أكّد المتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة سماحة السيد أحمد الصافي(دام عزّه) أنّ مسألة التجديد لا تعني القضاء على الماضي والتنكّر له والاصطباغ بصبغة الحاضر مهما كان، فإنّ ذلك شيءٌ لا نرتضيه بأيّ حال وإنّما هو قراءة الماضي قراءةً دقيقةً فاحصة... هذا بحسب ما بيّنه خلال الكلمة التي ألقاها في حفل افتتاح المؤتمر العالميّ حول التجديد في المنبر الحسينيّ الذي تقيمه العتبةُ العبّاسيّة المقدّسة بالتعاون مع مؤسّسة بحر العلوم الخيريّة، وذلك على قاعة مؤسّسة بحر العلوم في محافظة النجف الأشرف تحت شعار: (الحَوْزَةُ العِلْمِيَّةُ رَائِدَةُ التَّجْدِيدِ) وبعنوان: (المؤتمر الدوليّ حول التجديد في المنبر الحسينيّ)، ويستمرّ ليومين.
وأضاف: "لا يخفى على حضراتكم الكريمة ما لفنّ الخطابة من أثرٍ بالغ في إيصال أيّ فكرة الى المستمعين، حتّى عدّت الخطابة صناعةً مستقلّة من الصناعات الخمس التي يذكرها المناطقة منذ القدم، وما يعنينا هي الحاجة الفعليّة لهذا الفنّ، إذ إنّ الأفكار والمبادئ سواء المتعلّقة بالكون أو بالشريعة تحتاج الى عرض وبيان وإيصال، وهذه قد تحصل عن طريق الدراسة من خلال الحلقات الدراسيّة أو من خلال تأليف الرسائل والكتب، وتختلف هذه الأمور بحسب الرغبة والظروف وقابليّة الأشخاص واستعدادهم لذلك، ولعلّ فنّ الخطابة لا يقصر من هذه الجهة في توضيح وشرح وبيان المعتقدات والأفكار من خلال محاولة الإقناع، وتكمن أهميّة هذا الفنّ وخطورته في قدرة الخطيب على ذلك من خلال ما يحمل من ثقافة عامّة أو خاصّة تؤهّله للاستعانة بما يُريد أن يوضّحه لجمهوره".
وتابع السيّد الصافي بالقول: "لقد كان البيان بمعنى القدرة على التوضيح والشرح من الأمور المهمّة التي يتمايز بها الناس، ولعلّ فنّ الخطابة قد احتلّ موقعاً خاصّاً عند مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) بعد استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) مع التحشيد الكثير الذي مارسه الأئمّة(عليهم السلام) لإحياء واقعة الطفّ خصوصاً، فتوسّعت دائرة هذا الفنّ وأخذت على عاتقها أن تبيّن وتوضّح مستعينةً بجميع فنون الأدب والشواهد الشعريّة لمطالبها وامتزجت بالموعظة والقصّة والفكرة والواقعة، وأنتج ذلك كمّاً هائلاً من فنون الأدب وعيون الشعر أفردت كلّها تحت عنوان: أدب الطفّ".
مؤكّداً: "كان فارس هذه الحلبات هو الخطيب الحسينيّ، ولا زالت هذه المهمّة تتصدّر الأولويّات في جميع المناسبات، ولا زالت الناس تنتظر أشخاص هذا الفنّ وما يفيضون عليهم من علمٍ وفكرٍ ودفع شبهة وما الى ذلك".
وأوضح: "ومن هنا تبرز الحاجة الملحّة لدعم هذا الفنّ، إذ يشكّل دعامةً إعلاميّةً مهمّة لا يُمكن الاستغناء عنها، وما هذا المؤتمر الأوّل في هذا المجال ضمن سلسلة المؤتمرات التي نهضت بها العتبةُ العبّاسية المقدّسة ومؤسّسة بحر العلوم الخيريّة، حيث كان الأوّل يتعلّق بتجربة عَلَمٍ من أعلام النجف وهو الشيخ المجتهد المجدّد محمد رضا المظفر(قدّس سرّه) وعسانا أن نوفّق في مؤتمراتٍ أخرى تتناول مفصلاً مهمّاً من مفاصل قضايانا المهمّة".
وأكّد السيّد الصافي: "إنّ مسألة التجديد (لا تعني القضاء على الماضي والتنكّر له والاصطباغ بصبغة الحاضر مهما كان، فإنّ ذلك شيءٌ لا نرتضيه بأيّ حال، وإنّما هو قراءة الماضي قراءةً دقيقةً فاحصة ناقدة ترشد الى مواقع النجاح، وتسعى لتقويتها ودعمها وتشجيعها وإزالة العوائق من أمامها، وفي نفس الوقت نشير الى مواقع الخلل إن وجدت لغرض تداركها)، مع أنّنا لا نريد أن نحصر كلّ ما يتعلّق بهذه المسألة في هذا المؤتمر، فهذا الأمر لا يقع في حساباتنا بل هي خطوة في الطريق عسى أن يلتحق بها من يحمل هذا الهمّ".