الى

الشيخ الوكيل: السيرةُ العملية للإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) أرست قواعد الدستور الإسلامي الرصين..

الشيخ الوكيل
خلال حفل افتتاح مهرجان أمير المؤمنين(عليه السلام) الثقافيّ السنويّ الثالث الذي تقيمه العتبات المقدّسة في العراق برعاية العتبة العباسية المقدّسة في مدينة حيدر آباد الهندية كانت هناك كلمةٌ للشيخ عادل الوكيل ألقاها نيابةً عن وفود العتبات المقدّسة المشاركة في فعاليات المهرجان وهذا نصّها:
"من أرض الأنبياء ومهد الأوصياء من عمق التاريخ ومنبع الحضارات من القباب الشامخة للعتبات المقدّسة في النجف الأشرف وكربلاء المقدّسة والكاظمية وسامراء، من قربة العشق والإيثار وكفّي الأخوّة والفداء لأبي الفضل العباس(عليه السلام)، من باب مدينة العلم الى عشّاق آل محمد، قدمنا نحمل اليكم عبق الغدير وعبير الشهادة ونفحات الولاء، من جوار عليّ كلّ عليّ الى حكومة عليّ بعض علي.
وماذا نقول في حكومة عليّ تلك السنوات الخمس التي جسّدت حكومة الله في الأرض رغم ما عصف بها من فتن وأحقاد".
مُضيفاً: "كم تساءل الإنسان عن شكل الحكومة العادلة وكيف هو الحكم في ظلّ حكومة السماء، وما هو شكل الرعية في هذا النظام الإلهيّ الحكيم، تلك السنوات الخمس كانت كافيةً للإجابة عن كلّ تلك التساؤلات وغيرها، فعن الحاكم يقول(عليه السلام): (أيّها الناس إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر أقومهم عليه واعلمهم بأمر الله، فإن شَغَبَ شاغبٌ استُعْتِب وإن أبى قوتل)، وهكذا كانت حكومته(عليه السلام) كما وصف، ويقول أيضاً: (وقد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام، وإمامة المسلمين البخيل فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتّخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطّل للسُنّة فيهلك الأمّة)".
مُبيّناً: "لقد كان(عليه السلام) في أفعاله كما هو في أقواله أنموذجاً يُقتدى به، وهو القائل: (إنّ الله جعلني إماماً لخلقه ففرض عليّ التقتير في نفسي ومطعمي ومشربي وملبسي كضعفاء الناس يقتدي الفقيرُ بفقري ولا يطغى الغنيّ بغناه).
(ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعامه بقرصيه ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورعٍ واجتهاد وعفّةٍ وسداد) لماذا؟؟ وهو تساؤلٌ وجيه، بعضُ ما يُمكن أن يُقال في جوابه: أنّ علياً هو الإسلام والإسلامَ هو علي، بكلّ ما في الإسلام من قيمٍ ومبادئ ورحمةٍ إنسانية، حكومةُ عليّ حكومةُ العدل والمساواة وإنصاف العباد، حكومة الصلاة والإصلاح حكومة السعادة والرخاء حكومة الحكمة والمعرفة، نعم.. فـ(عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ) كيف لا تكون حكومته كذلك؟؟ وهي التي ترى الناس سواسية كأسنان المشط، (ولا فضل لعربي على أعجميّ إلّا بالتقوى) وكيف لا تكون كذلك وهي ترى أنّ المال مال الله والناس عباد الله مستخلفين في هذه الأموال، وعليهم فيها واجبات كما أنّ لهم حقوقاً فلا يظلمون ولا يُظلمون، وقد قالها في اليوم الثاني من بيعته(عليه السلام): (أنتم عباد الله والمال مال الله يقسم بينكم بالسوية)".
وتابع: "نعم.. علي(عليه السلام) لم يطلب الحكم للحكم، ولا حاد عن الحقّ، كان حصانةً للسلطة من الانحراف ولم تكن السلطة حصانةً له، فأجراها على الصراط المستقيم شاء من شاء وأبى من أبى".
وأضاف الوكيل: "إنّ السيرة العملية للإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) أرست قواعد الدستور الإسلامي الرصين، وضربت أروع الأمثلة في مضمار حقوق الإنسان وحفظت التوازن بين طبقات المجتمع على أساسٍ متينٍ من العدل الاجتماعي، وإقامة الحق وتوثيق الرابطة الإنسانية بين الراعي والرعية، فمن يبحثْ في سماء التاريخ عن السلطة العادلة يجد أنّ شمس علي(عليه السلام) تحجب ما سواها من النجوم بإشراقها وسطوعها، بين أيديكم كتبه ورسائله الى عمّاله وولاته فراجعوها وما عهده الى مالك الأشتر يوم ولّاه على مصر إلا نبراسٌ ينبغي أن يضعه كلّ حاكمٍ بين يديه ليستضيء به، فإنّ أقصى ما وصلت له منظّماتُ حقوق الإنسان ودوّنته للعمل به في عصر الرقيّ والتطوّر في زماننا هذا موجود في ذلك العهد منذ أربعة عشر قرناً ولا يسع المجال لذكر ما ورد فيه".
مُضيفاً: "أوليس هو الموصي عمّاله: (أنصفوا الناس من أنفسكم واصبروا لحوائجهم فإنّكم خزّان الرعية ووكلاء الأمّة وسفراء الأئمة، لا تحبسوا أحداً عن حاجته ولا تحبسوه عن طلبته) وأيّ حرصٍ على حقوق الأمّة أكثر من ذلك؟؟ وماذا يُمكن أن يقول حاكمٌ عادلٌ خيراً ممّا قال وممّا صنع؟ فللّه درّه وعليه أجره وقد فاز وسعد بذلك في الدنيا والآخرة، ونحن من هذا المنبر المبارك نوجّه دعوتنا لكلّ قادة العالم ولاسيّما المسلمين منهم أن يقتدوا بسيرة علي(عليه السلام) ويهتدوا بهداه ويعملوا بمبادئه السامية، لو لم نعمل إلّا بعهده الى مالك الأشتر(رضوان الله عليه) لكفى، ففيه كلّ ما من شأنه أن يبني الدولة العادلة ويحقّق الرخاء والاستقرار والأمن والازدهار".
واختتم الوكيلُ: "لا يسعنا إلّا أن نتقدّم بجزيل الشكر والامتنان لجميع الحضور الكرام سائلين المولى العليّ القدير أن يتقبّل هذه الخدمة وأن يجزل عليها الأجر والمثوبة إنّه سميعٌ مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
تعليقات القراء
لايوجد تعليقات لعرضها
إضافة تعليق
الإسم:
الدولة:
البريد الإلكتروني:
إضافة تعليق ..: