الى

بابا الفاتيكان من ربيع الشهادة: العراق أرض ثقافاتٍ وحضارات، وثراؤه يكمُنُ في تنوّع فسيفسائه..

فيما يلي كلمة سعادة السيد رئيس الأساقفة ألبرتو أورتيغا مارتن السفير البابوي خلال حفل افتتاح فعاليّات مهرجان ربيع الشهادة الثقافيّ العالميّ الثالث عشر الذي يُعقد تحت شعار: (الإمام الحسين-عليه السلام- غيثٌ منهمر وفيضٌ مستمرّ)، والذي انطلقت فعاليّاته عصر هذا اليوم الأحد (3شعبان 1438هـ) الموافق لـ(30نيسان 2017م).

وفيما يلي نصّ الكلمة:

"إنّني ممتنّ لكم لدعوتي للمشاركة في افتتاح مهرجان ربيع الشهادة الثقافيّ العالميّ الثالث عشر الذي نظّمته الأمانتان العامّتان للعتبتين المقدّستين الحسينيّة والعبّاسية، ويسرّني أن يأتي هذا اللّقاء بعد يومٍ واحد من الزيارة الهامّة التي قام بها قداسة البابا فرنسيس لمصر زيارة رسول سلام، هذه هي علامة واضحة لأهميّة الحوار والتعاون بين مؤمني الديانات المختلفة، وبصفتي ممثّلاً لقداسة البابا فرنسيس في العراق يسرّني أن أذكّركم بقربه ومحبّته لهذا البلد والى الشرق الأوسط بشكلٍ عام، في مناسباتٍ مختلفة تحدّث عن العراق ودعا دائماً للصلاة من أجل السلام فيه وأهميّة الحوار والتعاون بين جميع مكوّنات مجتمعه لبنائه".

مضيفاً: "في (29 آذار) من هذا العام التقى البابا فرنسيس المشاركين في الاجتماع الثاني للجنة الحوار الدائمة التي أنشئت بين المجلس الحبري للحوار بين الأديان في الفاتيكان والأوقاف العراقيّة (للشيعة والسنّة والمسيحيّين والأيزيديّين والصابئة المندائيّين) وفي تلك المناسبة قال: إنّ اجتماع الحوار والأخوّة هذا يسرّني حقّاً، نحن جميعاً إخوة وحيث الأخوّة هناك سلام، نحن جميعاً عباد الله، لدينا أبٌ مشترك على الأرض هو إبراهيم، ونحن جميعنا نأتي من ذلك الخروج الأوّل لإبراهيم الى يومنا هذا".

موضّحاً: "بعد المقابلة العامّة البابا حيّى هذه المجموعة ودعا الى مستقبل مصالحة في العراق، فإنّ ثراء الوطن العراقيّ الحبيب يكمُنُ في هذه الفسيفساء التي تمثّل الوحدة في التنوّع والقوّة في الوحدة والرّخاء في الانسجام، أيّها الإخوة الأعزّاء أشجّعكم على الاستمرار في هذا الطريق وأدعو للصلاة حتّى يجد العراق السلام والوحدة والازدهار في المصالحة والوئام بين مكوّناته العرقيّة والدينيّة المختلفة".

مؤكّداً: "أودّ أن أغتنم هذه الفرصة الطيّبة للتحدّث اليكم والإشارة الى كلمات قداسة البابا خلال زيارته الأخيرة لمصر، ولا سيّما الخطاب الذي ألقاه أمام المشاركين في مؤتمر السلام الدوليّ الذي نظّمته جامعة الأزهر قبل يومين فقط، تحدّث البابا عن مصر باعتبارها أرض الحضارات، ويسعدني أن أقول أيضاً: إنّ العراق أرض حضاراتٍ وثقافاتٍ، وشدّد البابا على أهمّية التعليم لأنّه ما من سلام دون تربية مناسبة للأجيال القادمة، كلّ واحدٍ منّا يلعب دوراً مهمّاً جدّاً في هذا المجال وخاصّةً القادة الدينيّين.

وشدّد الباب أيضاً على أهمّية الحوار ولاسيّما الحوار بين الأديان، إنّنا مدعوّون دوماً في مجال الحوار بالتحديد ولاسيّما الديني منه الى السير معاً مؤمنين أنّ مستقبل الجميع يتعلّق أيضاً باللّقاء ما بين الأديان والثقافات".

متابعاً: "توجد ثلاثة توجّهات أساسيّة إذا ما تمّ تنسيقها بطريقةٍ جيّدة تساعد كثيراً في الحوار وهي: ضرورة الهويّة وشجاعة الاختلاف وصدق النوايا، فضرورة الهويّة لأنّه لا يُمكن تأسيس حوارٍ حقيقيّ على الغموض أو على التضحية بما هو صالح من أجل إرضاء الآخر، وشجاعة الاختلاف لأنّه لا ينبغي أن أُعامل من هو مختلفٌ عنّي ثقافيّاً أو دينيّاً كعدوّ، بل أن أقبله كرفيق دربٍ باقتناعٍ حقيقيّ أنّ خير كلّ فرد يكمن في خير الجميع، أمّا صدق النوايا لأنّ الحوار كونه تعبيراً أصيلاً للإنسان ليس استراتيجيّة لتحقيق غايات ثانويّة، إنّما مسيرة حقّ تستحقّ أن نتبنّاها بصبرٍ كي تحوّل المنافسة الى تعاون".

وأضاف البابا: "إنّ التربية على الانفتاح باحترام وعلى الحوار الصادق مع الآخر مع الاعتراف بحقوقه وبالحريّات الأساسيّة ولا سيّما الحريّة الدينيّة منها تشكّل الطريق الوحيد والأفضل لبناء المستقبل معاً لنكوّن بناء حضارة، لأنّ البديل الآخر الوحيد لثقافة اللّقاء هو ثقافة الصدام، فما من بديل آخر لأنّه من الضروريّ كي نواجه فعل بربريّة من يحرّض على الكراهيّة والعنف نحن بحاجة الى مرافقة الشباب ومساعدتهم على طريق النضج وتعليمهم للردّ على منطق الشرّ من خلال العمل بصبر لنموّ الخير.

في هذا المجال المسلمون والمسيحيّون وجميع المؤمنين مدعوّون لتقديم مساهمتنا الخاصّة، نحن نعيش تحت شمس الله الرحمن الرحيم وهكذا بالمعنى الحقيقيّ يمكننا أن ندعو بعضنا بعضاً إخوة وأخوات، لأنّه بدون الله حياة الإنسان ستكون مثل السماء دون شمس، هنا في العراق خلال القرون اجتمعت مختلف الأديان وامتزجت الثقافات المتنوّعة دون خلط مع الاعتراف بأهمّية العمل معاً من أجل الصالح العام، ومن المهمّ أن تتّبع هذه الطريقة.

بعض الناس يقولون: إنّ الدين هو سبب العديد من المشاكل، وأنا أفضّل أن أقول إنّ الدين ليس مشكلة ولكن جزءٌ من الحلّ، كما قال البابا لمحاربة الميل الى الاسترخاء في حياة دنيويّة وغير ملهمة، حيث يولد كلّ شيء وينتهي ها هنا، يذكّرنا الدين أنّه من الضروريّ أن نرتفع بقلوبنا الى العليّ كي نتعلّم كيف نبني مدينة الإنسان.

وينبغي أن تكون الأديان داعمة للسلام دائماً وإذا استخدم بعض الأشخاص الدين لتشجيع العنف كما يفعل الإرهابيّون يجب أن ندينهم، وعلى وجه الخصوص فإنّ الزعماء الدينيّين مدعوّون من أجل إدانة انتهاكات الكرامة الإنسانيّة وحقوق الإنسان وفضح كلّ المحاولات لتبرير أيّ شكلٍ من أشكال الكراهيّة باسم الدين وإدانة هذه المحاولات على أنّها تزييف لتعاليم الله، لأنّ اسمه قدّوس وهو إله السلام لذا فالسلام وحده مقدّس وما من عنفٍ يُمكن أن يُرتكب باسم الله لأنّه إن ارتُكِب يدنّسه".

واختتم البابا: "لنكرّر معاً بقوّة ووضوح لا لأيّ شكل من أشكال العنف والثأر والكراهيّة يُرتكب باسم الدين أو باسم الله، ولنؤكّد سويّةً استحالة الخلط بين العنف والإيمان وبين الإيمان والكراهيّة، لنقل معاً كلّما ننمو في الإيمان بالله كلّما ننمو في محبّة القريب، فالدين لديه دعوة جوهريّة لتعزيز السلام ربّما اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى، نحن مدعوّون للصلاة وأن نطلب من الله هبة السلام ومواجهة بعضنا البعض والانخراط في الحوار وتعزيز الوئام بروح التعاون والصداقة".
تعليقات القراء
لايوجد تعليقات لعرضها
إضافة تعليق
الإسم:
الدولة:
البريد الإلكتروني:
إضافة تعليق ..: