كتاب بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: 271 ـ 280
(271)
كتاب الطهارة (الدعامة الثانية)
    قال صاحب تأويل الدعائم : لا يجزي في الظاهر صلاة بغير طهارة ، ومن صلّى بغير طهارة لم تُجزِه صلاتُه ، وعليه أن يتطهّر ، وكذلك (في الباطن) لا تجزي ولا تنفع دعوة مستجيبٍ يدعى ، ويوَخذ عليه عهد أولياء اللّهِ حتى يتطهّر من الذنوب ، ويتبرأ من الباطل كلِّه ، ومن جميع أهله ، وإن تبرأ من الباطل بلسانه ، مقيم على ذلك ، لم تنفعه الدعوة ، ولم يكن من أهلها ، حتى يتوبَ ويتبرأ ممّا تجب البراءة منه ، فيكون طاهراً من ذلك ، كما قال تعالى : « وَذَرُوا ظاهِرَالاِِثْمِ وَ باطِنَهُ » (1). (2)
    و يقول : إنّ الاَحداث التي توجب الطهارة لها في الباطن أمثال ، يجب التطهّر منه بالعلم ، كما وجب التطهّر في الظاهر من هذه بالماء ، فمثل الغائط مَثَل الكفر ، والذي يطهّر منه من العلم الاِيمان باللّه ، ومثَل البول مثل الشرك وهو درجات ومنازل ، و الذي يطهر منه من العلم توحيد اللّه ، ونفي الاَضداد والاَشباه ، والشركاء عنه ، ومثَل الريح تخرج من الدُبر ، مثل النفاق ، والذي يطهّر منه من العلم التوبةُ والاِقلاع عنه ، واليقين والاِخلاص والتصديق باللّه ، وأنبيائه وأوليائه ، وأئمّة دينه. (3)
    أمّا غسل الوجه ففيه سبعة منافذ : العينان ، والاَُذنان ، و المنخران ، والفم.
    وأنّ أمثالَهم في الباطن ، أمثال السبعة النطقاء الذين هم : آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى (عليهم السّلام) و محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وخاتم الاَئمّة من ذريته صاحب القيامة (ص) ، ولابُدّ للمستجيب بعد البراءة ، من الكفر والشرك والنفاق ، من
    1 ـ الاَنعام : 120.
    2 ـ تأويل الدعائم : 1/76.
    3 ـ تأويل الدعائم : 1/79.


(272)
العلم والاِيمان والتصديق بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ووصيّه علي ومن الاِيمان والتصديق بالنطقاء الستة ، وهم : آدم ، ونوح ، و إبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وبخاتم الاَئمّة صاحب القيامة (ص) وهو اليوم الآخر الذي ذكره اللّه في غير موضع من كتابه ، وجعل الاَيّام السبعة أمثالاً لهم ، فالاَحد مَثَل آدم (عليه السّلام) و الاِثنين مَثَل نوح (عليه السّلام) ، والثُلاثاء مَثَل إبراهيم ، والاَربعاء مثل موسى (عليه السّلام) ، والخميس مَثَل عيسى (عليه السّلام) ، والجمعة مَثَل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جمع اللّه له علم النبيين ، و فضلهم وأكملهم به ، وجعله خاتمهم ، وفضّله بأن جعل السابع من ذريته ، ومن أهل دعوته. فكانَ غُسل الوجه مَثلاً على الاِقرار بهذه الاَسابيع وطاعتهم. (1)

في التيمّم :
    يقول : التيمّم وضوء الضرورة ، هذا من ظاهر الدّين ، وأمّا باطن التيمّم لِمَن عُدِم الماءَ وأنّه في التأويل طهارة من أحدث حدثاً في الدّين من المستضعفين ، مِنَ الموَمنين الّذين لا يجدون مفيداً للعلم ، ممّا يحدثونه عند ذوي العدالة من الموَمنين من ظاهر علم الاَئمّة الصادقين إلى أن يجد مفيداً من المطلقين.
    إلى أن قال : ولا ينبغي أن يتيمّم من لم يجد الماء إلاّ في آخر الوقت ، بعد أن يطلب الماء.
    وذلك في الباطن من اقترف ما يوجب عليه الطهارة بالعلم الحقيقي ، فعليه أن يطلبه ، ولا يُعجِّل بالقصد إلى غير مطلق ، فيأخذ عنه ما يطهّره من العلم الظاهر ، حتى يجتهد في طلب مفيد مطلق ، فإذا بلغ في الطلب استطاعته وانتهى إلى آخر وقت ، يعلم أنّه لا يجد ذلك ، فحيئنذٍ يَقصد إلى من يفيده من الموَمنين ، أهل الطهارة من ظاهر علم أولياء اللّه ، ما يزيل عنه شكَ ما اقترفه وباطله.
    إلى أن قال : قال الصادق (ص) في ذلك : إنّه إن وجد الماء وقد تيمّم وصلّى
    1 ـ تأويل الدعائم : 1/101 ـ 102.

(273)
بتيمّمه ذلك ، أجزأه وعليه أن يتطهّر بالماء أو يتيمّم ، إن لم يجد الماء ، لما يستقبله من الصلاة.
    باطن ذلك أنّه إن فعلَ ما ذكرناه في دعوة إمام أو حدّ من حدوده ، ثمّ دخلت على تلك الدعوة دعوة أُخرى ، ولم يجد مفيداً ، فهو على ما كان عليه ، وإن وجده كان على ما وصفنا ، وليس عليه شيء لما مضى. (1)

في ذكر التنظّف
    يقول : الحيض علّة تُصيب النساء في الظاهر ، وأمثال النساء ـ كما ذكرنا في الباطن ـ أمثال المستجيبين.
    فتأويل جملة القول في الحيض في الباطن ، أنّه علّة وفساد ، يدخل على المستجيب في دينه ، يحرم عليه من أجلها سماع الحكمة ، والكون في جماعة أهل الدعوة ، كما لا يحلّ في الظاهر للمرأة إذاحاضت أن تصلّي ، ولا تدخل المسجد ، وكذلك لا يحل لمفيد ذلك المستجيب ، أن يفيده شيئاً من العلم إذا أحدث ذلك الحدث ، حتى يتطهّر منه ، بالتوبة والنزوع عنه ، والاِقلاع ، وينقطع عنه ما عرض من ذلك الفساد في دينه. (2)
    ويقول أيضاً : قال الصادق (عليه السّلام) : إذا طهرت المرأة من حيضها في وقت صلاة ، فضيّعت الغسل ، كان عليها قضاء تلك الصلاة.
    تأويله : أنّ المقترِف إذا تابَ وانتصل ممّا اقترفه ، ولم يتطهّر في ذلك بالعلم ، كما وصفنا ، كان عليه أن يتطهّر ، وأن يسعى في إفادة ما فاته من الحكمة ، بعد إقلاعه عمّا اقترفه.
    فافهموا معشر الموَمنين ما تعبدكم اللّه به ظاهراً وباطناً ، فإنّ ذلك مرتبط
    1 ـ تأويل الدعائم : 1/123 ـ 124.
    2 ـ تأويل الدعائم : 1/161.


(274)
بعضه ببعض ، يشهد كلّ شيء منه لصاحبه ، ويطابقه ويوافقه فما وجب في الظاهر ، وجب كذلك مثله ونظيره في الباطن ، لا يجزي إقامة أحدهما دون الآخر ، ولا يحلُّ في الظاهر ما حُرّم في الباطن ، ولا في الباطن ما حُرم في الظاهر ، وإيّاكم أن يستميلكم عن ذلك ، تحريف المحرّفين ، ولا شبهات الشياطين ، فإنّ اللّه عزّوجلّ يقول : « وَ ذَرُوا ظاهِرَ الاِِثْمِ وَ باطِنَهُ » (1) وقال : « قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ » (2) وقال : « وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً » (3). (4)

كتاب الصلاة (الدعامة الثالثة)
    يقول : الصلاة في الظاهر ما تعبّد اللّه عباده الموَمنين به ، ليُثيبهم عليه ، وذلك ممّا أنعم اللّهُ عزّوجلّ به عليهم ، وقد أخبر تعالى أنّه « أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً » فظاهرالنّعمة في الصلاة إقامتها في الظاهر ، بتمام ركوعها وسجودها وفروضها ومسنونها ، وباطن النّعمة كذلك في إقامة دعوة الحقّ في كلّ عصرٍ كما هو في ظاهر الصلاة. (5)
    و يقول أيضاً : افترض اللّهُ خمسَ صلوات في الليل والنهار سمّاها في كتابه.
    وتأويل ذلك أنّ الخمس الصلوات في الليل والنهار في كلِّ يوم وليلة مثلها في الباطن مثلُ الخمس الدعوات لاَُولي العزم من الرسل الذين صبَروا على ما أُمروا به ، ودَعوا إليه.
    فصلاة الظهر وهي الصلاة الاَُولى مَثَلٌ لدعوة نوح (ص) ، وهي الدعوة
    1 ـ الاَنعام : 120.
    2 ـ الاَعراف : 33.
    3 ـ لقمان : 20.
    4 ـ تأويل الدعائم : 1/167.
    5 ـ تأويل الدعائم : 1/177.


(275)
الاَُولى ، وهوأوّل أُولي العزم من الرّسل.
    والعصر مَثَلٌ لدعوة إبراهيم (ص) وهو ثاني أُولي العزم ، وهي الصلاة الثانية.
    والمغرب وهي الصلاة الثالثة مَثَلٌ لدعوة موسى (ص) وهي الدعوة الثالثة ، وهو ثالث أُولي العزم.
    والعشاء الآخرة مَثَلٌ لدعوة عيسى (ص) وهي الدّعوة الرابعة ، وهو الرابع من أُولي العزم ، وهي الصلاة الرابعة.
    والفجر وهي الصلاة الخامسة مَثَلٌ لدعوة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وهي الدعوة الخامسة ، وهو خامس أُولي العزم ، فأمره اللّه بأن يُقيم الصلاة ظاهراًو باطناً ... وأن يدعو فيها إلى مِثْل ما دعا أُولوا العزم من قبله. (1)

في عدد الصّلاة
    يقول : ويتلو ذلك ذكر عددُ ما في كلّ صلاةٍ ، من الركوع ، وما يُجهر فيه منها بالقراءة ، و ما يُخافت فيه منها.
    تأويل ذلك : أنّ جملة عدد الركعات للخمس الصلوات في اليوم والليلة ، الفرض من ذلك سبعَ عشرة ركعة والسُّنّة مِثلا الفريضة (أربع وثلاثون ركعة) والصلاة على سبعة أضرب ، هذا ضرب منها.
    والثاني : صلاة الكسوف ، على خلاف صفة هذه ، لاَنّها ركعتان ، في كلِّ ركعة خمس ركوع.
    والثالث : صلاة العليل ، والعريان ، يصلّيان جالسين ، وإذا لم يستطع العليل الصلاة ، جالساً ، صلّى مستلقياً أو مضطجعاً ، وإذا لم يستطع الركوع والسجود ،
    1 ـ تأويل الدعائم : 1/178 ـ 180.

(276)
يومىَ أي إيماء برأسه أو ببصره ، إذا لم يستطع أن يومىَ برأسه.
    والرابع : صلاة الخوف ، تصلى على معنى غير معنى الصلاة في الاَمن ، وتجزى على ركعة منها تكبيرة عند المواقفة والمسائفة.
    والخامس : صلاة الاستسقاء ، والاَعياد ، والجُمَع ، لها حدّ غير حدّ الصلاة في غير ذلك.
    والسادس : صلاة الجنائز ، ليس فيها ركوع ولا سجود.
    والسابع : الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وهي لفظ باللسان بلا عمل بالاَركان.
    فأمثال الستة الاَضرب من الصلاة أمثال الدعوة الستة النطقاء ، وهم : آدم ، و نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى (عليه السّلام) و محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ... والصلاة السابعة التي هي الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهي قول بلا عمل ، مثل لدعوة آخر الاَئمّة وخاتمهم ، وهو صاحب عصر القيامة ، لاَنّه إذا قام رفع العمل ، وقامت القيامة. (1)

في وقت الصّلاة
    يقول : أوّل وقت الظهر زوال الشمس.
    وتأويل ذلك : أنّ الشمس في الباطن مَثَلُها مثلُ وليّ الزمان من كاننبىٍّ أو إمام ، ومثل طلوعِها مَثلُ قيام ذلك الوليّ و ظهوره ، ومَثَلُ غروبها مَثَلُ نقلته وانقضاء أمره ، وكان رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في وقته مَثَلُه مثل الشمس ، من وقت بعثه اللّه تعالى فيه إلى أن أكمل دينه الذي ابتعثه لاِقامته ، وإكماله بإقامة وصيّه ، وذلك قول اللّه تعالى الذي أنزل عليه في اليوم الذي قام فيه بولاية علي (ص) بغدير خم : « اَليَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الاِِسلامَ
    1 ـ تأويل الدعائم : 1/182.

(277)
دِيناً » (1) ،
    ل فلما فعل ذلك (ص) مال إلى النقلة عن دار الدنيا إلى معاده ، فكان بينَ ذلك وبين وفاته سبعون ليلة.
    وكان ذلك في التأويل مثل الزوال على رأس سبع ساعات ، كما ذكرنا من النهار ، التي جاء أنّ مَثَل عددها مثلُ عدد حروف اسمه واسم وصيّه (ص) ، وذلك سبعةأحرف ، محمدٌ أربعةُ أحرف ، وعليٌّ ثلاثة أحرف ، فذلك سبعة ، مثل للسبع ساعات ، التي تزول الشمس عندها التي مثلُها مثلُه (ص) ، ومثل زوالها زواله ، وانتقاله إلى معاده ، الذي أعدّ اللّهُ له فيه الكرامة لديه. (2)

في الاَذان والاِقامة
    يقول : إنّ الاَذان مَثَلُهُ مَثَلُ الدعاء إلى ولاية الناطق ، وهو النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في وقته ، والاِمام في عصره.
    والاِقامة مثلُها مثلُ الدعاء إلى حجّته ، وهو وليّ أمر الاَُمّة من بعده ، الذي يُقيمه لذلك في حياته ، ويصير مقامه له بعد وفاته ، فالاَذان ثماني عشرة كلمة ... ومثل الاَذان ، مثلُ الدعاء إلى دعوة الحقّ ، وذلك مثلُ الدعاء إلى الستة النطقاء ، وهم : آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى (عليهم السّلام) ومحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، و الدعاء إلى دعوة الحجج الاثني عشر وهم أكابر الدعاة أصحاب الجزائر ، التي هي جزائر الاَرض الاثنتي عشرة جزيرة ، بكلِّ جزيرةٍ منها داعٍ ، يدعو إلى دعوة الحق ، فدعوة الحق تشتمل على هذه الدعوات ، وتوَكّد أمرها ، وتُوجبُ الاِقرار بأصحابها ، وكان ذلك مثل عدد كلمات الاَذان لكلّ دعوة منها كلمة؛ والاِقامة تسعَ عشرة كلمة ... والاِقامة ـ كما ذكرنا ـ مثل النداء إلى الحُجّة فمثلُ الكلمة الزائدة فيها ، مثل الدعوة إلى الحجّة ، الذي هو أ ساس الناطق ، فأمّا الدعاء إلى الاَئمّة وحججهم ، فيدخل ذلك في دعوة أصحاب الجزائر ، لاَنّ دعوتهم إلى كلِّ إمامٍ في وقته وحجّته. (3)
    1 ـ المائدة : 3.
    2 ـ تأويل الدعائم : 1/199.
    3 ـ تأويل الدعائم : 1/214.


(278)
في ذكر المساجد
    يقول : فالمساجد في الظاهر البيوت التي يجتمع الناس إليها ، للصلاة فيها ، وهي على طبقات ، ودرجات فأعلاها المسجد الحرام.
    ومثله مثلُ صاحب الزمان مَنْ كان من نبي أو إمام.
    ومثل الاَمر بالحج والسعي إليه من أقطار الاَرض ، مَثلُ واجبِ ذلك على الناس ، لولي زمانهم أن يأتوه من كلّ أُفق من الآفاق.
    ومثل مسجد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مثلُ الحجّة وكذلك ، على الناس أن يأتوه كما يأتون المسجدَ الحرام.
    ومثلُ مسجد بيت المقدس مثلُ بابه ، أكبر الدعاة وبابهم ، ويسمّى باب الاَبواب.
    وجوامع الاَمصار أمثالها أمثال النقباء وهم أكابر الدعاة أصحاب الجزائر.
    ومساجد القبائل أمثالها أمثال دعاة القبائل على مقاديرهم ، كمثل المساجد في فضلها ، وفضل بعضها على بعض ، وسعتِها ، وضيقها ، كذلك الدعاة منهم مشهورون بالفضل ، وبعضهم أفضل من بعض وأوسع علماً. (1)

في تكبيرة الاِفتتاح
    يقول : إذا افتتحت الصلاة فارفع يديك ، ولا تجاوز بهما أُذنيك ، وأبسطهما بسطاً ، ثمّ كبّر ، فهذه التكبيرة التي تكون في أوّل الصلاة ، هي تكبيرة الاِفتتاح ، ورفع اليدين فيهما واجب عند أكثر الناس ، إلاّ أنّهم يختلفون في منتهى حدِّ ذلك ، والثابت عن أهل البيت (عليهم السّلام) ما جاء في هذه الرواية عن الصادق (عليه السّلام) أنّه لا يجاوز
    1 ـ تأويل الدعائم : 1/225.

(279)
بهما الاَُذنين ، والذي يوَمر به في ذلك أن يحاذي بأطراف الاَصابع من اليدين أعلى الاَُذنين ، ويحاذي بأسفل الكفين أسفلَ الذقن ، فتكونُ اليدان قد حاذتا ما في الوجه من المنافذ السبعة ، وهي : الفم ، والمنخران ، والعينان ، والاَُذنان.
    وتأويل ذلك أنّ مثل اليدين مثل الاِمام والحجّة ، ومثل هذه المنافذ السبعة ، مثل النطقاء السبعة ، فمثل رفع اليدين إلى أن يحاذيهما ، مثلُ الاِقرار في أوّل دعوة الحقّ بالاِمام والحجّة والنطقاء السبعة أعني : إمام الزمان وحجّته ، وأن لا يفرّق بين أحدٍ منهم ، ومثل قوله : « اللّه أكبر » انّه شهادة وإقرار واعتقاد بأنّ اللّه أكبر وأجل وأعظم من كلّ شيء وأنّ النطقاء والاَئمّة والحج ـ ج ـ وإن قرن اللّه طاعت هـ م بطاعت هـ عباد من عباده مربوبون. (1)

في القراءة
    يقول : يقرأ في الصلاة في كلّ ركعة بعد بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ، بفاتحة الكتاب ، وفي الركعتين الاَوليين ، بعد فاتحة الكتاب بسورة ، ونُهي عن أن يُقال « آمين » بعد فراغ فاتحة الكتاب ، كما تقول ذلك العامّة.
    تأويل ذلك أنّ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم تسعةَ عشر حرفاً ، بسم اللّه سبعة أحرف ، وهي مثل النطقاء السبعة ، والسبعة الاَئمّة الذين يتعاقبون الاِمامة بين كل ناطقين ، الرّحمن الرّحيم اثني عشر حرفاً مثل النقباء الاثني عشر.
    وتأويل قراءته في كلّ ركعة بفاتحة الكتاب ، من أنّها سبع آيات وأنّه جاء في التفسير أنّ ـ ها السبع المثاني ، لاَنّها تثنّى في كلّ ركعة ، وانّ مَثَلَها ومثل قراءتها في الصلاة مثل الاِقرار بالسبعة الاَئمّة الذين يتعاقبون الاِمامة بين كلّ ناطقين ، وانّ ذلك هو قول اللّه تعالى لمحمد نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : « وَ لَقَدْآتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِيَ » (2) وتأويله
    1 ـ تأويل الدعائم : 1/259.
    2 ـ الحجر : 87.


(280)
أنّه جعل في ذريته سبعة أئمّة يثنّى منهم اسبوع بعد اسبوع ، كما يثنّى أيّام الجُمعة إلى أن تقوم الساعة وانّه جمع له علم النطقاء والاَئمّة من قبله والقرآن العظيم ، و مثله في التأويل مثل أساس دعوته وأئمّته وهو وصيّه علي(ص).
    وأمّا قراءة فاتحة الكتاب وسورة في كلّ ركعة تقرنان فيها فمَثَل ذلك في التأويل ، مثل الاِقرار في دعوة الحقّ بإمام الزمان وحجّته وقول العامّة بعد فراغ سورة الحمد آمين زيادة فيها فنهى عن ذلك كما يُنهى عن إدخال غير أولياء اللّه في جملتهم ، وعن زيادة غيرهم فيهم. (1)

في صلاة العيدين
    يقول : ليس في العيدين أذان ولا إقامة ، ولا نافلة ، ويُبدأ فيهما بالصلاة قبل الخطبة ، خلاف الجُمعة؛و صلاةَ العيدين ركعتان يُجهر فيهما بالقراءة.
    تأويل ذلك : أنّ مثل الخروج إلى العيدين مَثَلُ الخروج إلى جهاد الاَعداء ، وأنّمثل الاَذان مثل الدعوة والخروج إلى العدو ، وليست تقام له دعوة ، إذ تقدم في دعوة الحقّ الاَمر به ، وإنّما يُلزم الناس أن ينفروا ويخرجوا إليه ، كما أوجب اللّهُ ذلك عليهم في كتابه.
    ومعنى البدء في الصلاة يوم العيدين قبل الخطبة ، خلاف الجمعة ، أنّالخروج إلى العيدين مَثلُ الخروج إلى جهاد العدو ، واستقبال القبلة في الصلاة مَثَلُ استقبال الاِمام بالطاعة والسمع له وذكرنا أنّ مثل الخطبة من الخطيب مثلُ التوقيف من الداعي مَنْ يدعوه على ما يأمره به ، فكان مَثَلُ الاِبداء بالصلاة في العيدين مَثلُ إقبال الخارجين إلى جهاد الاَعداء في حين خروجهم على إمامهم ، والسّمع منهم والطاعة لما به يأمرهم ، وما عليه يرتِّبهم ويقيمهم وفي مقاماتهم ، فذلك مَثلُ الصلاة وبه يبتدىَ ، ومثل الخطبة بعد ذلك مثل تحريض الاِمام
    1 ـ المصدر نفسه : 269.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: فهرس