المكاسب ـ جلد الأول ::: 141 ـ 150
(141)
مستحله ، مستندا إلى كونه من الإعانة على الإثم ، ومنع من كون بيع العنب ممن يعلم أنه يجعله خمرا من الإعانة (1) فإن تملك المستحل للعصير منحصر فائدته عرفا عنده في الانتفاع به حال النجاسة ، بخلاف تملك العنب.
    وكيف كان ، فلو ثبت تميز موارد الإعانة من العرف فهو ، وإلا فالظاهر مدخلية قصد المعين.

    [ الاستدلال على الحرمة في المسألة بوجوب دفع المنكر ]
    نعم ، يمكن الاستدلال على حرمة بيع الشيء ممن يعلم أنه يصرف المبيع في الحرام ، بأن دفع المنكر كرفعه واجب ، ولا يتم إلابترك البيع ، فيجب. وإليه أشار المحقق الأردبيلي رحمه الله حيث استدل على حرمة بيع العنب في المسألة ـ بعد عموم النهي عن الإعانة ـ بأدلة النهي عن المنكر (2).
    [ ما يشهد لهذا الاستدلال ]
    ويشهد لهذا (3) ما ورد من أنه لولا أن بني امية وجدوا من يجبي لهم الصدقات ويشهد جماعتهم ما سلبونا (4) حقنا (5).
    دل على مذمة الناس في فعل ما لو تركوه ، لم يتحقق المعصية من
1 ـ حاشية الإرشاد ( مخطوط ) : 204.
2 ـ مجمع الفائدة 8 : 49 ـ 51.
3 ـ كذا في ف ومصححة م ، وفي غيرهما : بهذا.
4 ـ كذا في ف ، وفي سائر النسخ : ما سلبوا.
5 ـ الوسائل 12 : 144 ، الباب 47 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأول ، وفيه : لولا أنبني امية وجدوا لهم من يكتب ويجبي لهم الفئ ، ويقاتل عنهم ، ويشهد جماعتهم ، لما سلبونا حقنا ... الحديث.


(142)
بني امية ، فدل على ثبوت الذم لكل ما لو ترك ، لم يتحقق المعصية من الغير.
    وهذا وإن دل بظاهره على حرمة بيع العنب ـ ولو ممن يعلم أنه سيجعله خمرا مع عدم قصد ذلك حين الشراء ـ إلا أنه لم يقم دليل على وجوب تعجيز من يعلم أنه سيهم بالمعصية ، وإنما الثابت من النقل والعقل ـ القاضي بوجوب اللطف ـ وجوب ردع من هم بها وأشرف عليها بحيث لولا الردع لفعلها أو استمر عليها.
    [ توقّف هذا الاستدلال على علم البائع بعدم حصول المعصية لو لم يبعه ]
    ثم إن الاستدلال المذكور إنما يحسن مع علما لبائع بأنه لو لم يبعه لم يحصل المعصية ، لأنه حينئذ قادر على الردع ، أما لو لم يعلم ذلك ، أو علم بأنه يحصل منه المعصية بفعل الغير ، فلا يتحقق الارتداع بترك البيع ، كمن يعلم عدم الانتهاء بنهيه عن المنكر.
    وتوهم أن البيع حرام على كل أحد ـ فلا يسوغ لهذا الشخص فعله معتذرا بأنه لو تركه لفعله غيره ـ مدفوع بأن ذلك في ماكان محرما على كل واحد على سبيل الاستقلال ، فلا يجوز لواحد منهم الاعتذار بأن هذا الفعل واقع لا محالة ولو من غيري ، فلا ينفع تركي له.
    أما إذا وجب على جماعة شيء واحد ـ كحمل ثقيل مثلا ـ بحيث يراد منهم الاجتماع عليه (1) ، فإذا علم واحد من حال الباقي عدم القيام به والاتفاق معه في إيجاد الفعل كان قيامه بنفسه بذلك الفعل لغوا ، فلايجب ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، فإن عدم تحقق المعصية من مشتري العنب موقوف على تحقق ترك البيع من كل بائع ، فترك
1 ـ في ف زيادة : لعدم حصوله إلا باجتماعهم.

(143)
المجموع للبيع سبب واحد لترك المعصية ، كما أن بيع واحد منهم على البدل شرط لتحققها ، فإذا علم واحد منهم عدم اجتماع الباقي معه في تحصيل السبب ـ والمفروض أن قيامه منفردا لغو ـ سقط وجوبه.
    [ توجيه الخبر الدالّ على ذمّ أتباع بني اُميّة ]
    وأما ما تقدم من الخبر في أتباع بني امية ، فالذم فيه إنما هو على إعانتهم بالامور المذكورة في الرواية ، وسيأتي تحريم كون الرجل من أعوان الظلمة ، حتى في المباحات التي لا دخل لها برئاستهم ، فضلا عن مثل جباية الصدقات وحضور الجماعات وشبههما مما هو من أعظم المحرمات.
    [ المتلخّص ممّاذكر ]
    وقد تلخص مما ذكرنا أن فعل ما هو من قبيل الشرط لتحقق المعصية من الغير ـ من دون قصد توصل الغير به إلى المعصية ـ غير محرم ، لعدم كونها (1) في العرف إعانة مطلقا ، أو على التفصيل الذي احتملناه أخيرا (2).
    وأما ترك هذا الفعل ، فإن كان سببا يعني علة تامة لعدم المعصية من الغير ـ كما إذا انحصر العنب عنده ـ وجب ، لوجوب الردع عن المعصية عقلا ونقلا ، وأما لو لم يكن سببا ، بل كان السبب تركه منضما إلى ترك غيره ، فإن علم أو ظن أو احتمل قيام الغير بالترك وجب قيامه به أيضا ، وإن علم أو ظن عدم قيام الغير سقط عنه وجوب الترك ، لأن تركه بنفسه ليس برادع حتى يجب.
1 ـ كذا في جميع النسخ ، ولعل تأنيث الضمير باعتبار الخبر.
2 ـ وهو الذي أفاده بقوله : ثم إنه يمكن التفصيل في شروط الحرام المعان عليها بين ما ينحصر فائدته عرفا. ... الخ.


(144)
    نعم ، هو جزء للرادع المركب من مجموع تروك أرباب العنب (1) ، لكن يسقط وجوب الجزء إذا علم بعدم تحقق الكل في الخارج.

    [ الوجوه المتصوّرة في فعل ما هو شرط للحرام الصادر من الغير ]
    فعلم مما ذكرناه في هذا المقام أن فعل ما هو شرط للحرام الصادر من الغير يقع على وجوه :
    أحدها ـ أن يقع من الفاعل قصدا منه لتوصل الغير به إلى الحرام ، وهذا لا إشكال في حرمته ، لكونه إعانة.
    الثاني ـ أن يقع منه من دون قصد لحصول الحرام ، ولا لحصول ما هو مقدمة له ـ مثل تجارة التاجر بالنسبة إلى معصية العاشر ، فإنه لم يقصد بها تسلط العاشر عليه الذي هو شرط لأخذ العشر ـ ، وهذا لا إشكال في عدم حرمته.
    الثالث ـ أن يقع منه بقصد حصول ما هو من مقدمات حصول الحرام من (2) الغير ، لا لحصول نفس الحرام منه.
    وهذا قد يكون من دون قصد الغير التوصل (3) بذلك الشرط إلى الحرام ، كبيع العنب من الخمار المقصود منه تملكه للعنب الذي هو شرط لتخميره ـ لا نفس التخمير ـ مع عدم قصد الغير أيضا التخمير حال الشراء ، وهذا أيضا لا إشكال في عدم حرمته.
    وقد يكون مع قصد الغير التوصل به إلى الحرام ـ أعني التخمير ـ حال شراء العنب ، وهذا أيضا على وجهين :
1 ـ في ف زيادة : نعم هو جزء للتسبيب.
2 ـ كذا في ف ، وفي سائر النسخ : عن.
3 ـ في بعض النسخ : المتوصل.


(145)
    أحدهما ـ أن يكون ترك هذا الفعل من الفاعل علة تامة لعدم تحقق الحرام من الغير ، والأقوى هنا وجوب الترك وحرمة الفعل.
    والثاني ـ أن لا يكون كذلك ، بل يعلم عادة أو يظن بحصول الحرام من الغير من غير تأثير لترك ذلك الفعل ، والظاهر عدم وجوب الترك حينئذ ، بناء على ما ذكرنا من اعتبار قصد الحرام في صدق الإعانة عليه مطلقا ، أو على ما احتملناه من التفصيل (1).

    [ الظاهر عدم فساد البيع في كلّ مورد حكم فيه بالحرمة لأجل الإعانة على الإثم ]
    ثم كل مورد حكم فيه بحرمة البيع من هذه الموارد الخمسة ، فالظاهر عدم فساد البيع ، لتعلق النهي بما هو خارج عن المعاملة ، أعني الإعانة على الإثم ، أو المسامحة في الردع عنه.
    ويحتمل الفساد ، لإشعار قوله عليه السلام في رواية التحف المتقدمة ـ بعد قوله : وكل بيع (2) ملهو به ، وكل منهي عنهم ما يتقرب به لغير الله أو يقوى به الكفر والشرك في جميع وجوه المعاصي ، أو باب يوهنبه الحق ـ : فهو حرام محرم بيعه وشراؤه وإمساكه ... الخ بناء على أن التحريم مسوق لبيان الفساد في تلك الرواية ، كما لا يخفى.
    لكن في الدلالة تأمل ، ولو تمت لثبت الفساد مع قصد المشتري خاصة للحرام ، لأن الفساد لا يتبعض.
1 ـ تقدم في الصفحة : 140.
2 ـ كذا في النسخ والمصدر ، إلا أنه صحح في ن و ش ب‍ مبيع.


(146)

(147)
القسم الثالث
ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا
بمعنى أن من شأنه أن يقصد منه الحرام

    [ حرمة بيع السلاح من أعداء الدين ]
    وتحريم هذا مقصور على النص ، إذ لا يدخل ذلك تحت الإعانة ، خصوصا مع عدم العلم بصرف الغير له في الحرام ، كبيع السلاح من أعداء الدين مع عدم قصد تقويهم ، بل وعدم العلم باستعمالهم لهذا المبيع (1) الخاص في حرب المسلمين ، إلا أن المعروف بين الأصحاب حرمته ، بل لا خلاف فيها (2) والأخبار بها مستفيضة :
    [ الأخبار الدالّة على الحرمة ]
    منها : رواية الحضرمي ، قال : دخلنا على أبي عبد الله عليه السلام فقال له حكم السراج : ما ترى في من يحمل إلى الشام من السروج وأداتها ؟ قال : لا بأس ، أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أنتم في هدنة ، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السلاح
1 ـ في ف ، م ، ش : البيع.
2 ـ كذا في ش ، وفي سائر النسخ : فيه.


(148)
والسروج (1).
    ومنها : رواية هند السراج ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : أصلحك الله! إني كنت أحمل السلاح إلى أهل الشام فأبيعه منهم ، فلما عرفني الله هذا الأمر ضقت بذلك وقلت : لا أحمل إلى أعداء الله ، فقال : احمل إليهم وبعهم ، فإن الله يدفع بهم عدونا وعدوكم ـ يعني الروم ـ فإذا كان الحرب بيننا (2) فمن حمل إلى عدونا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك (3).
    [ اختصاص الحرمة في الأخبار بصورة قيام الحرب ]
    وصريح الروايتين اختصاص الحكم بصورة قيام الحرب بينهم وبين المسلمين ـ بمعنى وجود المباينة في مقابل الهدنة ، وبهما يقيد المطلقات جوازا و (4) منعا ، مع إمكان دعوى ظهور بعضها في ذلك ، مثل مكاتبة الصيقل (5) : أشتري السيوف وأبيعها من السلطان أجائز لي بيعها ؟ فكتب : لا بأس به (6).
    ورواية علي بن جعفر ، عن أخيه عليه السلام قال : سألته عن حمل
1 ـ الوسائل 12 : 69 ، الباب 8 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأول ، مع تفاوت يسير.
2 ـ في الكافي والوسائل زيادة : فلا تحملوا ، لكنها لم ترد في التهذيب. انظر الكافي 5 : 112 ، الحديث 2 ، والتهذيب 6 : 354 ، الحديث 1005.
3 ـ الوسائل 12 : 69 ، الباب 8 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 2.
4 ـ كذا في ف ، وفي سائر النسخ : أو منعا.
5 ـ هذه الرواية مثال لإطلاق الجواز ، ورواية علي بن جعفر ووصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثالان لإطلاق المنع.
6 ـ الوسائل 12 : 70 ، الباب 8 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 5.


(149)
المسلمين إلى المشركين التجارة ، قال : إذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس (1).
    ومثله ما في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام : يا علي ، كفر بالله العظيم من هذه الامة عشرة (2) أصناف ـ وعد منها ـ بائع السلاح من أهل الحرب (3).
    [ نقد ما عن حواشي الشهيد ]
    فما عن حواشي الشهيد من أن المنقول (4) : أن بيع السلاح حرام مطلقا في حال الحرب والصلح والهدنة ، لأن فيه تقوية الكافر على المسلم ، فلا يجوز على كل حال (5) شبه الاجتهاد في مقابل النص ، مع ضعف دليله ، كما لا يخفى.
    [ شمول الحكم لما إذا لم يقصد البائع المعونة ]
    ثم إن ظاهر الروايات شمول الحكم لما إذا لم يقصد البائع المعونة والمساعدة أصلا ، بل صريح مورد السؤال في روايتي الحكم وهند (6) هو صورة عدم قصد ذلك ، فالقول باختصاص حرمة البيع (7) بصورة قصد المساعدة ـ كما يظهر من بعض العبائر (8) ـ ضعيف جدا.
    وكذلك ظاهرها الشمول لما إذا لم يعلم باستعمال أهل الحرب
1 ـ الوسائل 12 : 70 ، الباب 8 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 6.
2 ـ كذا في ص والمصدر ، وفي سائر النسخ : عشر.
3 ـ الوسائل 12 : 71 ، الباب 8 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 7.
4 ـ عبارة أن المنقول لم ترد في ش ، ومشطوب عليها في ن.
5 ـ حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4 : 35 عن حواشي الشهيد على القواعد.
6 ـ في النسخ : الهند. هذا وقد تقدمتا في أول المسألة.
7 ـ كذا في ش ، وفي سائر النسخ : باختصاص البيع.
8 ـ مثل عبارة المحقق في المختصر النافع : 116 ، والشهيد في الدروس 3 : 166.


(150)
للمبيع في الحرب ، بل يكفي مظنة ذلك ـ بحسب غلبة ذلك ـ مع قيام الحرب ، بحيث يصدق حصول التقوي لهم بالبيع.

    [ جواز بيع ما يَكِنّ ]
    وحينئذ فالحكم مخالف للاصول ، صير إليه للأخبار المذكورة ، وعموم رواية تحف العقول ـ المتقدمة ـ فيقتصر فيه على مورد الدليل ، وهو السلاح ، دونما لا يصدق عليه ذلك ـ كالمجن والدرع والمغفر وسائر ما يكن ـ وفاقا للنهاية (1) وظاهر السرائر (2) وأكثر كتب العلامة (3) والشهيدين (4) والمحقق الثاني (5) ، للأصل ، وما استدل به في التذكرة (6) من رواية محمد بن قيس ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفئتين من أهل الباطل تلتقيان ، أبيعهما السلاح ؟ قال : بعهما ما يكنهما : الدرع والخفين ونحوهما (7).
    [ المناقشة في الجواز ]
    ولكن يمكن أن يقال : إن ظاهر رواية تحف العقول إناطة الحكم على تقوي الكفر ووهن الحق ، وظاهر قوله عليه السلام في رواية هند : من
1 ـ النهاية : 366.
2 ـ السرائر 2 : 216 ـ 217.
3 ـ التحرير 1 : 160 والقواعد 1 : 120 ونهاية الإحكام 2 : 467 وظاهر المنتهى 2 : 1011.
4 ـ الدروس 3 : 166 ، المسالك 3 : 123 والروضة البهية 3 : 211.
5 ـ جامع المقاصد 4 : 17.
6 ـ التذكرة 1 : 587.
7 ـ الوسائل 12 : 70 ، الباب 8 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 3 ، وفيه : الدرع والخفين ونحو هذا.
المكاسب ـ جلد الأول ::: فهرس