الى

الوفود المشاركة في المؤتمر السنويّ لحفظ التراث المخطوط وإحيائه: حريٌّ بنا أن نتوجّه من هذا المؤتمر لترسيخ أسس تعاونٍ إسلاميّ بنّاء بين مراكز المخطوطات والوثائق لإنقاذ التراث المخطوط..

الدكتور محمد السلمان
ألقى الدكتور محمد حميد السلمان من مملكة البحرين، كلمةً بالنيابة عن الوفود المشاركة في المؤتمر السنويّ لحفظ التراث المخطوط وإحيائه الذي انطلقت فعالياته صباح هذا اليوم (20ذي الحجّة 1436هـ) الموافق لـ(4تشرين الأوّل 2015م) وجاء فيها:

"لم نأتِ هنا لنقول (قفا نبك من ذكرى...)، ونأسف على تراثنا التائه والمغيّب والمهمل أو المهمّش أو الضائع في كلّ حدبٍ وصوب، ونعدّد فرص ما ضاع أو اندثر منه، ونقول: إنّ ما فقدناه كان أضخم وأكثر ممّا نتعرّف عليه ونكتشفه اليوم، بل جئنا لنبدأ ونستمرّ في المستقبل وإن كنّا نخالف جزءً من علم البرمجة العصبية واللغوية، بقول إنّ معظم مشاكلنا الفردية تأتي من التفكير في الماضي والركون إليه، أو القلق من المستقبل الذي لا نعلم شيئاً عنه، ولذا لا نستفيد من الحاضر إلّا إنّنا نقول هنا أنّ جهودنا الجماعية أو الفردية في البحث عن المخطوط الأصيل، والتراث الممتد أفقياً عبر تاريخنا، هو الفتح للمستقبل وليس القلق منه".

وأضاف: "جئنا لنؤكّد بالعمل لا بالكلام والتفاخر أنّ مكانة العرب والمسلمين في ميادين المعرفة والانتشار الثقافي في العالم بفضل الإسلام ثابتة وراسخة بما يتوافر لدينا من مخطوط ووثائق وتراث مكتوب، وهو عنوان كلّ علمية الإبداع الفكري والعلمي الحضاري التي قدمناها للعالم أجمع.

ولا ننسى هنا، بأنّ العراق كان أحد أهمّ مراكز الحياة الثقافية في صدر الإسلام بعد المدينة المنوّرة، وبالذات في حاضرتيه البصرة والكوفة، حيث ظهرت بهما أولى بوادر الكتابة والتدوين منذ مطلع القرن الثاني للهجرة النبوية الشريفة، ومن تلك البدايات التي سرعان ما توسّعت، توافدت مادة تاريخية مخطوطة للمؤرّخين الكبار في العالم الإسلامي فيما بعد، وإن كانت الثقافية العربية شفوية في أساسها".

مؤكّداً: "حريٌّ بنا أن نتوجّه من خلال هذا المؤتمر وأمثاله لترسيخ أسس تعاونٍ إسلاميّ بنّاء وصادق بين مراكز المخطوطات والوثائق، لإنقاذ التراث المخطوط وهو يعاني في بحر الحروب والإرهاب الدمويّ والفكري، بدلاً من الوقوف على حافة النهر أو الشاطئ وتصويره فقط، فما ضاع من مخطوطاتنا خلال الحروب والصراعات في القرون الماضية، ومعاناة المخطوط المستمرة حتى اليوم ممّا يُضيّع قصداً على يد قبائل التوحّش في الألفية الثالثة من تاريخ البشرية، وتحديداً في حواضر العالم الإسلامي ذات المخزون الكبير من هذا التراث مثل الشام والعراق واليمن وغيرها، لهو أمرٌ جلل ومريع ينبغي حياله الإسراع في تدارك ما يحصل، وإلا سنغدو عراة مكشوفين أمام العالم بلا غطاءٍ تاريخي حضاري لوجودنا، وهذا هو الهدف الخبيث للمنظومة الغربية من مشروعها التدميري لحضارتنا".

وتابع السلمان: "حسناً فعلت مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدّسة، حين اتّخذت من قول الإمام جعفر الصادق(عليه السلام): (احتفظوا بكتبكم فإنّكم سوف تحتاجون إليها) شعاراً دائماً لهذا المؤتمر كما يبدو للعام الثاني على التوالي، وحسناً فعلت بأن جعلت من هذا التجمّع الثقافي سنّةً حميدةً، بعقدها المؤتمر السنويّ الثاني، لحفظ التراث المخطوط وإحيائه، سعياً للحفاظ على الموروث الحضاري والفكري والإسلاميّ عامة، والذي يأتي تحت عنوان مهم جداً (التراث المخطوط، فكر وحضارة)، وبمشاركة نخبة من الباحثين المهتمّين والمختصّين بمجال المخطوطات من داخل وخارج العراق، ليكون هذا المؤتمر دولياً بحقّ كما يتناسب ومتطلّبات العصر وما يشهده من تطوّر في هذا المجال".

مختتماً: "ولكي تكتمل الصورة الحقيقية وليس الإعلامية المؤقّتة، لمثل هذا المنجر الحضاري الحقيقيّ، نتمنّى أن تصاحبه في السنوات القادمة حلقات تدريبية، بما تطلقون عليه (ورش عمل) للتدريب العمليّ الواسع في مجال واحد لكلّ عام، كأن تكون هناك دورة للتدريب على كيفية الكشف عن المخطوط، ودورة أخرى حول كيفية حفظ المخطوط وترميمه وصيانته وأخرى في مؤتمر آخر عن كيفية قراءة وتحقيق المخطوط وفهرسته وفق أحدث الطرق والنظم الدولية، وأخرى عن كيفية الاستفادة منه بنشره وهكذا..

وأن يتم ذلك بمشاركة أهل الاختصاص من عربٍ وغير عرب ليكتمل هذا المنجر الحضاريّ الذي ما زلتم في مؤتمركم الثاني تعملون عليه منذ البدء به، كما نضيف أمنية أخرى عسى ألّا تبقى حلماً، بضرورة إدماج دراسة المخطوطات ضمن مقرّرات التعليم، لكي تتعلّم الأجيال المقبلة منهجية التعامل مع التراث".
تعليقات القراء
لايوجد تعليقات لعرضها
إضافة تعليق
الإسم:
الدولة:
البريد الإلكتروني:
إضافة تعليق ..: