كتاب بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: 281 ـ 290
(281)
الموَمنين على الجهاد ، وأمره ونهيه إيّاهم في ذلك ، بما يأمرهم به ، وينهاهم عنه ، ولذلك كان في خطبة العيدين الاَمر بالجهاد وبطاعة الاِمام ، والتوبيخ على التقصير في العمل. (1)
    هذه نماذج من تأويلات الاِسماعيليّة ، في مجال الاَحكام الشرعيّة ، ومن أراد الاستقصاء فعليه الرجوع ـ مضافاً إلى كتاب تأويل الدعائم ـ إلى كتاب « وجه دين » للرحالة ناصر خسرو (394 ـ 471 أو 481 هـ) ، فقد قام بتأويل ما جاء من الاَحكام في غير واحد من الاَبواب ، حتى الحدود والدّيات ، والنكاح ، والسفاح ، و لكنّه ألّفه بلغة فارسية قديمة ، فعلى من يريد المزيد من الاطلاع فليرجع إلى ذلك الكتاب ، وقد طبع عام 1397 هـ طبعة أنيقة.
    1 ـ تأويل الدعائم : 1/323 ـ 324.

(282)

(283)
الفصل الثالث عشر
في
أعلام الفكر الاِسماعيلي

(284)

(285)
ظهر المذهب الاِسماعيلي على الساحة الاِسلاميّة بطابَع دينيّ بحت ، مدّعياً استمرار الاِمامة ، المتجسّدة في إسماعيل بن جعفر ، ومحمد بن إسماعيل ، ولمّا اشتدَّ سلطانهم بقيام دولة لهم في شمال إفريقية ، في بلاد المغرب ، ومصر ، ظهرت بينهم شخصيات بارزة في حقول السياسة والفلسفة والفقه والحديث والاَدب وغيرها ، وبما أنّ دراسة سيرتهم وما قدموه من تراث للمجتمع الاِسلامي خارج عن موضوع كتابنا ، لاَنّه رهن دراسة تاريخ الدولة الفاطميّة؛ فلنقتصر على ترجمة لفيف من أعلامهم ومفكّريهم ، مِمّن كان لهم دور في نضج المذهب وتكامله وانتشاره.

1
أحمد بن حمدان بن أحمد الورثنياني
(أبوحاتم الرازي)
(260 ـ 322 هـ)
    أحمد بن حمدان بن أحمد الورثنياني الليثي (أبوحاتم الرازي) من زعماء الاِسماعيليّة وكُتّابهم ، أوّل من ترجمه هو الصدوق في « تاريخ الري » حسب ما نقله ابن حجر في « لسان الميزان » ، قال :
    ذكره أبو الحسن ابن بابويه في « تاريخ الري » ، وقال : كان من أهل الفضل والاَدب ، والمعرفة باللغة ، وسمع الحديث كثيراً ، وله تصانيف؛ ثمّ أظهر القول بالاِلحاد وصار من دعاة الاِسماعيليّة ، وأضلّ جماعة من الاَكابر ومات في سنة


(286)
322 هـ . (1)
    و نقل صاحب الاَعيان عن الرياض ما هذا لفظه : كان من القدماء المعاصرين للصدوق ، له كتاب الرد على محمد بن زكريا الطبيب الرازي في الاِلحاد وإنكار النبوة. (2)
    وقال مصطفى غالب : كان داعياً كبيراً لبلاد الري وطبرستان وآذربيجان ، وقد استطاع أن يُدخل أمير الري في المذهب الاِسماعيلي وكان من كبار دعاة القائم بأمر اللّه ، ونوَكّد أنّه لعِب دوراً عظيماً في شوَون طهران والديلم والري ، السياسيّة ، فاستجاب لدعوته أعظم رجالات تلك البلاد ، وله موَلفات عظيمة منها :
    1 ـ كتاب « الزينة » : كتاب في الفقه والفلسفة الاِسماعيليّة.
    2 ـ « أعلام النبوة » : كتاب يبحث في الفلسفة الاِسماعيليّة.
    3 ـ « الاِصلاح » : كتاب يبحث في التأويل.
    4 ـ « الجامع » كتاب في الفقه الاِسماعيلي. (3)
    والحقيقة فإنّ أبا حاتم الرازي كان علماً من أعلام النهضة العلميّة عند الاِسماعيليّة ، وقد ساهم بنشر التعاليم الفلسفيّة في كافّة الاَقطار الشرقيّة ، وخاصّة في محيط الثقافة الاِسلاميّة العامّة ، وبالرغم من كلّ هذا فإنّه لم يَسلم من اضطهاد الاَعداء في الديلم ، وقد اضطر إلى الاختفاء في أواخر سني حياته ، ومات سنة 322 هـ بعد تولية القائم الفاطمي شوَون الاِمامة الاِسماعيليّة ، في بلاد المغرب ، وقد عمّر اثنين وستين عاماً ، كما قال بعض الموَرخين.
    كان معاصراً لاَبي بكر محمد بن زكريا الرازي الطبيب المشهور ، وصاحب
    1 ـ لسان الميزان : 1/164.
    2 ـ الاَمين العاملي : أعيان الشيعة : 2/583 ، ولم نعثر على النص في رياض العلماء المطبوع.
    3 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 186.


(287)
الآراء الفلسفيّة المعروفة ، التي خرج فيها على كثير من نظريات أرسطو الطبيعية والميتا فيزيائية ، منكراً التوفيق بين الفلسفة والدين ، معتقداً بأنّ الفلسفة هي الطريق الوحيد لاِصلاح الفرد والمجتمع.
    وقد دارت بينهما (أي بين الرازيين) مناقشات عنيفة ومتعددة ، حضرها بعض العلماء والروَساء السياسيين ، وقد دوّن أبو حاتم هذه المناقشات في كتابه « أعلام النبوة ». (1)
    وإليك كلاماً حول كتابه « أعلام النبوة » ، فالكتاب يصوّر لنا معركة فكريّة عقائديّة بين رازيين ، هما : أبو حاتم الداعي المتكلم الاِسماعيلي ، ومحمد بن زكريا الطبيب المتفلسف حيث تعددت اللقاءات بينهما ، ودار النقاش حول مواضيع شتى في جوانب الثقافة الاِسلاميّة ، من عقائد فلسفيّة وكلام وطب وصيدلة وهيئة ، وما إلى ذلك.
    إنّ اختلاف الرأي بين الرجلين في هذه الجوانب لم يكن إلاّ مظاهر متعددة لاختلاف أساسي واحد بينهما في الرأي حول العقل الاِنساني ، وتكليفه وحدود إمكانه من جانب ، والنبوّة والضرورة إليها من جانب آخر. (2)
    والكتاب جدير بالمطالعة وقد بدأ الموَلف كتابه بقوله :
    ناظرني « الملحد » في أمر النبوّة وأورد كلاماً نحو ما رسمه في كتابه الذي قد ذكرناه فقال :
    « من أين أوجبتم أنّاللّه اختصَّ قوماً بالنبوّة دون قوم ، وفضلهم على الناس ، وجعلهم أدلّة لهم ، وأحوج الناس إليهم؟ ومن أين أجزتم في حكمة الحكيم أن يختار لهم ذلك ويشلي بعضهم على بعض ، ويوَكد بينهم العداوات
    1 ـ كتاب الرياض : 8 ـ 9 المقدمة بقلم عارف تامر.
    2 ـ أبو حاتم الرازي : أعلام النبوة : 4 ، المقدمة بقلم صلاح الصاوي.


(288)
ويكسر المحاربات ويهلك بذلك الناس؟! ». (1)
    ثمّذكر المناظرة.
    وترجمه ابنُ النديم في « الفهرست » ، وقال : وله من الكتب « كتاب الزينة » نحو 400 ورقة وكتاب « الجامع » وفيه فقه. (2)

2
محمد بن أحمد النسفي البردغي (النخشبي)
( ... ـ 331 هـ)
    كان كبير دُعاة خراسان وتركستان ، استطاع أن يدخل في المذهب الاِسماعيلي الكثيرين ، من أهل تلك البلاد ، اشتهر في تعمّقه بدراسة فلسفة المذهب الاِسماعيلي؛ ومن أشهر موَلفاته :
    1 ـ كتاب « المحصول » يتألّف من 400 صفحةجلّها في الفلسفة الاِسماعيليّة.
    2 ـ « كون العالم ».
    3 ـ كتاب « الدعوة الناجية ».
    4 ـ كتاب « أُصول الشرع » يبحث في الفقه الاِسماعيلي ، وفلسفة ما وراء الطبيعة.
    توفي هذا الداعي سنة 331 هـ . (3)
    1 ـ أبو حاتم الرازي : أعلام النبوة : 1 ، وطبع الكتاب في طهران عام 1397 هـ وترجمه خير الدين الزركلي و لم يأتي بشيء يذكر لاحظ الاَعلام : 1/119.
    2 ـ ابن النديم : الفهرست : 282.
    3 ـ تاريخ الدعوة الاِسماعيليّة : 186 ـ 187 ، وقد ذكره باسم عبد اللّه بن أحمد النسفي البردغي ، وجاء في مقدمة كتاب الرياض ، للكرماني ، باسم محمد بن أحمد النسفي ، والمقدمة لعارف تامر.


(289)
    يقول عارف تامر : إنّ أوّل جَدَل فَتح للاِسماعيليّة الآفاق الجديدة ، ظهورُ كتاب « المحصول » ، وهذا الكتاب وضع موضع التداول في بداية القرن الرابع الهجري ، وينسب إلى الداعي السوري الاَكبر « محمد بن أحمد النسفي » الذي كان له الفضل بتحويل مذهب الدولة السامانية في آذربيجان إلى الاِسماعيليّة ، وقد أُعدم سنة 331 هـ ، كما جاء في كتاب « الفرق بين الفرق » لموَلفه عبد القاهر البغدادي. (1)
    وقد ذكر ابن النديم في الفهرست أنّ النسفي خلف ، الحسين بن علي المروزي في خراسان ، الذي مات في حبس نصر بن أحمد ، و استغوى نصر بن أحمد وأدخله في الدعوة الاِسماعيليّة ، وأغرمه دية المروزي ، وزعم أنّه ينفذها إلى صاحب المغرب القيّم بالاَمر. فلحق نصر سقمٌ طرحه على فراشه ، وندم على إجابته للنسفي ، فأظهر ذلك ومات.
    فجمع ابنه نوح بن نصر الفقهاء وأحضر النسفي ، فناظروه وهتكوه وفضحوه ، فقتل النسفي ، وروَساء الدعاة ووجوهها من قواد نصر ، ممن دخل في الدعوة ومزقهم كل ممزق. (2)

3
أبو يعقوب السجستاني
( 271 ـ وكان حيّاً عام 360 هـ)
    أبو يعقوب إسحاق بن أحمد السجزي أو السجستاني ، ولد عام 271 هـ في سجستان ، وهي مقاطعة في جنوب خراسان يمتُّ بصِلة النسب إلى أُسرة فارسيّة ،
    1 ـ عارف تامر : كتاب الرياض : 6 ، قسم المقدمة.
    2 ـ ابن النديم : الفهرست : 239.


(290)
وقيل أنّه من أصل عربي ، جاء جدُّه من الكوفة ، وقطن في سجستان.
    نشأ السجستاني في مدارس الدعوة الاِسماعيليّة في اليمن ، وأسهم مساهمة فعّالة في المناظرات العلميّة التي كانت تجري في ذلك العصر. (1)
    يقول عنه الكاتب الاِسماعيلي عارف تامر : يعتبر أبو يعقوب إسحاق السجستاني (السجزي) في طليعة العلماء الذين كرّسوا أنفسهم لوضع قواعد فلسفيّة كونيّة قائمة على دعائم فكريّة عقائديّة إسماعيليّة ، ونشرها وتعميمها في الاَقطار الاَُخرى ، حتى اتّهم في أواخر حياته ، بالكفر والاِلحاد ، من الجمهور ، ثمّ قتل أخيراً.
    وقد لعب السجستاني دوراً هامّاً في مجال الفلسفة في القرن الثالث للهجرة ، وقد ظهر أثره الفكري في تلميذه حميد الدين الكرماني (حجة العراقين) الذي سار على منهاجه ، ودعا إلى تعاليمه.
    عاصر الدعوة الاِسماعيليّة الباطنيّة في عصر الظهور أي ابان ازدهار الدولة الفاطميّة وظهورها كدولة إسلاميّة ذات كيان حضاري ، وعلمي ، واجتماعي ، وسياسي. (2)
    كتب كتاب « النصرة » الذي عارض فيه كتاب « الاِصلاح » الذي وضعه أبو حاتم الرازي في الرد على آراء النسفي التي وردت في كتابه « المحصول » وبذلك انتصر للنسفي على الرازي.
    وقام الكرماني إلى تأليف كتابه « الرياض » بتقريب وجهات النظر بين الدعاة المتجادلين (النسفي ، الرازي ، السجستاني).
    ترك السجستاني بعده موَلفات علميّة فلسفيّة عددها ينوف على الثلاثين
    1 ـ مصطفى غالب : مقدمة الينابيع : 46.
    2 ـ عارف تامر : مقدمة كتاب الرياض : 10 ، نقل بتصرف.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: فهرس