الى

مدير مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة: جُمِعَ في المكتبة ما يقرب من الخمسة آلاف نسخة خطّية مصنّفة ضمن تراثي ونادر ونفيس..

مدير المكتبة
بيّن مدير مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة السيد نورالدين الموسوي أنّه خلال السنوات الخمس الماضية تمّ شراء وجمع ما يقرب من الخمسة آلاف نسخة خطّية مصنفة ضمن تراثي ونادر ونفيس، جاء هذا خلال كلمة الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة، والتي ألقاها بالنيابة خلال حفل افتتاح المؤتمر الأول الخاص بحفظ التراث المخطوط وإحيائه والذي تقيمه مكتبة ودار المخطوطات في العتبة العباسية المقدسة.
وقد انطلقت فعالياته صباح اليوم الجمعة (16رجب 1435هـ) الموافق لـ(16آيار 2014م)، وتحت شعار: (احتفظوا بكتبكم فإنّكم سوف تحتاجون إليها). وفي ما يأتي نص الكلمة:
الأساتذة الكرام الأخوة الأعزة الأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
حين مَنّ الباري علينا بنعمة العقل، وشرّف بني آدم به دون خلقة، هداه بنور العلم لطلب الحقيقة والبحث عنها والغور في مكنونها لينال ابن آدم شرف وأهلية خلافة الحق على الأرض، فكان العلم هو وقود العقل وأداته.
وكما أنه لابُدّ للعقل من علم ينتفع به كان لابُدّ للعلم من علماء ومتعلمين على مرّ الدهور وكرّ السنين لتبقى شعلة المعرفة متقدة في غياهب الجهل.
فكان أن اصطفى الباري عزّ شأنه من عباده الصفوة والخيرة محمداً(صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الذين ما فتئ القرآن ينعتهم بآية بعد آية، بأولي الألباب، وأهل العلم وأولياء الأمر، ومجعل الرسالة، وأهل الذكر ومدلولات أخر تدلّ في الظاهر والباطن عليهم(عليهم السلام).
وإمامنا الصادق جعفر بن محمد(عليه السلام) الوارث الأمين لعلوم آبائه الأولين أشار علينا بسُنّةٍ صريحة أن (احتفظوا بكتبكم فإنّكم سوف تحتاجون إليها)، وهو الشعار الذي ارتأينا أن نرفعه عنواناً لمؤتمرنا الأول في حفظ التراث المخطوط وإحيائه، وذلك بعد أن انتهجناه منهجاً واستوحيناه خطّة للعمل من قبل أن نرفعه شعاراً.
فمنذ تأسيس دار المخطوطات بعد انتهاء العهد البعثي الجاهل انعقدت النية في مكتبتنا على البحث وجمع ولملمة كلّ ماله علاقة بالتراث من مؤلّفات ورسائل وكتب ودواوين وأمّهات المصادر لغرض المحافظة عليها وتأمينها وإعطائها حقّها من العناية والاهتمام، حيث لا يخفى على الأعزة ما يمثّله التراث الفكري للأمم من دور في بنائها وترصين أسسها وتحصين أجيالها ورفع شأنها فلا مستقبل بلا ماضٍ.
فكان أنْ شمّرنا يد الجدّ للنهوض بهذا العمل المبارك يحدونا الإخلاص لوجهه تعالى، ولهفة الحصول على القبول من عند المولى أبي الفضل العباس(عليه السلام) لتكون هذه الكنوز في ضمن خزانةِ حرمه الشريف، ويحدونا كذلك تشجيعٌ وتوجّهٌ وإسنادٌ مباشر من علمائنا وساداتنا، متمثّلاً بالأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة. وقد جعلنا خطة العمل لتنفيذ هذا المشروع في ضمن ثلاث محاور:
المحور الأول: بجمع المخطوط، حيث أنّنا لم نحدّد نوعاً واحداً أو عنواناً واحداً معيناً للمخطوطات بل كان الهدف كما أشرنا هو إنقاذ وجمع ما يمكن جمعه من تلك الكنوز التي بُعثرت هنا وهناك، وتُلف وأُتلف الكثير الكثير منها وسُرق ما سُرق وهُرّب إلى خارج البلد ما هُرّب، لأسباب الحروب المتلاحقة أو عدم الاستقرار أو الدواعي الاقتصادية أو الثقافية، ولعلّ العامل الأخير وأعني الثقافي كان من أبرز ما أودى بتلك الكنوز من المخطوطات، حيثُ أنّ الجهل بقيمتها وأهميتها وندرتها أدّى إلى تلفها، ووأد ما حوته من علوم ومعارف في مجالات شتى، وما حدث أبان انتفاضة شعبان سنة(1411هـ/1991م) حين كان الجنود وأفراد البعثيين من أزلام اللانظام يصنعون الشاي داخل الحرم العباسي على نار ما أحرقوه من نوادر الكتب والمخطوطات وهذه التجربة من تجارب الماضين جعلتنا نضع في أوليات عملنا جمع ما يتسنّى جمعه وانتدبنا لهذا العمل الخبراء المشهود بكفايتهم في هذا الفن، فتمّ خلال السنوات الخمس الماضية شراء وجمع ما يقرب من الخمسة آلاف نسخة خطية مصنّفة ضمن تراثي ونادر ونفيس.
المحور الثاني: يتمثل بمعالجة المخطوط وصيانته وحفظه ضمن ظروف مناسبة، وقد هيأت دار المخطوطات لهذه العملية كوادر مختصة حيث تمّ تأهيل وإيفاد مجموعة من المنتسبين للدار إلى دول أوربية ذات باع بهذا المجال، وقد نالوا في هذا التخصص شهادات معترفاً بها، كما تمّ شراء مشفى خاص لمعالجة المخطوط وفق أحدث التقنيات المعروفة، ومنتسبونا هم اليوم من أبرز المختصّين في هذا الشأن في بلدنا حيث قاموا بإدخال كوادر من بعض محافظات العراق، وهم ممّن يُشهد لهم بذلك كما قاموا بصيانة عدد من المكتبات المعروفة.
والمحور الأخير: يشتمل في تصوير وتصنيف وفهرسة المخطوط والتعريف به تاريخياً وعلمياً ومؤلّفاً لتهيئته وتيسير إيصاله وجعله في متناول أيدي الباحثين والمحقّقين.
وكوادرنا في مركز تحقيق التراث قامت في سنين قلائل بتحقيق وإنجاز مشاريع مهمة وحيوية، ما جعل مكتبة ودار مخطوطات العتبة المطهّرة اسماً بارزا ًبين دور المخطوطات العراقية والعربية والإسلامية، حيث نالت عدداً من الجوائز والشهادات التقديرية كان آخرها فوز كتاب (كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار) للعلّامة النوري على التحقيق النموذجي في معرض سال حوزة السنوي في مدينة قم المقدسة، وهذه المسابقة سنوية تشمل إصدارات حوزات العراق وإيران والهند وباكستان ولبنان وفوز المكتبة بالناشر النموذجي.
وفي الختام نودّ أن نبيّن للأعزّة الأكارم:
أنّ حصيلة هذا العمل كانت إيداع ما يقرب من الخمسة آلاف مخطوطة في خزانة العتبة العباسية المطهّرة تُعدّ من جواهر التراث الإنساني الفكري العملي والأدبي، والحصول على ما يقرب من (150 ألف) مخطوطة مصوّرة بأحدث التقنيات وفق معاهدات واتّفاقات تعاون مشترك للتبادل الثقافي مع أهمّ وأبرز المكتبات ودور المخطوطات، وإصدار خمسة وعشرين كتاباً محقّقاً، وإصدار جزءين من فهرس مخطوطاتنا، وما زال العمل متواصلاً لإنجاز بقية الأجزاء.
إنّ ما تمّ لحدّ الآن في هذا المشروع هو نعمة لا ينبغي التغاضي عنها, نعمة لا يقدّر قدرها إلّا العارفون بقيمة المخطوط كتاباً كان أو رسالة أو حتّى ورقة أو رقعة حيث لا يخفى عليكم ماذا يعني المخطوط في الميزان الثقافي للأمّة والعالم الإنساني ككلّ وما لا يكون كذلك، وهو نتاج وعصارة ألباب أمّة في حقبة من حقب التاريخ مصاغة ومسطورة في ثنايا هذه الأوراق العتيقة، والتي لولا جهود من يجتنيها ويشتريها ويحفظها ليصونها ويحقّقها لضاعت وضُيِّعت كنوزٌ مدفونة بين أسطرها.
فله الحمد تعالى أوّلاً وآخراً على هذا الإنجاز الثقافي ونستمد منه العون والتوفيق وتقديم شكرنا وامتنانا لكلّ من أعاننا وشجّعنا ودعمنا بتوجيه أو فكرة أو ملاحظة، والشكر موصول موفور للحضور الكريم على قبول الدعوة داعين لهم بالتوفيق والسداد لخدمة الفكر الإنساني والثقافي في بلدنا الحبيب والسلام عليكم.
تعليقات القراء
لايوجد تعليقات لعرضها
إضافة تعليق
الإسم:
الدولة:
البريد الإلكتروني:
إضافة تعليق ..: