المكاسب ـ جلد الأول ::: 11 ـ 20
(11)
وجهات الفساد ، وتكون آلة ومعونة عليهما (1) فلا بأس بتعليمه وتعلمه وأخذ الأجر عليه والعمل به وفيه لمن كان له فيه جهات الصلاح من جميع الخلائق ، ومحرم عليهم تصريفه إلى جهات الفساد والمضار ، فليس على العالم ولا المتعلم إثم ولا وزر ، لما فيه من الرجحان في منافع جهات صلاحهم وقوامهم وبقائهم ، وإنما الإثم والوزر على المتصرف فيه (2) في جهات الفساد والحرام ، وذلك إنما حرم الله الصناعة التي هي حرام كلها التي يجيء منها الفساد محضا ، نظير البرابط والمزامير والشطرنج وكل ملهو به والصلبان والأصنام وما أشبه ذلك من صناعات الأشربة الحرام (3).

    [ الصناعات المحرّمة ]
    وما يكون منه وفيه الفساد محضا ولا يكون منه ولا فيه شيء من وجوه الصلاح ، فحرام تعليمه وتعلمه والعمل به وأخذ الاجرة عليه وجميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات (4) إلا أن تكون صناعة قد تصرف إلى جهة المنافع (5) ، وإن كان قد يتصرف فيها ويتناول بها وجه من وجوه المعاصي ، فلعله ما فيه (6) من الصلاح حل تعلمه وتعليمه والعمل به ، ويحرم على من صرفه إلى غير وجه الحق والصلاح.
1 ـ كذا في ش والمصادر ، وفي سائر النسخ : عليها.
2 ـ في ن و خ : بها ( خل ).
3 ـ كذا في النسخ والمصادر ، إلا أن في ن ، خ ، م ، ع و ش زيادة : المحرمة ( ظ ) ، وفي ص : المحرمة ( خ ل ).
4 ـ كذا في مصححة خ ، وفي ش والوسائل وتحف العقول : الحركات كلها.
5 ـ في مصححتي خ و ف : جهة المباح.
6 ـ في ف ، خ ، م و ع وتحف العقول : فلعله لما فيه.


(12)
    فهذا تفسير بيان وجوه اكتساب معايش العباد ، وتعليمهم (1) في وجوه اكتسابهم ... الحديث.
    وحكاه غير واحد (2) عن رسالة المحكم والمتشابه (3) للسيد قدس سره.

    [ رواية الفقه الرضوي ]
    وفي الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا صلوات الله وسلامه عليه : اعلم ـ رحمك (4) الله ـ أن كل (5) مأمور به على العباد (6) وقوام لهم في امورهم من وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره ـ مما يأكلون ويشربون ويلبسون وينكحون ويملكون ويستعملون ـ فهذا كله حلال بيعه وشراؤه وهبته وعاريته.
    وكل أمر يكون فيه الفساد ـ مما قد نهي عنه من جهة أكله وشربه ولبسه ونكاحه وإمساكه بوجه الفساد ، مثل الميتة والدم ولحم الخنزير والربا وجميع الفواحش ولحوم السباع والخمر ، وما أشبه ذلك ـ فحرام ضار للجسم (7) (8) ، انتهى.

    [ رواية دعائم الإسلام ]
    وعن دعائم الإسلام ـ للقاضي نعمان المصري ـ عن مولانا
1 ـ كذا في ش والمصادر ، وفي سائر النسخ : تعلمهم.
2 ـ منهم صاحب الوسائل في الوسائل 12 : 57 ، وصاحب الحدائق في الحدائق 18 : 70.
3 ـ رسالة المحكم والمتشابه : 46.
4 ـ في ف ، والمصدر : يرحمك.
5 ـ في ش : كل ما هو.
6 ـ كذا في النسخ ، وفي المصدر : أن كل مأمور به مما هو صلاح للعباد ، وفي المستدرك ( 13 : 65 ) : أن كل مأمور به مما هو من على العباد.
7 ـ في ش : للجسم ، وفساد للنفس ، وفي المصدر : للجسم ، وفاسد للنفس.
8 ـ الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام : 250.


(13)
الصادق عليه السلام : إن الحلال من البيوع كل ما كان حلالا من المأكول والمشروب وغير ذلك مما هو قوام للناس ويباح لهم الإنتفاع ، وما كان محرما أصله منهيا عنه لم يجز بيعه ولا شراؤه (1) ، انتهى.

    [ النبويّ المشهور ]
    وفي النبوي المشهور : إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه (2).

    [ تقسيم المكاسب بحسب الأحكام الخمسة ]
    إذا عرفت ما تلوناه وجعلته في بالك متدبرا لمدلولاته ، فنقول : قد جرت عادة غير واحد على تقسيم المكاسب إلى محرم ومكروه ومباح ، مهملين للمستحب والواجب ، بناء على عدم وجودهما في المكاسب ، مع إمكان التمثيل للمستحب بمثل الزراعة والرعي مما ندب إليه الشرع ، وللواجب بالصناعة الواجبة كفاية ، خصوصا إذا تعذر قيام الغير به ، فتأمل.
    [ معنى حرمة الاكتساب ]
    ومعنى حرمة الاكتساب حرمة النقل والانتقال بقصد ترتب الأثر (3).
    وأما حرمة أكل المال في مقابلها ، فهو متفرع على فساد البيع ، لأنه مال الغير وقع في يده بلا سبب شرعي وإن قلنا بعدم التحريم ، لأن ظاهر أدلة تحريم بيع مثل الخمر منصرف إلى ما لو أراد ترتيب الآثار المحرمة ، أما لو قصد الأثر المحلل فلا دليل على تحريم المعاملة
1 ـ دعائم الإسلام 2 : 18 ، الحديث 23 ، مع اختلاف يسير.
2 ـ عوالي اللآلي 2 : 110 ، الحديث 301. سنن الدارقطني 3 : 7 ، الحديث 20.
3 ـ في ش : الأثر المحرم.


(14)
إلا من حيث التشريع (1).
    وكيف كان ، فالاكتساب المحرم أنواع ، نذكر كلا منها فيطي مسائل :
1 ـ في ف : إلا من حيث التشريع ، فيتفرع على إرادة الشرعية.

(15)
النوع الأول
الاكتساب بالأعيان النجسة عدا ما استثني
وفيه مسائل ثمان :


(16)

(17)
المَسألَةُ الاولى
     [حرمة المعاوضة على الأبوال النجسة ]
    يحرم المعاوضة على بول غير مأكول اللحم (1) بلا خلاف ظاهر ، لحرمته ، ونجاسته ، وعدم الانتفاع به منفعة محللة مقصودة فيما عدا بعض أفراده ، ك‍ ( بول الإبل الجلالة أو الموطوءة ).

فرعان
    [ حكم ما عدا بول الإبل من أبوال ما يؤكل لحمه ]
    الأول :
    ما عدا بول الإبل من أبوال ما يؤكل لحمه المحكوم بطهارتها عند المشهور ، إن قلنا بجواز شربها اختيارا ـ كما عليه جماعة من القدماء
1 ـ في ف : غير المأكول اللحم.

(18)
والمتأخرين (1) ، بل عن المرتضى دعوى الإجماع عليه (2) ـ فالظاهر جواز بيعها. وإن قلنا بحرمة شربها ـ كما هو مذهب جماعة اخرى (3) لاستخباثها ـ ففي جواز بيعها قولان :
    [ قولان في المسألة بناءً على حرمة شربها اختياراً ]
    من عدم المنفعة المحللة المقصودة فيها ، والمنفعة النادرة لو جوزت المعاوضة لزم منه جواز معاوضة كل شيء ، والتداوي بها لبعض الأوجاع لا يوجب قياسها (4) على الأدوية والعقاقير ، لأنه يوجب قياس كل شيء عليها ، للانتفاع به في بعض الأوقات.
    ومن أن المنفعة الظاهرة ـ ولو عند الضرورة المسوغة للشرب ـ كافية في جواز البيع.
    والفرق بينها وبين ذي المنفعة الغير المقصودة حكم العرف بأ نه لا منفعة فيه.
    وسيجيء الكلام في ضابطة المنفعة المسوغة للبيع.
1 ـ من القدماء : ابن الجنيد على ما في الدروس 3 : 17 ، والسيد المرتضى في الانتصار : 201 ، ومن المتأخرين : ابن إدريس في السرائر 3 : 125 ، والمحقق في النافع ( 254 ) ، حيث قال : والتحليل أشبه ، والفاضل الآبي في كشف الرموز 1 : 436 ، والمحقق السبزواري في كفاية الأحكام : 252.
2 ـ الانتصار : 201.
3 ـ كالمحقق في الشرائع 3 : 227 ، والعلامة في المختلف : 686 ، والشهيد في الدروس 3 : 17.
4 ـ في أكثر النسخ : قياسه.


(19)
    [ ما يدلّ على أنّ ضابط المنع تحريم الشيء اختياراً ]
    نعم ، يمكن أن يقال : إن قوله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه (1) وكذلك الخبر المتقدم عن دعائم الإسلام يدل على أن ضابطة المنع تحريم الشيء اختيارا ، وإلا فلا حرام إلا وهو محلل عند الضرورة ، والمفروض حرمة شرب الأبوال اختيارا ، والمنافع الاخر غير الشرب لا يعبأ بها جدا ، فلا ينتقض بالطين المحرم أكله ، فإن المنافع الاخر للطين أهم وأعم من منفعة الأكل المحرم ، بل لا يعد الأكل من منافع الطين.
    فالنبوي دال على أنه إذا حرم الله شيئا بقول مطلق ـ بأن قال : يحرم الشيء الفلاني ـ حرم بيعه ، لأن تحريم عينه إما راجع إلى تحريم جميع منافعه ، أو إلى تحريم أهم منافعه الذي (2) يتبادر عند الإطلاق ، بحيث يكون غيره غير مقصود منه.
    وعلى التقديرين ، يدخل الشيء لأجل ذلك في ما لا ينتفع به منفعة محللة مقصودة ، والطين لم يحرم كذلك ، بل لم يحرم إلا بعض منافعه الغير المقصودة منه ـ وهو الأكل ـ بخلاف الأبوال فإنها حرمت كذلك ، فيكون التحريم راجعا إلى شربها ، وغيره من المنافع في حكم العدم.
    وبالجملة ، فالانتفاع بالشيء حال الضرورة منفعة محرمة في حال الاختيار لا يوجب جواز بيعه. ولا ينتقض أيضا بالأدوية المحرمة في غير حال المرض لأجل الإضرار ، لأنحلية هذه في حال المرض ليست لأجل الضرورة ،
1 ـ عوالي اللآلي 2 : 110 ، الحديث 301.
2 ـ كذا في ش ومصححة خ ، وفي غيرهما : التي.


(20)
بل لأجل تبدل عنوان الإضرار بعنوان النفع.
    ومما ذكرنا يظهر أن قوله عليه السلام في رواية تحف العقول المتقدمة : وكل شيء يكون لهم (1) فيه الصلاح من جهة من الجهات يراد به جهة الصلاح الثابتة حال الاختيار دون الضرورة.
    [ حرمة بيع لحوم السباع ، دون شحومها ]
    ومما ذكرنا يظهر حرمة بيع لحوم السباع دون شحومها ، فإن الأول من قبيل الأبوال ، والثاني من قبيل الطين في عدم حرمة جميع منافعها المقصودة منها.
    ولا ينافيه النبوي : لعن الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها (2) ، لأن الظاهر أن الشحوم كانت محرمة الانتفاع على اليهود بجميع الانتفاعات ، لا كتحريم شحوم غير مأكول اللحم علينا.
    هذا ، ولكن الموجود من النبوي في باب الأطعمة من الخلاف (3) : إن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه (4).
    والجواب عنه ـ مع (5) ضعفه ، وعدم الجابر له سندا ودلالة ،
1 ـ لهم : ساقطة من ن ، م ، ع ، ص.
2 ـ عوالي اللآلي 1 : 181 ، الحديث 240.
3 ـ كذا في ف و خ ، وفي غيرهما : عن الخلاف.
4 ـ الخلاف : كتاب الأطعمة ، المسألة 19.
5 ـ في ف ومصححة خ : ح [ أي : حينئذ ] وكلمة مع مشطوب عليها في ن.
المكاسب ـ جلد الأول ::: فهرس