مقامه ، ولا يسد مسده في حفظ معاني تكليفه الذي أخذه عن باريه مع ما يوجد فيه من الطهارة ، وصدق القول ، وزكاة النفس ، والاحتواء على العلوم ، والقربة منه في الطبع ، والجوهر ، والسابقة ، والصحبة ، و الاَصل. (1)

2 ـ في أنّ الاِمامة في آل بيت رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
    يُعْتقد انّ الاِمامة في آل بيت رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من نسل علي وفاطمة فرض من اللّه سبحانه أكمل به الدين فلا يتم الدين إلاّ به ، ولا يصحّ الاِيمان باللّه والرسول إلاّ بالاِيمان بالاِمام وا لحجّة ، ويدل على فرض الاِمامة إجماع الاَُمّة على أنّ الدين والشريعة لا يقومان ولا يصانان إلاّ بالاِمام ، وهذا حقّ لاَنّه سبحانه لا
    1 ـ تاج العقائد : 65.

(214)
يترك الخلق سدى. ولا يمنعهم هذه الفريضة التي لا تسوغ الهداية إلاّ بها.
    وإنّ الرسول نص على ذلك نصاً تشهد به الاَُمة كافة بقوله : « الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا ، وأبوهما خير منهما » ، ولم يحوج الاَُمّة إلى اختيارها في تنصيب الاِمام ، بل نص عليها بهذا لاَنّ بالاِمامة كمال الدين.
    فلو أنّ الرسول تركها حتى تكون الاَُمة هي التي تفعلها ويتم بما فعلوه (في) دين اللّه بقولهم انّ الرسول لم ينص على الوصية ولا استخلف أحداً لخرجت الاِمامة عن أن تكون فرضاً على الاَُمة ، وكان سبيلها سبيل الولاة في كلّ زمان ، القائمين بأُمور الناس.
    إلى أن قال : وقد اعترف المخالفون انّ إمامة الثلاثة ليست بنص ، لاَنّهم قد جحدوا النص والوصية وفيما جرى في السقيفة من الاَُصول ما يجب للعاقل أن يفكر فيه وغير معيوب على المتخلّف عن بيعتهم والخلاف لهم فيها إذ كان الحال فيما تقرّر مشهوراً غير مستور ، والعودة إلى الحقائق أولى لمن يعتمد عليها إذا كان طالباً للهداية مع ترك التعصب. (1)

3 ـ في أنّ الاِمامة وارثة النبوة والوصاية
    الاِمام يرث من النبوة الظواهر والاَحكام وجري الاَُمور على ما علمه من النظام.
    ويرث من صاحب الوصاية المعاني التي ورثها عن النبوة ، ليكون الكمال موجوداً لقاصده ، ومسلماً في شريعته التي جعلها عصمة لمن التجأ إليها ، وطهارة لمن التزم قوانينها وسار على محجَّتها ، فتسلم له دنياه ويفوز في عقباه بالتجائه إلى من عنده علم النجاة وحقيقة الشريعة السالمة من كلّتغيير وتمويه مع سلامة
    1 ـ المصدر نفسه : 65 ـ 66.

(215)
توحيده لباريه. (1)
    أقول : ولا يذهب عليك أنّ الاِمام على هذا أفضل من النبي كما هو أفضل من الوصي ، لاَنّ الاِمام جامع للمنقبتين ظاهر الشريعة وباطنها ، إلاّ إذا كان النبي رسولاً فهو جامع أيضاً للمنقبتين ، ولا أدري من أين لهم هذه الضوابط والقواعد ، وما هو الدليل على هذا التقسيم؟!

4 ـ في انقطاع الوصاية بعد ذهاب الوصي
    يُعْتقد أنّ الوصي إنّما يوصيه الرسول على معالم شريعته ، وأسرار ملّته ، وعيون هدايته ، وحقيقة أقواله ، وحفظ أسراره ، فإذا قام بها ومضى إلى دار كرامته استحال قيام وصي ثان بعده ، لاَنّ الشريعة لم تتغير ، ولا ذهبت فتأتي أوامر جديدة تحتاج إلى من يوصّى بحفظها والقيام بمعانيها وضبط أحوالها ، فلهذا كان انقطاع الوصية بعد مضي الوصي الذي خلّفه الرسول في العالم. (2)

5 ـ في استمرار الاِمامة في العالم دون النبوة والوصاية
    يُعْتقد : انّالاِمامة مستمرة الوجود في الاَدوار جميعها ، من أوّلها إلى آخرها ، لاَنّ الاِمام هو الوارث لما جاء به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الشرع والوصي على البيان ، لكونه حافظاً في الاَُمة على الهداية التي ورثها منهما ، ولمّا كان أمر الرسول والوصي جارياً على أهل الدور من أوّله إلى آخره ، كان من ذلك حفظ درجة الاِمامة على الدور بالاستمرار ، والتوالي ، إذ لم يبق زيادة تستجد فتحتاج إلى منزلة مستجدة ، فكانت هداية موروثة منسوبة إلى أصل الدور ، ومعلم الشريعة والبيان ، فلا تزال هذه
    1 ـ تاج العقائد : 66.
    2 ـ المصدر نفسه : 68.


(216)
الحالة مستمرة إلى حين تأذن الحكمة الاِلهية بتجديد شريعة ثانية ، وأمر يحتاج العالم إليه لحفظ نظامه ، ولمّا كانت هذه الشريعة ، أي شريعة محمد ، لا تنسخ ، ولا يفقد حكمها حتى قيام الساعة ، بقيت الاِمامة فيها موجودة ، ومحفوظة إلى حين قيام الاَشهاد ، ويوم التناد ، فلهذا استمرت الاِمامة في العالم دون النبوة ، والوصاية. (1)
    وعلى هذا فكلّ إمام غائب أو حاضر بعد الاِمام الصادق يساوي في الفضل والعلم والكمال الاِمام المنصوص في يوم الدار ويوم الغدير ، فالاِمام الحاضر ، أعني به : كريم آغا خان ، تساوي كفته في معالي الاَُمور كفّة الاِمام علي بن أبي طالب (عليه السّلام) فيقوم بنفس ما يقوم به الاِمام.
    ياتُرَى ما هذا الجور في القضاء والاعتساف في الحكم ، فكيف يكون الاِمام المذكور إماماً عالماً محيطاً بالشريعة وواقفاً على أسرارها مع أنّه تلقى علومه الاَوّلية في مدارس سويسرا فأتقن الانكليزية والفرنسية والاِسبانية كما درس اللغة العربية وبعد أن أكمل تحصيله في سويسرا انتسب إلى جامعة هارفرد الاَمريكية؟!! (2)
    والاِمام الذي يتلقّى العلوم الظاهرية في المدارس والجامعات كيف يكون واسطة في الفيض ، واقفاً على الاَسرار ، وإماماً يعادل في التقى والعصمة والعلم والفضل الاَئمّة المعصومين المنصوبين من قبل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ؟!
    وكأنّي بابن المعرة يقول :
فيا موت زر إنّالحياة ذميمة و يا جد جدي ان سعيك هازل

    1 ـ تاج العقائد : 69.
    2 ـ راجع تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 403.


(217)
6 ـ في أنّ الاِمام لا تجوز غيبته من الاَرض
    إنّ الاِمام لا تجوز غيبته عن الاَُمة بوجه ، ولا بسبب ، وإن حدثت فترة فتكون خواص شيعته على اتصال به ويعرفون مقامه ، ويدلّون من خلصت نيته إلى مقره.
    والغيبة لا تخلو من ثلاث خصال :
    1 ـ أن تكون غيبته من قبل اللّه.
    2 ـ أن تكون من قبل نفسه.
    3 ـ أن تكون من قبل الناس وخيفة من أعدائه.
    فباطل أن تكون الغيبة من قبل اللّه ، لاَنّذلك لا يليق بالحكيم العادل.
    وإذا رجعنا إلى نفسه فلا نجدها من قبلها ، لاَنّه معصوم من الخطايا وفرض ولايته يوجب حضوره.
    وإن كان من قبل الناس ، فقد شكّ في دين اللّه ، لاَنّ اللّه نصبه وتكفل إيصال الهداية إلى الاَُمة به ، وعرّفه أنّه لا يخرج من العالم حتى يورث مقامه هادياً مثله.
    إذن فليس لخوفه من الناس وجه.
    إلى أن قال : والاِمام هوالحاكم بين عباد اللّه ، الموهوب له الحكم من الحكيم الخبير والنائب في خلافته على الخلق ، الوارث الاَرض ، والمتصرف بأحكامها ولا يجب زواله ولا عدمه بوجه من الوجوه. (1)
    أقول : إنّ المراد من الغيبة ليس هو الغيبة عن عالم الوجود كما تصوّره ذلك الكاتب ، بل المراد من الغيبة هو الغيبة عن أعين الناس ، فهو يبعث بين الناس فيعرفهم ولا يعرفونه ، لا أنّه يخرج من الدنيا ويعيش في عالم آخر يباين ذلك
    1 ـ تاج العقائد : 69 ـ 70.

(218)
العالم ، وهذا يعرب عن أنّالداعي لم يرجع إلى كتب الاِمامية الاثني عشرية ، وهو مع ذلك يتصرف في الاَُمور حسب مصالح الناس وإن كان الناس لا يعرفونه ، ويتشرف بحضوره ويتمتع بلقائه من هو أهل لذلك وإن كان يكتمه ولا يظهره إلاّللخاصة من الناس.
    هذا هو القرآن الكريم يعرّف لنا ولياً من أوليائه سبحانه ، كان يعيش بين الناس ويركب سفينتهم ويتصرف فيها أمام أعينهم وهم لا يعرفونه ويتصرف في أُمور أشد من ذلك يقتل غلاماً معصوماً بإذن من اللّه ولا يُلاحَق ، ويبني جداراً في حال الانقضاض تحته كنز ليتيمين لغاية الستر عليه حتى يستخرجا كنزهما رحمة من ربه يقول سبحانه :
    « أَمّا السَفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُّ أَنْ أَعِيبَها وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً * وَ أَمّا الغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُوَْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً * وَأَمّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَ يَسْتَخْرِجا كَنْزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ » . (1)
    وقد غاب عن أعين الناس على وجه لم يكن الرسول موسى (عليه السّلام) عارفاً به ، وإنّما عرفه بتعريف من اللّه سبحانه.
    فلماذا لا تكون غيبة الاِمام بهذه الصورة ، أي يكون غائباًعن أعين الناس ولكن متصرفاً في مصالحهم ويلتقي مع خيار أُمته؟
    هذا وانّ لاَصحابنا كتباً ورسالات حول غيبة الاِمام الثاني عشر كشفوا فيها علل الغيبة ومصالحها وفوائدها ، فمن أراد فليرجع إليها. (2)
    1 ـ الكهف : 79 ـ 82.
    2 ـ لاحظ ، كمال الدين للشيخ الصدوق ، الغيبة للشيخ الطوسي ، ومنتخب الاَثر للعلامة الصافي.


(219)
7 ـ في الوصية بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى الوصي
    يعتقد بوصية الرسول إلى علي بن أبي طالب (عليه السّلام) من اثني عشر وجهاً ، منها :
    1 ـ قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : « لا يحل لامرىَ مسلم أن يبيت ليلتين إلاّو وصيته مكتوبة عند رأسه ».
    2 ـ إجماعنا على أنّالرسول استخلف علي في المدينة في غزوة تبوك مقتدياً باستخلاف موسى لاَخيه هارون عند مضيه لميقات ربه ، وفي هذا الاستخلاف قال له : « يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ».
    3 ـ حديث الدار والاِنذار وقد ذكره المفسرون في تفسير قوله سبحانه : « وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاََقْرَبينَ » (1). (2)
    أقول : والعجب انّه لم يذكر حديث الغدير الذي اتفقت الاَُمّة على نقله!!

8 ـ في قعود علي عن الخلافة
    ويعتقد انّ قعود الوصي بعد الوصية لم يكن عن عجز ، ولا تفريط ، و ذلك لاَنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد أعلمه عن دولة المتغلبين ، وعقوبة اللّه عزّ وجلّ لهم في ذلك بقوله : « إنّ لك يا علي في أُمّتي من بعدي أمر ، فإن ولّوك في عافية ، وأجمعوا عليك في رضى ، فقم بأُمورهم ، وإن اختلفوا واتبعوا غيرك ، فدعهم وماهم فيه ، فإنّاللّه سيجعل لك مخرجاً ».
    فلمّا قام أمير الموَمنين في يوم الجمل وصفين والنهروان قام في الوصية أيضاً لقول الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : « يا علي تقاتل بعدي الناكثين والمارقين والقاسطين ».
    1 ـ الشعراء : 214.
    2 ـ تاج العقائد : 60 ـ 64.


(220)
    فليت شعري من هوَلاء الذين نكثوا ومرقوا وقسطوا حتى قاتلهم ، هل هم غير أُمّة محمد الذين نكثوا بيعة وصيّه ومرقوا عن أمره ، وقسطوا وأظهروا الاَحقاد الكامنة له ولاَهل بيته بالرغم من أوامر الرسول إليهم. (1)

9 ـ في فساد إمامة المفضول
    يعتقد فساد إمامة المفضول وإبطال إمامة المشرك الناقض لقوله عزّوجلّ : « وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَإِنّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَوَمِنْ ذُرِّيَّتي قالَلا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمينَ » . (2)
    فجلّثناوَه وتقدّست أسماوَه بيّن أنّ عهد الاِمامة وخلافة اللّه تعالى لا تلحق من أشرك باللّه طرفة عين ، وإنّما يكون ميراثها في الطاهرين المصطفين العلماء ، لقوله تعالى : « ثُمَّ أَورَثْنَا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبيرِ » . (3)
    وقوله : « أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون » . (4)
    وقد ثبت انّ كلّ من دخل في الاِسلام من الجاهلية فقد عبد الاَصنام وتدنس بالشرك مع ما كانوا يفعلون برسول اللّه أيام حياته ممّا هو مشهور غير خفي.
    و توقف كلّ واحد منهم بعده وحاجتهم إلى علم علي مع طهارته واصطفائه عليهم في حالتي العلم والجسم ، وكونه لم يسجد لصنم ، ولا توقف عن أمر محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا كانت له سابقة في الجاهلية ، ولا أشرك في اللّه طرفة عين ، ولا
    1 ـ المصدر نفسه : 72.
    2 ـ البقرة : 124.
    3 ـ فاطر : 32.
    4 ـ يونس : 35.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: فهرس