كتاب بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: 261 ـ 270
(261)
إنّ نظرية المثل والممثول تُعدُّ الحجر الاَساس لِعامّة عقائد الاِسماعيليّة ، التي جعلت لكلِّ ظاهر باطناً ، وسمّوا الاَوّل مثلاً ، والثاني ممثولاً.وعليه تبتني نظرية التأويل الدينيّة الفلسفية ، فتذهب إلى أنّ اللّه تعالى جعل كلَّ معاني الدّين في الموجودات ، لذا يجب أن يُستدل بما في الطبيعة على إدراك حقيقةَ الدين ، فما ظهر من أُمور الدين من العبادة العمليّة ، التي بيّنها القرآن معاني يفهمها العامّة ، ولكن لكلّ فريضة من فرائض الدين تأويلاً باطناً ، لا يعلمه إلاّ الاَئمّة ، وكبار حججهم وأبوابهم ودعاتهم. (1)
    يقول الداعي الموَيد في الدين الشيرازي : خلق اللّه أمثالاً وممثولات ، فجسم الاِنسان مثل ، ونفسه ممثول ، والدنيا مثَل والآخرة ممثول ، وانَّ هذه الاَعلام التي خلقها اللّه تعالى ، وجعل قُوام الحياة بها ، من الشمس والقمر ، و النجوم ، لها ذوات قائمة ، يحل منها محل المثل وانّقواها الباطنة التي توَثر في المصنوعات ، هي ممثول تلك الاَمثال.
    وقال صاحب المجالس المستنصرية : معشر الموَمنين انّ اللّه تعالى ضرب لكم الاَمثال جملاً وتفصيلاً ، ولم يستح من صغر المثال إذا بيّن به ممثولاً ، وجعل ظاهر القرآن على باطنه دليلاً ، ومن قصيدة الموَيد للدين يقول فيها :
أقصد حمى ممثوله دون المَثل ذا أبرُ النحل (2) وهذا كالعسل

    1 ـ مصطفى غالب : في مقدمة الينابيع : 13.
    2 ـ ابر النحل : لذعته.


(262)
    واستناداً إلى نظرية المثل والممثول يجب أن يكون في العالم الاَرضي عالم جسماني ظاهر يماثل العالم الروحانيّ الباطن. (1)

1 ـ العقول العشرة
    إنّ الاِسماعيليّة استخدمت في تطبيق تلك النظرية ، على ما تتبناه من تطبيق الدعوة الدينيّة على عالم التكوين نظرية الفلسفة اليونانية في كيفيّة حصول الكثرة في العالم ، ولم يكن الهدف في استخدام نظريتهم ، في بيان صدور الكثرات من الواحد البسيط ، إلاّ تطبيقها على الدعوة الدينيّة ، حتى يكون لكلِّ ظاهر باطن.
    توضيحه : أثبتت البراهين الفلسفيّة أنّه سبحانه واحد ، بسيط من جميع الجهات ، لا كثرةَ فيه ، لا خارجاً ولا عقلاً ، ولا وهماً
    ثمّ إنّهم بعد البرهنة على تلك القاعدة ، وقعوا في مأزق وهو أنّه كيف صدرت من الواحد البسيط ـ الذي لا يصدر عنه إلاّ الواحد ـ هذه الكثرات في عالم العقول ، والاَفلاك ، والاَجسام؟
    ذهب أرسطو وتلاميذه ، ومن تبعهم من المسلمين كالفارابي والشيخ الرئيس ، إلى أنّ الصادر منه سبحانه واحد ، وهو : العقل الاَوّل ، وهو مشتمل على جهتين :
    جهة لعقله لمبدئه ، وجهة إضافته إلى ماهيته.
    فبالنظر إلى الجهة الاَُولى صدر العقل الثاني ، وبالنظر إلى الجهة الثانية صدر الفلك الاَوّل ونفسه ، الذي هو الفلك الاَقصى.
    وصدر من العقل الثاني لهاتين الجهتين ، العقل الثالث ، والفلك الثاني مع نفسه ، الذي هو فلك الثوابت.
    1 ـ مصطفى غالب : في مقدمة الينابيع : 13.

(263)
    ثمّ صدر من العقل الثالث لهاتين الجهتين ، العقل الرابع ، والفلك الثالث مع نفسه ، الذي هو فلك زحل.
    وبهذا الترتيب ، صدر العقل الخامس والفلك الرابع ، الذي هو فلك المشتري ، إلى أن وصل عدد العقول إلى عشرة ، وعدد الاَفلاك مع نفوسها تسعة.
    و تبنّى المذهب الاِسماعيلي ، الذي هو مذهب ذو صبغة فلسفيّة يونانيّة هذه النظرية مع اختلاف يسير في التعبير لا غير ، والفكرة الرئيسيّة عندهم واحدة.
    فمثلاً يعبّر الداعي الكرماني عن العقل الاَوّل بالمبدع ، كما يعبّر عن العقل الثاني بالمنبعث الاَوّل ، وكلا المسلكين يشتركان في أنّه يبتدىَ الصدور بالعقل الاَوّل ، الذي تسمّيه فلسفةُ المشاء بالعقل الاَوّل ، والمذهب الاِسماعيليّ بالمبدع الاَوّل ، وتنتهي بالعقل الفعّال ، ويتوسط بين العقل الاَوّل والعقل الفعّال سلسلة العقول ، والاَفلاك الاَُخرى.
    يقول الداعي الكرماني :
    والعقل الاَوّل مركز لعالم العقول إلى العقل الفعّال ، والعقل الفعّال عاقل للكل ، وهو مركز لعالم الجسم ، من الاَجسام العالية الثابتة (الاَفلاك) إلى الاَجسام المستحيلة المسمّاة عالم الكون والفساد (العناصر الاَربعة). (1)
    يقول الحكيم السبزواري في بيان تلك النظرية :
فالعقل الاَوّل لدى المشاء وعقله لذاته للفلك وهكذا حتى لعاشرٍ وصل بالفقر معط لهيولى العنصر فللهيولى كثرة استعداد وجوبه مبدأ ثان جاء دان لدان سامك لسامك والفيض منه في العناصر حصل و بالوجوب لنفوس صور بحركات السبعة الشداد (2)

    1 ـ راحة العقل : 127 ـ 129.
    2 ـ السبزواري : شرح المنظومة : 185.



(264)
    ثمّ إنّ المهم تطبيق هذه الدرجات الكونية على درجات الدعوة الدينيّة عند الاِسماعيليّة ، فقد جعلوا لكل ظاهر باطناً ، ولكلّ درجة كونيّة درجة دينيّة ، و إليك جدولاً يوضح ذلك :
    1 ـ العقل الاَوّل = الناطق.
    2 ـ العقل الثاني = الفلك الاَقصى = الاَساس.
    3 ـ العقل الثالث = فلك الثوابت = الاِمام.
    4 ـ العقل الرابع = فلك زحل = الباب.
    5 ـ العقل الخامس = فلك المشتري = الحجّة.
    6 ـ العقل السادس = فلك المريخ = داعي البلاغ.
    7 ـ العقل السابع= فلك الشمس = الداعي المطلق.
    8 ـ العقل الثامن= فلك زهرة = الداعي المحدود.
    9 ـ العقل التاسع= فلك عطارد = المأذون المطلق.
    10 ـ العقل العاشر= فلك القمر = المأذون المحدود ، وربّما يُطلق عليه المكاسر والمكالب. (1)
    هذا عرض موجز عن الدرجات الدينيّة للدعوة ، وأمّا تفسيرها فإليك بيانها إجمالاً :
    1 ـ الناطق : وله رتبة التنزيل.
    2 ـ الاَساس : وله رتبة التأويل.
    3 ـ الاِمام : وله رتبة الاَمر.
    4 ـ الباب : وله رتبة فصل الخطاب.
    1 ـ إنّ محقّقي كتاب راحة العقل لم يذكروا فلك الثوابت ، ولهذا صار العقل ممثولاً لما دون القمر ، وجعلوا فلك الاَفلاك والمحيط. فلكين مستقلين ، مع أنّهما في هيئة بطليموس ، فلك واحد ، إلاّ أن يخلتف ترتيب العوالم العلوية عند الاِسماعيليّة مع ما هو الثابت في علم الهيئة (لاحظ راحة العقل ، ص 25).

(265)
    5 ـ الحجّة : وله رتبة الحكم فيما كان حقّاً أو باطلاً.
    6 ـ داعي البلاغ : و له رتبة الاحتجاج ، وتعريف المعاد.
    7 ـ الداعي المطلق : وله رتبة تعريف الحدود العلوية والعبادة الباطنية.
    8 ـ الداعي المحصور ، أو المحدود : وله رتبة تعريف الحدود السفليّة والعبادة الظاهرة.
    9 ـ المأذون المطلق : وله رتبة أخذ العهد والميثاق.
    10 ـ المأذون المحدود : وله رتبة جذب الاَنفس المستجيبة ، وهو المكاسر. (1)

2 ـ النطقاء السبعة وأمثالها :
    وربّما يعبّرون عنها بالحروف السبعة (آ ، ن ، إ ، م ، ع ، م ، ق) وهي الحروف الاَُولى من أسماء النطقاء السبعة ، وهم : آدم ، نوح ، إبراهيم ، موسى ، عيسى ، محمد ، قائم (2) مع أُسسهم ممثولين للاَفلاك السبعة بالشكل التالي :
المثل الممثول أساسه
1 ـ زحل آدم شيث
2 ـ المشتري نوح سام
3 ـ المريخ إبراهيم إسماعيل
4 ـ الشمس موسى يوشع
5 ـ الزهرة عيسى شمعون
6 ـ عطارد محمد علي
7 ـ القمر القائم مهدي (3)

    1 ـ مصطفى غالب : في مقدمة كتاب الينابيع23.
    2 ـ يريدون به محمد بن إسماعيل ، لاَنّ والده توفي في حياة أبيه ، فانتقلت الاِمامة إليه ، وهو القائم والاِمام المستقر ، وأمّا الاِمام الكاظم (عليه السّلام) فقد كان إماماً مستودعاً.
    3 ـ القصيدة الشافية : 38 ، قسم التعليقة.


(266)
3 ـ الاَنوار الخمسة وأمثالها :
    الاَنوار الخمسة ، عبارة عن أُولى الموجودات في العالم ، وهي : السابق ، والتالي ، والجد ، والفتح ، والخيال ، وكلُّها ممثولات ، ولها أمثلة في الحدود العلويّة ، وفي عالم الدين ، وعالم المادة بالشكل التالي :
المثل المثل في العالم العلوي الممثول في عالم الدين المثل في عالم الجسم
1 ـ السابق العقل الكلّي النبي السماء
2 ـ التالي النفس الكلّي الاِمام الاَرض
3 ـ الجد إسرافيل الوصي المعدن
4 ـ الفتح ميكائيل الحجّة النبات
5 ـ الخيال جبرائيل الداعي الحيوان
    وكلٌّ يأخذ الفيض من السابق ، ويفيضه إلى التالي. (1)
    وإلى هذه الاَنوار الخمسة يشير الداعي في قصيدته الشافيّة عند ذكر توبة آدم وتوسله بها قائلاً :
وعاد للّه بحسن التوبة وقال يا ربي إنّي أسأل مُبتهلاً بالخمسة الاَنوار من سابق كان بلا مثال والجد ثم الفتح والخيال آدم كي يغفر تلك الحوبة وإنّني عن زلّتي منفصل أوّل ما أبدعته في الدّار ولاحق يتلوه بالكمال وبالحروف السبعة الاَشكال (2)

    1 ـ القصيدة الشافية : 37 ، قسم التعليقة؛ ناصر خسرو : خوان الاِخوان : 199.
    2 ـ القصيدة الشافية : 37.


(267)
نماذج من تأويلاتهم الفقهية
    لما كان القول بالمثَل والممثول أساساً للتأويل ، نذكر في المقام بعض تأويلاتهم في الشريعة.
    قالت الاِسماعيليّة : إنّ لكلّ ظاهر في الشريعة ، كالوضوء ، والصلاة ، والزكاة ، والجهاد ، والحج ، والولاية ، وغيرها باطناً ، يجب الاِيمان به.
    وقد كتب كثير من الفاطميين كُتباً في التأويل ، غير أنّ قاضي القضاة ، النعمان بن محمد ، قام بأمرين :
    الاَوّل : ألَّف كتاباً باسم « دعائم الاِسلام » وذكر الحلال والحرام والقضايا والاَحكام ، وطبع الكتاب في جزءين وهو يشتمل على الكتب التالية :
    1 ـ كتاب الولاية.
    2 ـ كتاب الطهارة.
    3 ـ كتاب الصلاة.
    4 ـ كتاب الزكاة.
    5 ـ كتاب الصوم والاعتكاف.
    6 ـ كتاب الحج.
    7 ـ كتاب الجهاد.
    8 ـ كتاب البيوع والاَحكام.
    9 ـ كتاب الاَيمان والنذور.
    10 ـ كتاب الاَشربة.
    11 ـ كتاب الاَطعمة
    12 ـ كتاب الطب.
    13 ـ كتاب اللباس والطبيب.
    14 ـ كتاب الصيد.
    15 ـ كتاب الذبائح.
    16 ـ كتاب الضحايا والعقائق.
    17 ـ كتاب النكاح.
    18 ـ كتاب الطلاق.
    19 ـ كتاب العتق.
    20 ـ كتاب العطايا.
    21 ـ كتاب الوصايا.
    22 ـ كتاب الفرائض.
    23 ـ كتاب الدّيات.
    24 ـ كتاب الحدود.
    25 ـ كتاب السُّرّاق والمحاربين.
    26 ـ كتاب الرّدة والبدعة
    27 ـ كتاب الغصب والتعدّي.
    28 ـ كتاب العارية والوديعة.
    29 ـ كتاب اللفظة واللقيطة والآبق.
    30 ـ كتاب القسمة والبنيان.
    31 ـ كتاب الشهادات.
    32 ـ كتاب الدعوى والبينات.
    33 ـ كتاب آداب القضاة.
    وهو في الحقيقة يحتوي على ظواهر الشريعة.


(268)
    الثاني : ألَّف كتاباً ، حاولَ فيه أن يبيّن التأويل الباطني لجميع الاَحكام ، أسماه بـ « تأويل الدعائم » واستطاع أن يُنهي تأليف الجزء الاَوّل منه ، والذي يشتمل على كتاب الولاية ، والطهارة ، والصلاة ، ولكنَّ المنيّة حالت دون إتمامه لتأويل بقيّة الاَبواب الفقهية.
    ولذا نقتصر في المقام على ما جاء في هذا الكتاب ، بوجه مُوجز ، وهدفنا ذكر نماذج ، منها فقط ، لاَنّنا لا نروم التفصيل والاستقصاء في هذا البحث.
    وليعلم أنّ للفاطميين كتباً كثيرةً في التأويل ، وقد وَعَدَ محقّق كتاب « تأويل الدعائم » محمد حسن الاَعظمي أن ينشر بعضها في المستقبل. (1)
    لمّا كان التأويل أمراً شخصيّاً ، يختلف باختلاف الدّاعي ، واختلاف ذوقه ، اختلفت كلمة الدعاة أشدَّ الاختلاف ، في مسائل كثيرة ، يقول محقّق كتاب راحة العقل ، ما هذا لفظه :
    الداعي النخشبي وضع كتابه المحصول في فلسفة المذهب. وجاء بعده أبو حاتم الرازي ، فوضع كتابه الاِصلاح ، وخالف فيه أقوال من سبقه ، ثمّ جاء أبو يعقوب السجستاني ، أُستاذ الكرماني ، فانتصر للنخشبي ، وخالف أبا حاتم ، ثمّ جاء الكرماني الذي استطاع أن يوفّق بين آراء شيخه وآراء أبي حاتم. (2)
    إنّ المواضع المقتطفة من كتاب « تأويل الدعائم » يعرب عن أمرين :
    الاَوّل : أنّ جميع التأويلات مبنيّة على : أُسس فلسفيّة ذوقيّة ، لا تتمتع بالبرهان كأكثر تأويلات الصوفيّة.
    الثاني : أنّ غالب التأويلات مبنيّة على ثبوت مقامات غيبيّة لاَئمّتهم. ومن أجل أن يقف القارىَ بنفسه ، ويتيقن من صحة الدعوى التي ذكرناها هنا ، سوف نستعرض مجموعة من النماذج لآرائهم ، وهي :
    1 ـ تأويل الدعائم : 35 ، قسم المقدمة.
    2 ـ راحة العقل : 17 ، مقدمة المحققين.


(269)
كتاب الولاية (الدعامة الاَُولى)
    جاء في كتاب تأويل الدعائم : عن الباقر (عليه السّلام) : « بني الاِسلام على سبع دعائم : (1) الولاية : وهي أفضل وبها وبالوليّ يُنتهى إلى معرفتها ، والطهارة ، والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج والجهاد » ، فهذه كما قال (عليه السّلام) : دعائم الاِسلام قواعده ، وأُصوله التي افترضها اللّه على عباده.
    ولها في التأويل الباطني أمثال ، فالولاية مَثلُها مَثلُ آدم(ص) لاَنّه أوّل من افترض اللّهُ عزّوجلّ ولايته ، وأمر الملائكة بالسجود له ، والسجود : الطاعة ، وهي الولاية ، ولم يكلفهم غير ذلك فسجدوا إلاّ إبليس ، كما أخبر تعالى ، فكانت المحنةُ بآدم (ص) الولاية ، وكان آدمُ مثلَها ، ولابدَّ لجميع الخلق من اعتقاد ولايته ، ومن لم يتولّه ، لم تنفعْهُ ولاية من تولاّه من بَعده ، إذا لم يدُن بولايته ويعترف بحقّه ، وبأنّه أصل مَنْ أوجب اللّهُ ولايتَه من رسله وأنبيائه وأئمّة دينه ، وهو أوّلهم وأبوهم.
    والطهارة : مَثَلُها مَثَلُ نوح (عليه السّلام) ، وهو أوّل مبعوث ومرسل من قبل اللّه ، لتطهير العباد من المعاصي والذنوب التي اقترفوها ، ووقعوا فيها من بعد آدم (ص) ، وهو أوّل ناطق من بعده ، وأ وّلُ أُولي العزم من الرسل ، أصحاب الشرائع ، وجعلَ اللّه آيته التي جاء بها ، الماء ، الذي جعله للطهارة وسمّاه طهوراً.
    والصلاة : مَثَلُها مَثَلُ إبراهيم (ص) وهو الذي بَنى البيتَ الحرام ، ونصبَ المقام ، فجعل اللّه البيت قبلة ، والمقامَ مصلّى.
    والزكاة : مثلها مثل موسى ، وهو أوّل من دعا إليها ، وأُرسل بها ، قال تعالى : « هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى * إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ المُقَدَّسِ طُوى * اذْهَبْ إِلى فِرْعَونَ إِنَّهُ طَغى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى ». (2)
    1 ـ المرويّ عن طرقنا : بنى الاِسلام على خمس.
    2 ـ النازعات : 15 ـ 18.


(270)
    والصوم : مَثَلُه مثل عيسى (عليه السّلام) وهو (1) أوّل ما خاطب به أُمّه ، أن تقولَ لِمَنْ رأته من البشر ، وهو قوله الذي حكاه تعالى عنه لها : « فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَومَ إِنْسِيّاً » . (2) وكان هو كذلك يصوم دهره ، ولم يكن يأتي النساء ، كما لا يَجوز للصائم أن يأتيهنّ في حال صومه.
    والحج : مَثَلُه مَثَلُ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وهو أوّل من أقام مناسك الحج ، وسنَّ سنته ، وكانت العرب وغيرها من الاَُمم ، تحجّ البيت في الجاهليّة ولا تقيم شيئاً من مناسكه ، كما أخبر اللّه تعالى عنهم بقوله : « وما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاّ مُكاءً وَ تَصْدِيَةً » . (3)
    وكانوا يطوفون به عُراة ، فكان أوّلُ شيء نهاهم عنه ذلك فقال ، في العُمرة التي اعتمرها ، قبل فتح مكة ، بعد أن وادعَ أهلَها ، وهم مشركون : « لا يطوفنّ بعد هذا بالبيت عريان ، ولا عريانة » ، وكانوا قدنصبوا حول البيت أصناماً لهم يعبدونها ، فلمّا فتح اللّهُ مكّة كسّرها ، وأزالها ، وسنَّ لهم سُنن الحجّ ، ومناسكه ، وأقام لهم بأمر اللّهِ معالمه. وافترض فرائضه. وكان الحجّ خاتمة الاَعمال المفروضة ، وكان هو (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خاتم النبيين ، فلم يبق بعدَ الحجّ من دعائم الاِسلام غير الجهاد ، وهو مثل سابع الاَئمّة ، الذي يكون سابع اسبوعهم الاَخير ، الذي هو صاحب القيامة. (4)
    1 ـ الظاهر أنّ ضمير الفاعل يرجع إلى روح الاَمين.
    2 ـ مريم : 26.
    3 ـ الاَنفال : 35.
    4 ـ النعمان : تأويل الدعائم : 1/51 ـ 52.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: فهرس