المكاسب ـ جلد الأول ::: 161 ـ 170
(161)
    [ عدم المنفعة المعتدّ بها تارةً يستند إلى خسّة الشيء واُخرى إلى قلّته ]
    ثم اعلم أن عدم المنفعة المعتد بها يستند تارة إلى خسة الشيء ـ كما ذكر من الأمثلة في عبارة المبسوط (1) ـ واخرى إلى قلته ، كجزء يسير من المال لا يبذل في مقابله مال ، كحبة حنطة.
    والفرق : أن الأول لا يملك ، ولا يدخل تحت اليد ـ كما عرفت من التذكرة (2) ـ بخلاف الثاني فإنه يملك.
    ولو غصبه غاصب كان عليه مثله إن كان مثليا ، خلافا للتذكرة فلم يوجب شيئا (3) كغير المثلي.
    وضعفه بعض بأن اللازم حينئذ عدم الغرامة فيما لو غصب صبرة تدريجا (4) ، ويمكن أن يلتزم فيه بما يلتزم في غير المثلي ، فافهم.
    ثم إن منع حق الاختصاص في القسم الأول مشكل ، مع عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم : من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد من المسلمين فهو أحق به (5) مع عد أخذه قهرا ظلما عرفا.
1 ـ تقدمت في الصفحة : 155 ـ 156.
2 ـ في الصفحة : 156.
3 ـ التذكرة 1 : 465.
4 ـ قاله المحقق الثاني في جامع المقاصد 4 : 90.
5 ـ عوالي اللآلي 3 : 481.


(162)

(163)
النوع الرابع
ما يحرم الاكتساب به
لكونه عملا محرما في نفسه


(164)
    وهذا النوع وإن كان أفراده هي جميع الأعمال المحرمة القابلة لمقابلة المال بها في الإجارة والجعالة وغيرهما ، إلا أنه جرت عادة الأصحاب بذكر كثير مما من شأنه الاكتساب به من المحرمات ، بل ولغير (1) ذلك مما لم يتعارف الاكتساب به ، كالغيبة والكذب ونحوهما.
    وكيف كان ، فنقت في آثارهم بذكر أكثرها في مسائل مرتبة بترتيب حروف أوائل عنواناتها ، إن شاء الله تعالى ، فنقول :
1 ـ في ش : وغير ذلك.

(165)
المسألة الاولى
    [ تدليس الماشطة ]
    تدليس الماشطة المرأة التي يراد تزويجها أو الأمة التي يراد بيعها حرام بلا خلاف ، كما عن الرياض (1) ، وعن مجمع الفائدة : الإجماع عليه (2) ، وكذا (3) فعل المرأة ذلك بنفسها.

    [ بماذا يحصل التدليس ؟ ]
    [ ويحصل بوشم الخدود كما في المقنعة والسرائر والنهاية ، وعن جماعة ] (4).
    قال في المقنعة : وكسب المواشط حلال إذا لم يغششن ولم يدلسن في عملهن ، فيصلن شعور النساء بشعور غيرهن من الناس ويشمن الخدود ويستعملن ما لا يجوز في شريعة الإسلام ، فإن وصلن شعرهن بشعر غير الناس لم يكن بذلك بأس ، انتهى. ونحوه بعينه عبارة
1 ـ الرياض 1 : 504.
2 ـ مجمع الفائدة 8 : 84.
3 ـ كلمة كذا ساقطة من ش.
4 ـ ما بين المعقوفتين من ش ، وفي ف هكذا : كما في المقنعة والنهاية والسرائر وجماعة ، ولم ترد العبارة في سائر النسخ.


(166)
النهاية (1).
    وقال في السرائر ـ في عداد المحرمات ـ : وعمل المواشط (2) بالتدليس ، بأن يشمن الخدود ويحمرنها ، وينقشن بالأيدي والأرجل ، ويصلن شعر النساء بشعر غيرهن ، وما جرى مجرى ذلك (3) ، انتهى.
    وحكي نحوه عن الدروس (4) وحاشية الإرشاد (5).

    [ هل يعدّ وشم الخدود ووصل الشعر بشعر الغير من التدليس ]
    وفي عد وشم الخدود من جملة التدليس تأمل ، لأن الوشم في نفسه زينة.
    وكذا التأمل في التفصيل بين وصل الشعر بشعر الإنسان ، ووصله بشعر غيره ، فإن ذلك لا مدخل له في التدليس وعدمه.
    إلا أن يوجه الأول بأ نه قد يكون الغرض من الوشم أن يحدث في البدن نقطة خضراء حتى يتراءى بياض سائر البدن وصفاؤه أكثر مما كان يرى لولا هذه النقطة.
    ويوجه الثاني بأن شعر غير المرأة لا يلتبس على الشعر الأصلي للمرأة ، فلا يحصل التدليس به ، بخلاف شعر المرأة.
    وكيف كان ، يظهر من بعض الأخبار المنع عن الوشم ووصل الشعر
1 ـ العبارة المنقولة موافقة لعبارة النهاية باختلاف يسير ، وما في المقنعة أكثر اختلافا ، انظر النهاية : 366 والمقنعة : 588.
2 ـ في ف ، ن ، ع ومصححة م : المواشطة.
3 ـ السرائر 2 : 216 ، وفيه : وينقشن الأيدي ، وكذا صحح في ف.
4 ـ الدروس 3 : 163.
5 ـ حاشية الإرشاد ( مخطوط ) : 206.


(167)
بشعر الغير ، وظاهرها المنع ولو في غير مقام التدليس.
    [ ظاهر بعض الأخبار المنع عن مطلق الوشم ووصل الشعر بشعر الغير ]
    ففي مرسلة ابن أبي عمير ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : دخلت ماشطة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها : هل تركت عملك أو أقمت عليه ؟ قالت : يا رسول الله أنا أعمله إلا أن تنهاني عنه فأنتهي عنه ، قال : افعلي ، فإذا مشطت فلا تجلي الوجه بالخرقة ، فإنها تذهب بماء الوجه ، ولا تصلي شعر (1) المرأة بشعر امرأة غيرها ، وأما شعر المعزفلا بأس بأن يوصل بشعر المرأة.
    وفي مرسلة الفقيه : لا بأس بكسب الماشطة إذا لمتشارط وقبلت ما تعطى ، ولا تصل شعر المرأة بشعر [ امرأة ] (2) غيرها. وأما شعر المعز فلا بأس بأن يوصل (3) بشعر المرأة (4).
    وعن معاني الأخبار بسنده عن علي بن غراب ، عن جعفر بن محمد صلوات الله عليهما ، قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النامصة والمنتمصة ، والواشرة والموتشرة ، والواصلة والمستوصلة ، والواشمة والمستوشمة.
    قال الصدوق : قال علي بن غراب : النامصة التي تنتف الشعر ،
1 ـ في المصادر الحديثية : ولا تصلي الشعر بالشعر وبهذه الجملة تتم المرسلة ، انظر الوسائل 12 : 94 ، الباب 19 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 2. والظاهر حصول الخلطبين ذيل هذه المرسلة وذيل المرسلة الآتية عن الفقيه.
2 ـ الزيادة من المصدر.
3 ـ في الوسائل : توصله.
4 ـ الفقيه 3 : 162 ، الحديث 3591 ، والوسائل 12 : 95 ، الباب 19 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 6.


(168)
والمنتمصة : التي يفعل ذلك بها ، والواشرة : التي تشر أسنان المرأة ، والموتشرة : التي يفعل ذلك بها ، والواصلة : التي تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها ، والمستوصلة : التي يفعل ذلك بها ، والواشمة : التي تشم في يد المرأة أو في شيء من بدنها ، وهو أن تغرز بدنها أو ظهر كفها بإبرة حتى تؤثر فيه ، ثم تحشوها بالكحل أو شيء من النورة فتخضر ، والمستوشمة : التي يفعل بها ذلك (1).
    [ ظاهر بعض الأخبار كراهة الوصل ولو بشعر غير المرأة ]
    وظاهر بعض الأخبار كراهة الوصل ولو بشعر غير المرأة ، مثل ما عن عبد الله بن الحسن ، قال : سألته عن القرامل ، قال : وماالقرامل ؟ قلت : صوف تجعله النساء في رؤوسهن ، قال : إن كان صوفا فلا بأس ، وإن كان شعرا فلا خير فيه ـ من الواصلة والمستوصلة ـ (2).
    [ ظاهر بعض الأخبار الجواز مطلقاً ]
    وظاهر بعض الأخبار الجواز مطلقا ، ففي رواية سعد الإسكاف ، قال : سئل أبو جعفر عن القرامل التي تضعها النساء في رؤوسهن يصلن شعورهن ، قال : لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها. قلت له : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن الواصلة والمستوصلة ، فقال : ليس هناك ، إنما لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الواصلة التي تزني في شبابها فإذا كبرت قادت النساء إلى الرجال ، فتلك الواصلة (3).
1 ـ معاني الأخبار : 250 ، مع اختلاف ، الوسائل 12 : 95 ، الباب 19 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 7.
2 ـ الوسائل 12 : 94 ، الباب 19 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 5 ، وفيه بدل المستوصلة ـ في آخر الحديث ـ : الموصولة.
3 ـ الوسائل 12 : 94 ، الباب 19 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 3 ، وفيه أيضا بدل المستوصلة ـ في أول الحديث ـ : الموصولة.


(169)
    [ الجمع بين الأخبار ]
    ويمكن الجمع بين الأخبار بالحكم بكراهة وصل مطلق الشعر ـ كما في رواية عبد الله بن الحسن ـ ، وشدة الكراهة في الوصل بشعر المرأة.
    وعن الخلاف والمنتهى : الإجماع على أنه يكره وصل شعرها بشعر غيرها رجلا كان أو امرأة (1).
    وأما ما عدا الوصل ـ مماذكر في رواية معاني الأخبار ـ فيمكن حملها (2) أيضا على الكراهة ، لثبوت الرخصة منرواية سعد في مطلق الزينة ، خصوصا مع صرف الإمام للنبوي ـ الواردة في الواصلة ـ عن ظاهره ، المتحد سياقا مع سائر ما ذكر في النبوي.
    ولعله أولى من تخصيص عموم الرخصة بهذه الامور.
    مع أنه لولا الصرف لكان الواجب إما تخصيص الشعر بشعر المرأة ، أو تقييده بما إذا كان هو أو أحد (3) أخواته في مقام التدليس ، فلا دليل على تحريمها في غير مقام التدليس ـ كفعل المرأة المزوجة ذلك لزوجها ـ خصوصا بملاحظة ما في رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام : عن المرأة تحف الشعر عن وجهها ، قال : لا بأس (4).
1 ـ الخلاف 1 : 492 ، كتاب الصلاة ، المسألة 234 ، المنتهى 1 : 184.
2 ـ كذا في النسخ ، والمناسب : حمله.
3 ـ كذا في النسخ ، والمناسب : إحدى.
4 ـ الوسائل 12 : 95 ، الباب 19 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 8 ، وفيه : من وجهها.


(170)
    وهذه أيضا قرينة على صرف إطلاق لعن النامصة (1) في النبوي عن ظاهره ، بإرادة التدليس ، أو الحمل على الكراهة.

    [ الإشكال في وشم الأطفال ]
    نعم ، قد يشكل الأمر في وشم الأطفال ، من حيث إنه إيذاء لهم بغير مصلحة ، بناء على أن لا مصلحة فيه لغير المرأة المزوجة إلا التدليس بإظهار شدة بياض البدن وصفائه ، بملاحظة النقطة الخضراء الكدرة في البدن.
    لكن الإنصاف ، أن كون ذلك تدليسا مشكل ، بل ممنوع ، بل هو تزيين للمرأة من حيث خلط البياض بالخضرة ، فهو تزيين ، لا موهم لما ليس في البدن واقعا من البياض والصفاء.
    نعم ، مثل نقش الأيدي والأرجل بالسواد يمكن أن يكون الغالب فيه إرادة إيهام بياض البدن وصفائه.
    ومثله الخط الأسود فوق الحاجبين ، أو وصل الحاجبين بالسواد لتوهم طولهما وتقوسهما.

    [ حصول التدليس بمجرّّد رغبة الخاطب أو المشتري وإن علما بذلك ]
    ثم إن التدليس بما ذكرنا إنما يحصل بمجرد رغبة الخاطب أو المشتري ، وإن علما أن هذا البياض والصفاء ليس واقعيا ، بل حدث بواسطة هذه الامور ، فلا يقال : إنها ليست بتدليس ، لعدم خفاء أثرها على الناظر.
    وحينئذ في نبغي أن يعد من التدليس لبس المرأة أو الأمة الثياب الحمر أو الخضر الموجبة لظهور بياض البدن وصفائه ، والله العالم.
1 ـ شطب في ف على عبارة لعن النامصة وكتب في هامشه : اللعن.
المكاسب ـ جلد الأول ::: فهرس