المكاسب ـ جلد الأول ::: 151 ـ 160
(151)
حمل إلى عدونا سلاحا يستعينون به علينا (1) أن الحكم منوط بالاستعانة ، والكل موجود فيما يكن أيضا ، كما لا يخفى.
    مضافا إلى فحوى رواية الحكم المانعة عن بيع السروج (2) ، وحملها على السيوف السريجية لا يناسبه صدر الرواية ، مع كون الراوي سراجا.
    [ ردّ دلالة رواية محمّد بن قيس على الجواز ]
    وأما رواية محمد بن قيس ، فلا دلالة لها على المطلوب ، لأن مدلولها ـ بمقتضى أن التفصيل قاطع للشركة ـ : الجواز في ما يكن ، والتحريم في غيره ، مع كون الفئتين من أهل الباطل ، فلا بد من حملها على فريقين محقوني الدماء ، إذ لو كان كلاهما أو أحدهما مهدور الدم لم يكن وجه للمنع من بيع السلاح على صاحبه.
    فالمقصود من بيع ما يكن منهما : تحفظ كل منهما عن صاحبه وتترسه بما يكن ، وهذا غير مقصود في ما نحن فيه ، بل تحفظ أعداء الدين عن بأس المسلمين خلاف مقصود الشارع ، فالتعدي عن مورد الرواية إلى ما نحن فيه يشبه القياس مع الفارق.
    ولعله لما ذكر قيد الشهيد ـ فيما حكي عن حواشيه على القواعد (3) ـ إطلاق العلامة جواز بيع ما يكن (4) بصورة الهدنة وعدم قيام الحرب.

    [ هل يتعدّى الحكم إلى غير أعداء الدين ]
    ثم إن مقتضى الاقتصار على مورد النص : عدم التعدي إلى
1 ـ تقدم ذكرها في الصفحة : 148.
2 ـ تقدم ذكرها في الصفحة : 147.
3 ـ حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4 : 36.
4 ـ القواعد 1 : 120.


(152)
    [ شمول رواية تحف العقول تطاع الطريق أيضاً ]
غير أعداء الدين كقطاع الطريق ، إلا أن المستفاد من رواية تحف العقول : إناطة الحكم بتقوي الباطل ووهن الحق ، فلعله يشمل ذلك ، وفيه تأمل.
    ثم إن النهي (1) في هذه الأخبار لا يدل على الفساد ، فلا مستند له سوى ظاهر خبر تحف العقول الوارد في بيان المكاسب الصحيحة والفاسدة. والله العالم.
1 ـ من ش.

(153)
النوع الثالث
مما يحرم الاكتساب به
مالا منفعة فيه محللة معتدا بها عند العقلاء


(154)

(155)
النوع الثالث
مما يحرم الاكتساب به ما لا منفعة فيه محللة معتدا بها عند العقلاء
    [ التحريم هنا وضعيٌّ ]
    والتحريم في هذا القسم ليس إلا من حيث فساد المعاملة ، وعدم تملك الثمن ، وليس كالاكتساب بالخمر والخنزير.
    [ الدليل على الفساد ]
    والدليل على الفساد في هذا القسم ـ على ما صرح بهفي الإيضاح (1) ـ كون أكل المال بإزائه أكلا بالباطل.
    وفيه تأمل ، لأن منافع كثير من الأشياء التي ذكروها في المقام تقابل عرفا بمال ـ ولو قليلا ـ بحيث لا يكون بذل مقدار قليل من المال بازائه (2) سفها.
    فالعمدة ما يستفاد من الفتاوي والنصوص (3) منعدم اعتناء الشارع بالمنافع النادرة وكونها في نظره كالمعدومة.

    [ استفادة عدم اعتناء الشارع بالمنفع النادرة من كلمات العلماء ]
    قال في المبسوط : إن الحيوان الطاهر على ضربين : ضرب ينتفع به ، والآخر لا ينتفع به ـ إلى أن قال ـ : وإن كان مما لا ينتفع به
1 ـ إيضاح الفوائد 1 : 401.
2 ـ كذا في النسخ ، والمناسب : بازائها.
3 ـ في ف : ما يستفاد من الشرع ـ من الفتاوي والنصوص ـ : من عدم ... .


(156)
فلا يجوز بيعه بلا خلاف ، مثل الأسد والذئب ، وسائر الحشرات ، مثل : الحيات ، والعقارب ، والفأر ، والخنافس ، والجعلان ، والحدأة ، والرخمة ، والنسر ، وبغاث الطير ، وكذلك الغربان (1) ، انتهى.
    وظاهر الغنية الإجماع على ذلك أيضا (2).
    ويشعر به عبارة التذكرة ، حيث استدل على ذلك بخسة تلك الأشياء ، وعدم نظر الشارع إلى مثلها في التقويم ، ولا يثبت يد لأحد عليها ، قال : ولا اعتبار بما ورد في الخواص من منافعها ، لأنها لا تعد مع ذلك مالا ، وكذا عند الشافعي (3) ، انتهى.
    وظاهره اتفاقنا عليه.
    وما ذكره من عدم جواز بيع ما لا يعد مالا مما لا إشكال فيه ، وإنما الكلام فيما عدوه من هذا.
    [ تحسين ما قاله في محكيّ إيضاح النافع ]
    قال في محكي إيضاح النافع ـ ونعم ما قال ـ : جرت عادة الأصحاب بعنوان هذا الباب وذكر أشياء معينة على سبيل المثال ، فإن كان ذلك لأن عدم النفع مفروض فيها ، فلانزاع ، وإن كان لأن ما مثل به لا يصح بيعه لأنه محكوم بعدم الانتفاع فالمنع متوجه في أشياء كثيرة (4) ، انتهى.
1 ـ المبسوط 2 : 166.
2 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 524.
3 ـ التذكرة 1 : 465.
4 ـ إيضاح النافع للفاضل القطيفي ( لا يوجد لدينا ) ، لكن حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4 : 40.


(157)
    وبالجملة ، فكون الحيوان من المسوخ أو السباع أو الحشرات لا دليل على كونه كالنجاسة مانعا.

    [ جواز بيع ما يشتمل على منفعة مقصودة للعقلاء ]
    فالمتعين فيما اشتمل منها على منفعة مقصودة للعقلاء جواز البيع.
    فكل ما جاز الوصية به ـ لكونه مقصودا بالانتفاع للعقلاء ـ فينبغي جواز بيعه إلا مادل الدليل على المنع فيه تعبدا.
    وقد صرح في التذكرة بجواز الوصية بمثل الفيل والأسد وغيرهما من المسوخ والمؤذيات ، وإن منعنا عن بيعها (1).
    وظاهر هذا الكلام أن المنع من بيعها على القول به ، للتعبد ، لا لعدم المالية.
    [ نقد ما أفاده العلاّمة في التذكرة ]
    ثم إن ما تقدم منه قدس سره : منأ نه لا اعتبار بما ورد في الخواص من منافعها ، لأنها لا تعد مالا مع ذلك (2) يشكل بأنه إذا اطلع العرف على خاصية في إحدى الحشرات ـ معلومة بالتجربة أو غيرها ـ فأيفرق بينها (3) وبين نبات من الأدوية علم فيه تلك الخاصية ؟ وحينئذ فعدم جواز بيعه (4) وأخذ المال في مقابله (5) بملاحظة تلك الخاصية يحتاج إلى دليل ، لأنه حينئذ ليس أكلا للمال بالباطل.
    ويؤيد ذلك ما تقدم في رواية التحف من أن كل شيء يكون لهم
1 ـ التذكرة 2 : 479.
2 ـ تقدم آنفا عن العلامة في التذكرة.
3 ـ كذا في ش ومصححة م ، وفي سائر النسخ : بينه.
4 ـ كذا في النسخ ، ولعل الصحيح : بيعها.
5 ـ كذا في النسخ ، ولعل الصحيح : مقابلها.


(158)
فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك حلال بيعه ... الخ.
    [ تحسين ما قاله في الدروس ]
    وقد أجاد في الدروس ، حيث قال : ما لا نفع فيه مقصودا للعقلاء ، كالحشار وفضلات الانسان (1).
    وعن التنقيح : مالا نفع فيه بوجه من الوجوه ، كالخنافس والديدان (2).
    [ النظر في منع العلاّمة بيع ما ينتفع به نادراً ]
    ومما ذكرنا يظهر النظر في ماذكره في التذكرة من الإشكال في جواز بيع العلق الذي ينتفع به لامتصاص الدم ، وديدان القز التي يصاد بها السمك. ثم استقرب المنع ، قال : لندور الانتفاع ، فيشبه (3) ما لامنفعة فيه ، إذ كل شيء فله نفع ما (4) ، انتهى.
    أقول : ولا مانع من التزام جواز بيع كلما له نفع ما ، ولو فرض الشك في صدق المال على مثل هذه الأشياء ـ المستلزم للشك في صدق البيع ـ أمكن الحكم بصحة المعاوضة عليها ، لعمومات التجارة والصلح والعقود والهبة المعوضة وغيرها ، وعدم المانع ، لأنه ليس إلا أكل المال بالباطل والمفروض عدم تحققه هنا.
    [ انعقاد الإجماع على عدم الاعتناء بالمنافع النادرة ]
    فالعمدة في المسألة : الإجماع على عدم الاعتناء بالمنافع النادرة ، وهو الظاهر من التأمل في الأخبار أيضا ، مثل ما دل على تحريم بيع
1 ـ الدروس 3 : 167.
2 ـ التنقيح 2 : 10.
3 ـ كذا في ع و ص و ش ومصححة م ، وفي ف ، ن : فيشمله ، وفي خ و م : فيشمل ، وفي المصدر : فأشبه.
4 ـ التذكرة 1 : 465.


(159)
    [ مقتضي التأمّل في الأخبار عدم الاعتناء بالمنافع النادرة ]
ما يحرم منفعته الغالبة مع اشتماله على منفعة نادرة محللة مثل قوله عليه السلام : لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها (1) ، بناء على أن للشحوم منفعة نادرة محللة على اليهود ، لأن ظاهر تحريمها عليهم تحريم أكلها ، أوسائر منافعها المتعارفة.
    فلولا أن النادر في نظر الشارع كالمعدوم لم يكن وجه للمنع عن البيع ، كما لم يمنع الشارع عن بيع ما له منفعة محللة مساوية للمحرمة في التعارف والاعتداد [ إلا أن يقال : المنع فيها تعبد ، للنجاسة ، لا من حيث عدم المنفعة المتعارفة ، فتأمل ] (2).
    وأوضح من ذلك قوله عليه السلام في رواية تحف العقول في ضابط ما يكتسب به : وكل شيء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك كله حلال بيعه وشراؤه ... الخ (3) إذ لا يراد منه مجرد المنفعة وإلا لعم (4) الأشياء كلها ، وقوله في آخره (5) : إنما حرم الله الصناعة التي يجيء منها الفساد محضا نظير كذا وكذا ـ إلى آخر ما ذكره ـ فإن كثيرا من الأمثلة المذكورة هناك لها منافع محللة ، فإن الأشربة المحرمة كثيرا ما ينتفع بها في معالجة الدواب ، بل المرضى ، فجعلها مما يجئ منه الفساد
1 ـ مستدرك الوسائل 13 : 73 ، الباب 6 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 8 ، عن عوالي اللآلي ودعائم الإسلام.
2 ـ ما بين المعقوفتين لم يرد في ش.
3 ـ تحف العقول : 333.
4 ـ كذا في ف ، و ش ، وفي سائر النسخ : يعم.
5 ـ في مصححة ف : آخرها.


(160)
محضا باعتبار عدم الاعتناء بهذه المصالح ، لندرتها.
    إلا أن الإشكال في تعيين المنفعة النادرة وتمييزها عن غيرها ، فالواجب الرجوع في مقام الشك إلى أدلة التجارة (1) ونحوها (2) مما ذكرنا.

    [ جواز بيع السباع بناءً على وقوع التذكية عليها ]
    ومنه يظهر أن الأقوى جواز بيع السباع ـ بناء على وقوع التذكية عليها ـ للانتفاع البين بجلودها ، وقد نص في الرواية على بعضها (3). وكذا شحومها وعظامها.
    وأما لحومها : فالمصرح به في التذكرة عدم الجواز معللا بندور المنفعة المحللة المقصودة منه ، كإطعام الكلاب المحترمة وجوارح الطير (4).
    [ جواز بيع الهرّة ]
    ويظهر أيضا جواز بيع الهرة ، وهو المنصوص في غير واحد من الروايات (5) ونسبه في موضع من التذكرة إلى علمائنا (6) ، بخلاف القرد ، لأن المصلحة المقصودة منه ـ وهو حفظ المتاع ـ نادر.
1 ـ مثل قوله تعالى : ( إلا أن تكون تجارة عن تراض ) النساء : 28.
2 ـ مثل عمومات الصلح والعقود والهبة المعوضة.
3 ـ أي على بعض هذه المنافع ، راجع الوسائل 3 : 256 ، الباب 5 من أبواب لباس المصلي.
4 ـ لم نقف فيها إلا على العبارة التالية : لحم المذكى مما لا يؤكل لحمه لا يصح بيعه ، لعدم الانتفاع به في غير الأكل المحرم ، ولو فرض له نفع ما فكذلك ، لعدم اعتباره في نظر الشرع انظر التذكرة 1 : 464.
5 ـ الوسائل 12 : 83 ، الباب 14 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 3 ، والمستدرك 13 : 90 ، الباب 12 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 3 ، عن دعائم الإسلام.
6 ـ التذكرة 1 : 464.
المكاسب ـ جلد الأول ::: فهرس