كتاب بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: 221 ـ 230
(221)
تحمّل ، ولا كذب ، ولا داهن ، ولا مال إلى مفضول ، بالرغم من ميل الغير عنه إلى كل مفضول ، مع إقرار المفضول على نفسه بقوله : « ولّيت عليكم ولست بخيركم » وغير ذلك من قوله : « فإن غلطت فردّوني ، وإن اعوججت فقوّموني ، فإنّ لي شيطاناً يغريني ».
    فليت شعري على أي شيء اعتمدوا بتقديم من قدّموه دون نص ، أو وصية ». (1)

10 ـ في إبطال اختيار الاَُمّة للاِمام
    ويعتقد انّ اختيار الاَُمّة لنفسها الاِمام غير جائز ، لاَنّ إقامة الحدود على الاَُمّة هي للاِمام ، ففيها بعض رسوم الشريعة المبسوطة إلى الاِمام ، من دون الاَُمة ، فإقامة الاِمام الذي تتعلّق به كلّ أُمور الشريعة ، لاَنّه صاحب المقام العظيم ، والمستخلف أولى أن يكون بأمر اللّه ، وإذا كان إقامة الاِمام بأمر اللّه كان من ذلك الاِيجاب بأنّ الاختيار من الاَُمّة باطل.
    وانّ صحّة العلم انّ المختار للاِمامة لا يكون إلاّ بعد الاِحاطة بجميع ما يحتاج إليه في الاِمامة من علم الشريعة والكتاب والاَحكام ، ثمّ العلم بأنّ ما عرف ممّا يحتاج إليه في الاِمامة موجود فيمن يختاره هوكاف فيه. (2)

11 ـ في أنّ كلّ متوثب على مرتبة الاِمام فهو طاغوت
    ويعتقد انّ كلّ من دفع الاِمام عن مقامه ومنزلته وعانده بعد وصية النبي له في كلّ عصر وزمان ، إنّما هو المشار إليه باسم الطاغوت ، وهو رئيس الجائرين
    1 ـ تاج العقائد : 75 ـ 76.
    2 ـ تاج العقائد : 76.


(222)
الحائدين عن أمر الرسول ، المعنيّ بالظالم ، الذي توجهت إليه الاِشارة وإلى أمثاله في كلّ دور : « وَيَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَني اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسولِ سَبيلاً » . (1) إلى قوله تعالى : « لَقَدْ أَضَلّني عَنِ الذِّكْرِ بعْدَ إِذْ جاءَني وَكانَ الشيطانُ لِلاِنْسانِ خَذُولاً » . (2)
    فالطاغوت هو رئيس الجائرين المعتدي على المنصوص عليه ، والشيطان معاضده على الباطل القائم في نصرته المنمِّق للاَحاديث الكاذبة ليصرف وجوه الناس إليه ، ويصدّهم عن أمر اللّه ورسوله بالكون معه ، والطاعة له ، وإذا نظروا إلى ما تضمّنته الشريعة ، يتبين لهم الاَمر على جليته ، وتنفتح لهم طرق الهداية ويقع الانتباه ويزول الهوى ويشملهم التوفيق في قصدهم. (3)

12 ـ في أنّ الاَرض لا تخلو من حجّة للّه فيها
    يعتقد انّ الاَرض لا تخلو من حجّة للّه فيها : من نبي ، أو وصي ، أو إمام يقوم المسائل ، ويقيم الحدود ، ويحفظ المراسيم ، ويمنع الفساد في الشرع ، ويقبل الاَعمال ، ويزكّي الاَفعال ، وتقام به الحجة على الطالب ، ويزيل المشكلات إذا حلت على المتعلمين ، ويركز الاَُمة بعد غيبة نبيها ، إذا كان شخصه غير مستقر البقاء في العالم ، محفوظ النسب ، معروف الولادة ، متبِع دينَ آبائه ، لا يرجع عن أقوالهم ، ولا يقدم غيرهم ، ولا يكون مأمون خلاف غيره ، ولا مشير في الفضيلة إلى سواه ، متبوع لا تابع ، مقصود لا قاصد ، مرغوب في حكمه ، وصحّة أفعاله ، وتعاليمه ، وهدايته ، لاَنّ الرسول جعله دليلاً للمتعلم ، ونجاة للحائر. (4)
    1 ـ الفرقان : 27.
    2 ـ الفرقان : 29.
    3 ـ تاج العقائد : 78 ـ 79.
    4 ـ تاج العقائد : 70 ـ 71.


(223)
    أقول : إنّ ما ذكره من أنّ الاَرض لا تخلو من حجة للّه حق ، ولكن السبب ليس ما جاء في كلامه من إقامة الحدود ، وحفظ المراسم ، ومنع الفساد؛ فإنّ ذلك يقوم به سائر الولاة أيضاً ، وإنّما الوجه انّه الاِنسان الكامل وهو الغاية القصوى في الخلقة ويترتب على وجود ذلك الاِنسان الكامل بقاء العالم بإذن اللّه سبحانه وآخره لحصول الغاية وإلى ذلك يشير الحديث النبوي :
    « أهل بيتي أمان لاَهل الاَرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الاَرض ». (1)
    وقوله : (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعلي (عليه السّلام) : « إنّي وأحد عشر من ولدي وأنت يا علي رزّ الاَرض ـ أعني أوتادها وجبالها ـ بنا أوتد اللّه الاَرض أن تُسيخ بأهلها فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الاَرض بأهلها ولم ينظروا ». (2)
    وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : « أهل بيتي أمان لاَهل الاَرض ، فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الاَرض من الآيات ما كانوا يوعدون ». (3)
    وقال الاِمام أمير الموَمنين (عليه السّلام) : « اللّهمّ بلى لا تخلو الاَرض من قائم للّه بحجّة إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً ». (4)

13 ـ منع المبتدي عن الكلام
    ويُعتقد انّ منع المبتدي عن الكلام في الدين ، صفات ، واقتداء بأفعال اللّه ، وذلك انّ اللّه سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل الطفل يتكلم عند خروجه وولادته ، وإنّما تأخر عن الكلام لحكمة أوجبها لتكون لاَبويه عنده فضيلة التنطيق ، والتلقين ، والتعليم ، وكذلك المبتدي يمنع من المجادلة ، والنطق بما يشق على
    1 ـ الشريف الحضرمي : رشفة الصادي : 78 ، الصواعق المحرقة : 233 ـ 234.
    2 ـ الغيبة : 99 ، عنه البحار : 36/259 ح79.
    3 ـ الصواعق المحرقة : 150.
    (4) 4.نهج البلاغه : 497 ، قسم الحكم ، الحكمة رقم 147.


(224)
غيره ، ومتى تعلم من شيخه أو معلّمه القائم له مقام الصورة ، فيعلمه الاَُصول التي يجب الاحتياط بها نموذجاً يحتذى عليه في خطابه ، وكلامه فيما يجب الاحتياط له. (1)

14 ـ في أنّالقرآن لا ينسخه إلاّقرآن مثله
    ويعتقد انّ القرآن لا ينسخه إلاّ قرآن مثله ، والدلالة على ذلك موافقة السنّة للكتاب ، قال اللّه تعالى : « وإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ » . (2) قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في خطبة الوداع : « لا يقولنّ عليَّ أحد منكم مالم أقله ، فإنّي لم أحلل إلاّ ما أحلّه اللّه في كتابه ، وكيف أُخالف كتاب اللّه وبه هداني؟ وكيف أخالف كتاب اللّه وبه هداني وعليّ أُنزل؟ ». (3)

15 ـ في تخطئة القياس والاستحسان
    لا ترخّص الشيعة قاطبة القضاء والافتاء بالقياس والاستحسان ، والرأي غير المستنبط من الكتاب والسنّة ويظهر من الداعي علي بن محمد الوليد ، اتّفاق الاِسماعيلية على منع العمل به قال :
    إنّ الخطأ ، القول بالرأي ، والقياس ، والاجتهاد والاستحسان ، بدليل قوله تعالى : « وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتِكُمُ الكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلى اللّهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلى اللّهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ » . (4)
    وقال اللّه عزّوجلّ : « وَ قالُوا لَنْ تَمَسَنّا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ
    1 ـ تاج العقائد : 181.
    2 ـ النحل : 101.
    3 ـ تاج العقائد : 98.
    4 ـ النحل : 116.


(225)
اللّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ » . (1) فالقائل في الدين برأيه واجتهاده قائل عن اللّه مالا يعلم.
    قال النبي : « اتبعوا ولا تبدعوا ، فإنّ البدعة رأس كلّضلالة ، وكلّ ضلالة في النار ».
    وقال عبد اللّه بن جعفر بن محمد : « إيّاك وخصلتان فيهما هلك من هلك ، إيّاك أن تكتفي برأيك ، أو تدين بمالا تعلم ».
    وقال (عليه السّلام) : « إيّاك والقياس ، فإنّ أوّل من قاس إبليس فأخطأ في قوله : « قالَ ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَني مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِين » (2) ».
    فالدين لا يصح إلاّ بالاقتداء والاتباع للكتاب والسنّة ، والرضا ، والتسليم ، إلى الهادي الذي عرفناه ، ورضيناه من غير ابتداع ، ولا قول برأي ولا قياس ، ولا تقليد سلف.
    قال رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : « الاَُمور ثلاثة : أمر قد بان لك رشده فاتبعه ، وأمر بان لك غيّه فاجتنبه ، وأمر أشكل عليك فرده إلى أهله ».
    وقال الاِمام جعفر بن محمد لاَبي حنيفة النعمان القائل بالرأي والقياس : « يا نعمان بلغني انّك تعمل بالقياس ، فأخبرني إن كنت مصيباً : لم جعلت العين مالحة ، والمنخران رطبان ، والاَُذنان مرّتان ، واللسان عذب؟ » قال : لا أدري ، فأخبرني جعلت فداك؟ فقال الصادق : « العين مالحة لاَنّها شحمة ، ولا تصلحها إلاّ الملوحة؛ والاَنف رطب لاَنّه مجرى الدماغ والنفس؛ والاَُذن مرّة لقتل الدواب ، متى دخلتها؛ وجعل اللسان عذب ليعرف به طعوم الاَشياء. يا نعمان إذا لم تعرف
    1 ـ البقرة : 80.
    2 ـ الاَعراف : 12.


(226)
ما جعله اللّه في بنيتك ، وأحكمه في صورتك لتمام منافعك ، فكيف تقيس على دين اللّه عزّوجلّ؟! » فقال : أخبرني جعلت فداك ، لم تقضي الحائض الصيام دون الصلاة؟ فقال (عليه السّلام) : « لاَنّالصلاة تكرر » قال : أخبرني لم وجب الغسل من الجنابة ، و الوضوء من الغائط؟ قال : « لاَنّ الجنابة تخرج من جميع الجسد ، بينما الغائط من مكان واحد » قال : أخبرني لم فضّل الرجل في الفرائض على الامرأة مع ضعفها ، وقوته؟ قال : « لاَنّ اللّه تعالى جعل الرجال قوامين على النساء ، ينفقون عليهن » ، فقال أبو حنيفة : « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ » . (1)
    فترك القياس سعادة للمكلّف ، وضبط له عن الخوض في دين اللّه برأي النفس ، والهوى الغالب ، فإنّ أصل الشريعة ليس بقياس ، لاَنّه أخذ عن اللّه تعالى بتعليم الملك ، وأخذ من الرسول بتعليم دون قياس ، وأخذ من الوصي بتعليم النبي ، وأخذ من الاِمام بتعليم الوصي ، وأخذ الرجال بتعليم الاِمام دون رأي من يرى ، وقياس من قاس ، واجتهاد من اجتهد ، بالظنون الكاذبة ، والرأي ، والآراء المتناقضة. (2)
    1 ـ الاَنعام : 124.
    2 ـ تاج العقائد ومعدن الفوائد : 82 ـ 84.


(227)
الاِسماعيلية والاَُصول الخمسة
5
عقيدتهم في المعاد وما يرتبط به
    المعاد بمعنى عود الاِنسان إلى الحياة الجديدة من أُسس الشرائع السماوية وهي حقيقة لا تنفك عن الاِيمان باللّه ، لذا نرى أنّ أصحاب الشرائع اتّفقوا على وجود المعاد بعد الموت : « وَ أَنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُور » . (1) ولولا القول بالمعاد لما قام للدين عمود ، ولا اخضرّ له عود.
    نعم ، اختلفوا في كونه جسمانياً أو روحانياً وعلى فرض كونه جسمانياً فهل الجسم المعاد جسم لطيف برزخي أوجسم عنصري؟
    والاِمعان في الآيات الواردة حول المعاد يثبت الاَخير بلا شك ، فهلمّ معي ندرس عقيدة الاِسماعيلية في المعاد وكيفيته.

1 ـ في أنّ المعاد روحاني لا جسماني
    قال الكرماني ـ بعد بيان النشأة الاَُولى في الدنيا ـ : ثمّ اللّه ينشأ النشأة الآخرة ، بقوله تعالى : « وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الاَُولى ـ التي هي خلق أجسامكم من قبيل جسمكم ـ فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ » (2) فهلا تتفكرون وتوازنون وتعلمون انّ النظام في الخلق والبعث واحد ، وانّ النشأة الآخرة هي خلق الاَرواح وإحياوَها بروح
    1 ـ الحج : 7.
    2 ـ الواقعة : 62.


(228)
القدس على مثال النشأة الاَُولى. ثمّ إنّه أفاض في الكلام ومحصّله : كما أنّ الاِنسان في عالم الاحشاء يكتسب آلات ليحس بها الكمالات عند مصيره إلى عالم الدنيا ، فهكذا هو في عالم الجسم والدنيا يكتسب آلات ليلتذ بها عند مسيره إلى عالم الآخرة ، فكما أنّه يستغني عند مسيره من عالم الاحشاء إلى عالم الحس عمّ ـ ا فيها ، فهكذا عند مسيره من عالم الحس إلى عالم الآخرة وإليك عبارته :
    ولما كان الاَمر في وجود النفس وكمالها كالاَمر في جسمها كما نطق به الكتاب الكريم ، فالاِنسان ينتقل من رتبة النطفية إلى رتبة العلقية ، و من رتبة العلقية إلى رتبة المضغية ومن رتبة المضغية كذلك أن يحصل له الآلات من عين وأُذن ويد و رجل وأنف ولسان وغير ذلك من الاَُمور ليقوم بالفعل بها عند مصيره إلى عالم الحس إذ كان وجودها له في تلك الظلمات وضيق الاَحشاء لا لها ، بل لفسحة الدنيا وما فيها فيكون ما يلتذ به أو يألم بحسب ما اكتسب في الاَحشاء من الآلات ، فهكذا وجودها في جسمها لا له بل لذاتها التي تليق بعالم آخر إليه مصيرها وعند مفارقة الجسم من جسمها مصيراً إلى الآخرة التي إليها إنهاوَها كمفارقة جسمها الاَحشاء مصيراً إلى عالم الحس الذي إليه وروده وتكون ذاتها في آخرتها لذاتها آلة تجد بها الملاذ كالجسم الذي هو لها في دنياها آلة تجد بها الملاذ ، وما يحصل لها من روح القدس في ذلك العالم كالروح الحسي الذي يحصل للجسم في هذا العالم. (1)
    ومن تأمل فيما أفاض يذعن بأنّ المعاد عندهم روحاني لا جسماني ، وقد صرح بذلك أيضاً الداعي علي بن محمد الوليد ، وقال : ويعتقد انّ اللّه تعالى دعانا على ألسنة وسائطه بقبول أمره ، إلى دار غير هذه الدار فهذه الدار صورية وتلك مادية ومابينهما صوري ومادي. (2)
    1 ـ راحة العقل : 361 ، المشرع 13.
    2 ـ تاج العقائد : 165.


(229)
2 ـ في التناسخ
    وهو عود الروح بعد مفارقة البدن إلى الدنيا عن طريق تعلقها ببدن آخر كتعلّقها بالجنين عند استعدادها لاِفاضة الروح وله أقسام مذكورة في محلّها. (1)
    وربما ينسب القول بالتناسخ إلى الاِسماعيليّة ، ولكن النسبة في غير محلّها.
    يقول الداعي الكرماني : وأمّا من يرى الجزاء ، مثل محمد بن زكريا والغلاة وأهل التناسخ ، وانّه يكون في الدنيا ، فمن اعتقادهم انّهذه الاَنفس لها وجود قبل أشخاصها بخلاف اعتقاد الدهرية وأمثالها ممّن ينحون نحوهم الذين يقولون انّوجودها بوجود أشخاصها ، ويقولون : إنّها جوهر تتردد في الهياكل بحسب اكتسابها إلى أن تصفو وتعود ، فقد (2) أوردنا في كتابنا المعروف بـ « الرياض » و « ميزان العقل » وغيرهما من رسائلنا في فساد قولهم ما يغني سيّما ما يختص بذلك في كتابنا المعروف بـ « المقاييس » رداً على الغلاة وأشباههم. (3)
    يقول الكاتب الاِسماعيلي مصطفى غالب : ويذهب أكثر الذين كتبوا عن عقائد الاِسماعيليّة من القدماء والمحدثين بأنّ الاِسماعيليّة يقولون بتناسخ الاَرواح ، أي أنّ الروح بعد الموت تنتقل إلى إنسان آخر أو إلى حيوان أو نبات على نحو ما نراه في العقيدة البوذية أو النصيرية مثلاً ، ويمكننا بعد أن درسنا كتب الاِسماعيلية السرية والعلنية دراسة دقيقة ، أن نقول بأنّهم لا يدينون مطلقاً بالتناسخ ، بل ذهبوا إلى أنّ الاِنسان بعد موته يستحيل عنصره الترابي (جسمه) إلى ما يجانسه من التراب ، وينتقل عنصره الروحي (الروح) إلى الملاَ الاَعلى ، فإن كان الاِنسان في حياته موَمناً بالاِمام فهي تحشر في زمرة الصالحين وتصبح ملكاً مدبراً ،
    1 ـ لاحظ شرح المنظومة للحكيم السبزواري : 312.
    2 ـ جواب لقوله : امّا.
    3 ـ راحة العقل : 364.


(230)
وإن كان شريراً عاصياً لاِمامه حشرت مع الاَبالسة والشياطين وهم أعداء الاِمام.
    والاِمام نفسه يجري على جسده مثلما يجري على سائر الاَجساد بعد الموت ، حيث يتحلّل كل قسم إلى ما يناسبه ، فالجسم الترابي يعود إلى التراب ، والنفس الشريفة تعود إلى ما يجانسها ويناسبها ، فتصبح نفس الاِمام عقلاً من العقول المدبرة للعالم ، فلا تتناسخ ولا تتلاشى أي تتقمص. (1)

3 ـ في الحساب
    والحساب تابع للبعث وهو فعل يحدث عنه من النفس للنفس الثواب الذي هو الملاذ والمسار ، والعقاب الذي هو الاَلم والعذاب والغم ، وينقسم هذا الفعل إلى ما يكون وجوده في الدنيا ، وإلى ما يكون وجوده في الآخرة.
    فأمّا ما يكون وجوده في الدنيا فينقسم قسمين. ثمّ أفاض الكلام في القسمين. (2)

4 ـ في الجنة
    يقول الكرماني : إنّها موصوفة بالسرمد والاَبد ووجود الملاذ فيها أجمع ، وأنّها لا تستحيل ، ولا تتغير ، ولا يطرأ عليها حال ، ولا تتبدل ، والذي بهذه الصفة هو النهاية الاَُولة من الموجودات عن المتعالى سبحانه عن الموصوفات والصفات إبداعاً خارج الصفحة العليا من السماوات المعرب عنها بسدرة المنتهى الذي هوالمبدع الاَوّل. (3)
    1 ـ مصطفى غالب : في مقدمة كتاب الينابيع : 16.
    2 ـ راحة العقل : 369.
    3 ـ راحة العقل : 379.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: فهرس