بحوث في الفقه المعاصر ـ الجزء الثاني ::: 411 ـ 420
(411)
    عمله خطأً ، فاذا مات المنقول اليه المرض بسبب العدوى فقد حصل القتل الخطأ فتثبت الدية على العاقلة.
     وإذا كانت طريقة نقل المرض محرّمةً بالأصل ( كالزنا واللواط ) وقد استخدمها المعدي بقصد نقل العدوى الى الآخرين فقد تقدم حكمها بتفاصيلها المتقدمة. ولكن لا يخفى أنّ الفعل المحرّم الذي قُصد نقل المرض بسببه له حكمه المستقل من الحدّ أو التعزير.

ثالثاً : ما هي حقوق المصاب وواجباته ؟
     هل يجوز للمصاب بالايدز أن يتزوج من السليم ؟
     والجواب : هناك صورتان :
     إحداهما : أن يكون غرض الزوج المريض من الزواج هو إنجاب الاطفال والمعاشرة الجنسية بالصورة الطبيعية والمتعارفة ، مع عدم إعلام الزوجة بواقع الحال ، ففي هذه الصورة لا يكون الزواج جائزاً ، لانه من مصاديق إيقاع النفس المحرّمة في التهلكة والاضرار بها ; لأنّ المواقعة الجنسية هي الطريق الأكثر شيوعاً في انتقال المرض كما تقدم. إضافة الى أ نّه تدليس وغش ، وقد شاع قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « مَن غشّنا ليس منّا ».
     واذا حصل هذا الزواج المحرّم فيكون باطلاً ، وحينئذ :
     أ ـ فان كان الرجل هو المدلِّس فيجب عليه المهر مع الدخول ، وأما قبله فلا ، ويجوز للمرأة الفسخ اذا علمت بذلك.
     ب ـ وإن كان المدلِّس هو الزوجة وعلم الزوج بذلك فيجوز الفسخ للزوج ، ولا تستحق المرأة مهراً حتى بالدخول ، لأنَّ الفسخ قد حصل بسبب تدليسها.
     ج ـ وإن كان المدلِّس شخصاً ثالثاً ولم يكن التدليس بطلب من الزوجة فهو الذي يتحمل استقرار الخسارة اذا دفع الزوج المهر الى زوجته المريضة


(412)
    بهذا المرض.
     د ـ وإن كان المدلِّس شخصاً ثالثاً وكان التدليس بطلب من الزوجة فخسارة المهر الذي دفعه الزوج تكون عليه ، ثم هو يرجع على الزوجة التي طلبت منه التدليس.
     والاُخرى : أن يكون غرض الزوج المريض هو المعاشرة الجنسية فقط مع استعمال الواقي والعازل ، وأخبر الآخر بذلك وحصلت الموافقة فلا دليل على تحريم هذا الزواج ، لعدم تحقق إيقاع النفس المحترمة في التهلكة والإضرار بها رغم وجود احتمال ضئيل جداً بالعدوى; لأنَّه احتمال غير عقلائي.

رابعاً : ما حكم زواج حاملي فيروس الايدز ؟
     اذا كان الرجل والمرأة مصابَين بمرض الايدز فهل يجوز لهما الزواج ؟
     والجواب بالايجاب ، سواء اتفقا على الامتناع عن الانجاب ـ كما في حالة استعمال العازل والواقي من اختلاط السوائل الجنسية ـ أو لم يمتنعا عن ذلك ، لأنَّ المرض قد حلّ بهما قبل الزواج ، والزواج لا يؤدي إلاّ الى المرض على احتمال معتدٍّ به ، وهو موجود قبل ذلك ، فلا دليل على منعهما منه.
     وقد يقال : بأنَّ المرأة والرجل اذا لم يمتنعا عن الانجاب فلا يجوز زواجهما; لأنَّ إصابة الجنين بالمرض تحدث في نسبة غير قليلة.
     أقول : إنّ هذا كلام لا دليل عليه ، لأنّ الحمل بعد لم يوجد ، فاذا وجد وهو في بطن اُمه فليست الاُم مسؤولةً عن حياته (1) ، وليست هي المسببة لاصابته إذا اُصيب ، ولم تكن متعمدة لاصابته ، ولهذا فقد يقال بجواز الحمل ، فان ولد سليماً
     (1) بل هي مكلفة بعدم اسقاطه وعدم التعدي عليه ، وحينئذ فاذا اُصيب مع عدم ارادة الاصابة بل مع التحفظ عن الاصابة لا تكون الاُم هنا متعدية.
(413)
    فهو ، وان ولد مصاباً فهو كمن ولد معلولاً ومشوّهاً نتيجة معلولية الزوجين أو تشويههما فلا يجوز قتله.

خامساً : ما حكم المعاشرة الجنسية بالنسبة للمصاب بمرض الايدز ؟
     اذا كان أحد الزوجين مصاباً بمرض الايدز فهل لغير المصاب أن يمتنع عن المعاشرة الجنسية ، لأنَّها هي الطريق الرئيس للعدوى ؟
     قد يكون الجواب بالايجاب ، لأنَّه يدخل تحت عنوان الدفاع عن النفس من الإصابة بمرض مهلك.
     ولكن يوجد لنا طريق للجمع بين حق المصاب والسليم معاً ، وهو : استعمال العازل والواقي من اجتماع السوائل الجنسية ، وبذلك تحصل المعاشرة مع عدم العدوى.
     وبما أنّ المعاشرة الجنسية مع الواطئ يُطمئنّ معها بعدم الاصابة فهي طريق الجمع بين الحقّين. فاذا رضي الزوجان بهذه الطريقة فلا تصل النوبة الى امتناع السليم عن حق المعاشرة الزوجية التي اوجبها الله تعالى وجعل الممتنع عنها اذا كانت هي الزوجة ناشزاً ، والزوج اذا كان امتناعه اكثر من اربعة أشهر بحلف وقد آلى (1) من زوجته فله احكامه الخاصة ، وبغير حلف يعدّ عاصياً.

سادساً : ما حكم السليم من الزوجين في طلب الفرقة ( فسخ عقدالنكاح ) ؟
     اذا كان أحد الزوجين سليماً فهل له الحق في فسخ عقد النكاح ؟
     أقول : إذا كان جواز الفسخ قد ورد به النص في جذام أحد الزوجين أو
     (1) الايلاء : هو الحلف على عدم وطئ الزوجة اكثر من أربعة أشهر ، وله أحكام خاصة ، منها : وجوب الوطئ مع الكفارة أو الطلاق اذا رفعت المرأة امرها الى الحاكم وعيّن لها مدة لهذا الحكم.
(414)
    برصهما ، وكانت العلّة في جواز الفسخ هي العدوى بهذين المرضين غير المميتين فيكون جواز الفسخ في هذا المرض المعدي المميت أولى. ولكن بما أنّ الأمراض المعدية التي توجب الفسخ قد نصّت عليها الروايات وهي محدودة ( كالجذام والبرص والعمى ... ) ، ومرض الايدز ليس منها ، وقد تنفى الأولوية لاحتمال أن العلة هي العدوى والشكل القبيح الحاصل من الجذام والبرص لذا سوف يكون الافتراق بواسطة الطلاق هو المتَّبع والموافق للاحتياط ، فيما اذا كانت الاصابة في الزوجة ، اما اذا كانت الاصابة في الرجل ولم يوافق على طلاقها ، فان كان الايدز أولى من مرض الجذام لكونه مميتاً قطعاً فليس من البعيد أن يكون حق الفسخ ثابتاً للزوجة للفرار من الخطر المهلك.

سابعاً : ما حكم المرأة في طلب الطلاق اذا كان الزوج مصاباً بمرض الايدز ؟
     اذا كانت الزوجة سليمةً والزوج مصاباً وتوقّف التحفّظ عن العدوى على أخذ طلاقها من زوجها ( كما اذا حلفت على عدم الفسخ لو حدث مرض يوجب الفسخ ) أو كان الفسخ غير ممكن لها ، لعدم تمكنها من إعطاء المهر الى الزوج قبل الدخول أو بعده ، وكان أكثر من مهر المثل جاز لها إجبار الزوج على الطلاق بواسطة الحاكم الشرعي ، أو يطلقها الحاكم الشرعي اذا امتنع الزوج المريض.
     كل ذلك للادلة المتقدمة التي توجب على المريض أن يتحفظ من نقل المرض الى الآخرين ، بل سوّغت لغير المريض أنْ يفرّ من المريض بهذا المرض المعدي.
     نعم ، اذا رضي الزوج على أن تكون طريقة المجامعة الجنسية بينهما بواسطة العازل من اختلاط السوائل الجنسية ، وتحفظ من الطرق الاخرى التي تسبب نقل المرض فعند ذلك لا يكون للزوجة الحق في إجبار الزوج على الطلاق; لعدم تمامية الأدلة المتقدمة في هذه الحالة.


(415)
وجوب الفحص على الزوجين :
     إنّ خطر مرض الايدز قد يدعو الحكومات لأخذ الحيطة من انتشاره بين أفرادها ، ومن جملة الاحتياطات أن تفرض الحكومة على كلا الزوجين إجراء الفحوصات للتأكد من خلوهما من مرض الايدز ، ولكلٍّ من الزوجين طلب الفحص من الآخر.
     ولكن اذا توقف الفحص على أخذ السوائل المنوية من الرجل وسوائل رحم المرأة فهل يكون إخراج السائل المنوي من الرجل في هذه الحالة بواسطة العادة السرية جائزاً ؟ وهل يجوز سحب السائل من داخل رحم المرأة ؟
     فقد يقال : إنَّ الزواج إذا لم يمكن بطريقة اُخرى غير الطريقة المتقدمة ، وكان ترك الزواج حرجياً على الفرد فلا بأس بما يتوقف عليه الزواج من الطرفين ، وذلك لأدلة نفي الحرج في الشريعة المقدسة.
     ولكن لنا الحق في التساؤل عن أدلة حرمة إخراج المني ، أو أدلة حرمة إخراج السائل من رحم المرأة هل هي مطلقة لشمول هذه الحالة العقلائية التي فيها غرض مهم يعود للزوجين ؟
     أقول : قد ندّعي عدم الإطلاق في أدلة الحرمة لهذه الأغراض المهمة.

ثامناً : ما حكم إجهاض الحامل المصابة بمرض الايدز ؟
     ذكروا : أنّ نسبة انتقال المرض الى الجنين أثناء الحمل ضئيلة لا تتجاوز 10 % ، وحينئذ إذا توصل العلم الى تشخيص إصابة الجنين مبكّراً بهذا المرض فهل يكون هذا مسوِّغاً لإجهاضه إذا لم يوجد علاج لهذا المرض ؟
     والجواب : هو عدم جواز قتل الجنين أو إجهاضه ، للعمومات (1) الدالة على
     (1) ( ... مَن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً ... ). المائدة : 32.
(416)
    حرمة قتل الانسان الذي يصدق على ما في البطن بعد ولوج الروح ، وخصوص الروايات الدالة على وجوب دية الجنين على مَن أسقط جنيناً في بدايات وجوده ( ولو بعد العلوق ) ، ولما ورد من أن « أول ما يُخلق نطفة » (1).
     أمّا حرمة إسقاطه اذا تعلّقت به الروح ( اي بعد مائة وعشرين يوماً ) فقد أجمع عليها علماء الاسلام ، إضافةً الى نصّ القرآن القائل : ( ... ومن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ... ).
     وأمّا حرمة إسقاط الجنين قبل ذلك ـ أي بمجرد العلوق ـ فقد ذهب اليه جمع من علماء الاسلام ، مثل الإمام الغزالي حيث قال : « ... لأنّ الوجود له مراتب : أولها أنْ تقع النطفة في الرحم وتستعد لقبول الحياة ، فإفساد ذلك جناية ، فاذا صارت مضغةً وعلقة ( علقةً ومضغةً ) كانت الجناية أفحش ، وإن نفخ فيه الروح ازدادت الجناية تفاحشاً » (2) ، وذهب الى ما تقدم بعض الأحناف والمالكية.
     نعم ، إذا زاحم وجودُ الجنين وجودَ الاُم ، فعندئذ يجوز قتل الجنين; للمحافظة على حياة الاُم ، سواء كان مصاباً بمرض الايدز أو لا ، ودليله هو التزاحم بين حياة الأصل والفرع ، وبما أنّ الأصل أهمّ من الفرع فجوّزوا قتل الجنين للمحافظة على الاُمّ.
     ولكن هناك حالة اُخرى ، وهي : ما اذا لم تتعرض حياة الاُم للخطر من وجود الجنين المصاب بالمرض ، ولكنّ الحمل في بطن الام سيقصِّر مدة كمون المرض في المرأة ويُسرّع في قتلها فهل يجوز في هذه الحالة إسقاط الجنين ؟
     والجواب : أنّ القطع بالفرض المتقدم ليس عملياً ، لأننا اذا أحسنّا رعاية
     (1) يراجع وسائل الشيعة : ج 19 ، باب 19 من ابواب ديات الاعضاء ، الأحاديث ، وباب 7 من قصاص النفس ، ح 1 موثقة اسحاق بن عمار « قال قلت لأبي الحسن ( عليه السلام ) : المرأة تخاف الحَبَل فتشرب الدواء فتلقي ما في بطنها ؟ قال : لا. فقلت : إنّما هو نطفة ، فقال ( عليه السلام ) : إنّ أوّل ما يُخلق نطفة ».
     (2) تحديد النسل للسيوطي نقلاً عن القوانين الفقهية لابن جزي : ص235.

(417)
    الاُم من الناحية الصحية فلا نقطع بأنّ الحمل سيكون هو السبب في قصر مدة كمون المرض ، وحتى لو ظهر المرض مبكّراً فلا دخل له في قصر أجل الاُم ، أو ـ على الأقلّ ـ لا يكون لنا علم في تأثيره. وعلى هذا فلا يجوز إسقاط الجنين في هذه الصورة الثالثة.

تاسعاً : ما حكم حضانة الاُم المصابة لوليدها السليم وإرضاعه ؟
     أمّا بالنسبة الى الرضاع : فاذا كانت الاُم مصابةً بمرض الايدز واحتمل أن يُصاب الوليد السليم بسبب ارتضاعه من ثديها احتمالاً ضعيفاً جداً ، فهل يسقط وجوب الإرضاع من ثديها ( اللباء ) وغيره ؟
     قد يقال في الجواب على ذلك : اذا خيف العذر على الطفل من الإرضاع ، ووجد بديل لإرضاعه لبن اُمّه المصابة فعلى الاُم الامتناع عن إرضاعه.
     أقول : ولكن اذا نظرنا الى نقطتين :
     أحداهما : أنّ احتمال الإصابة ضعيف جداً ، حيث لم يذكر انتقال فيروس الايدز بواسطة لبن الاُم إلاّ في حالات محدودة جداً في العالم كله حتى الآن ، كما يظن أنّ حدوث تشققات في حلمة الثدي مما يتسبب عنه خروج دم مع اللبن هي التي أوجبت احتمال عدوى الرضيع ، لا الارتضاع من اللبن لوحده.
     والاُخرى : أنّ إرضاع الاُم المصابة وليدها اللباء واجب وتمام مدة الإرضاع مستحب أو واجب على الخلاف.
     اقول : اذا نظرنا الى النقطتين المتقدمتين أمكننا أن نقول : لا يجوز حرمان الرضيع من حقه لمجرد احتمال ضعيف لضرر يمكن الاحتراز منه اذا حرصت المرضع على تنفيذ وصاية الاطباء بأن تتجنب الارضاع المباشر عند وجود تشققات بحلمة الثدي.
     أمّا بالنسبة الى الحضانة فإنّه لم يثبت انتقال العدوى في الاُسر إلاّ بين الزوج


(418)
    والزوجة ، وعلى هذا فتجوز حضانة الاُم لولدها اذا تحقّق أمران :
     الاول : قد قلنا سابقاً : إنّ مرض الايدز ينتقل عن طريق السوائل الجنسية ، ونقل الدم ، والثقب بالإبر المشتركة بصورة رئيسة ، فاذا راعت الاُم عدم ملامسة الاغشية المخاطية للطفل عند اصابتها بجروح أو تلوثت يدها بالسائل الجنسي أو دم الحيض ، ولم تستعمل الابر الثاقبة المشتركة فلن تكون مصدر خطر على الطفل.
     الثاني : أنّ حق حضانة الاُم للطفل فيه جهتان :
     جهة للطفل من حيث تطوره النفسي ونشأته الطبيعية.
     وجهة للاُم كحقٍّ جعله الله لها في حضانة الولد من اُنس لها. وعلى كلا الحقين : فلا يجوز أن تُحرم الحاضنة من حقها والطفل من الرعاية الافضل من اجل احتمال ضعيف لضرر يمكن الاحتراز عنه اذا حرصت الاُم على تنفيذ الأمر الاول.

عاشراً : ما حكم اعتبار مرض الايدز مرض موت ؟
     إنّ مرض الموت عُرفاً هو : المرض الذي يستشعر فيه الإنسان بدنوّ أجله ، وقد حكم الشارع المقدّس في هذه الحالة بالحجر على تصرفات المريض التي تضرّ بحقوق الدائنين والورثة.
     وبما أنَّ مرض الايدز ـ على ما ذكره الأطباء ـ يكمن في الجسم ـ من حين حدوثه الى ان تظهر أعراض المرض المميّزة له ـ عدة سنوات قد تبلغ عشر سنين أو اكثر يكون فيها المصاب بالمرض عادياً في كل تصرفاته في اكثر هذه المدة ، إذن لا يمكن أن يحكم على المريض بمرض الايدز أنه في حالة مرض الموت.
     نعم ، في المراحل المتأخرة من العدوى التي يستفحل فيها المرض وتصاحب المريض تغييرات سلوكية مصحوبة بالخرف ، وتقعده عن ممارسة الحياة اليومية ، وتتصل هذه التغييرات بالموت ففي هذه المراحل يحكم على


(419)
    المريض بأنّ مرضه مرض الموت; لأنّه في هذه الحالة الشديدة يستشعر بدنوّ أجله ، وبهذا ينطبق عليه عنوان ( مرض الموت ) فتتقيّد تصرفاته المضرّة بحقوق الدُيّان والورثة.

الوقاية من المرض :
     بعد أن سُيطر على طريق انتقال العدوى ( بانتقال الدم الملوّث والإبر المشتركة ) بواسطة الكشف السريع والحديث للفيروس منع استعمال الإبر المشتركة بعد أن بيِّن خطرها للافراد ، وبعد أن كان انتقال المرض عن طريق الاُم الى طفلها أثناء الحمل أو الولادة يوجد بنسبة ضعيفة جداً لم يبق أمامنا من طرق العدوى الرئيسة الاّ الجنس ، فهل هناك طرق واقية من هذا المرض المعدي بطريقة الاتصال الجنسي ؟
     أقول : إنّ طرق الوقاية من مرض الايدز تتلخّص باتّباع الوسائل الآتية :
     1 ـ يجب توعية أفراد المجتمع بخطورة مرض الايدز ، وكيفية انتقال عدواه وسبل الوقاية منه ، وبهذا يتجنب الفرد الطرق التي من شأنها نقل العدوى اليه.
     2 ـ ينبغي أن يشجّع الشباب على الزواج المبكّر ، كما قال تعالى في حثّهم على الزواج : ( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ) (1).
     وقد كان بعض الصحابة ( رضوان الله عليهم ) يقول : « من أراد الغنى فليتزوَّج » إشارة الى الآية الكريمة ، ولعلّ الآية قد جعلت الزواج واجباً اجتماعياً تنهض به الدولة أو المجتمع اذا لم يستطع الفرد أن يقوم به (2).
     (1) النور : 32.
     (2) ولكن الصحيح : أنّ الأمر هنا قد توجّه الى المجتمع ، وهو ينحلّ الى واجبات متعدّدة بعدد الأفراد.

(420)
    وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس منّي » (1).
     وقال ( صلى الله عليه وآله ) : « من تزوَّج فقد أحرز نصف دينه ، فليتق الله في النصف الآخر » (2).
     وقال ( صلى الله عليه وآله ) : « اذا جاءكم مَنْ ترضون خُلُقه ودينه فزوّجوه إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير » (3).
     وبهذا الطريق يقضى على طريق الرذيلة والفساد.
     3 ـ يجب توعية المسلمين وغيرهم ، وحتى إجبارهم على سدّ جميع الطرق التي حرمها الشارع المقدس التي تجرّ الانسان الى الرذيلة ، وعدم الالتزام بالفضائل التي أوجبها الشارع المقدس ، مثل :
     أ ـ تحريم النظر الى ما حرّمه الله تعالى : ( قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إنّ الله خبير بما يصنعون ) (4). ( قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظن فروجهنّ ... ) (5).
     ب ـ حرمة إبداء زينة النساء إلاّ ما ظهر منها ، فقد قال تعالى : ( ... ولا يبدين زينتهنّ إلاّ ما ظهر منها وليضربن بخُمُرِهِن على جيوبهن ... ) (6). ( ... ولا تبرجنّ تبرج الجاهلية الاُولى ... ) (7).
     (1) وسائل الشيعة : ج 14 ، باب 1 ، من مقدمات النكاح ح 14 ، وباب 2 ، ح 9.
     (2) المصدر السابق : ح 11 و 12 ، وتراجع سنن الترمذي وابن ماجة باب النكاح.
     (3) الوسائل : ج14 ، باب 28 ، ح 2 ، وراجع أيضاً سنن الترمذي وابن ماجة باب النكاح.
     (4) النور : 30.
     (5) النور : 31.
     (6) النور : 31.
     (7) الأحزاب : 33.


بحوث في الفقه المعاصر ـ الجزء الثاني ::: 401 ـ 410