بأبي المستضعف الغريب..
بأبي المحاصر بلا ناصر..
بأبي الظمآن المحروم من السقيا..
بأبي المنادي أما من موحّدٍ يخاف الله فينا..
بأبي الثائر المحيي دين جدّه..
بأبي قلوب المؤمنين الحرّى تتّجه ببوصلة عشقها السرمديّ من كلّ حدبٍ وصوبٍ نحو قطب رحا وجودها.. وصاحب الفضل في بقائها على دين ربّها.. الذي لولاه لكان هذا الدين أثراً بعد عين.. نعم تتّجه أفئدة المؤمنين المحبّين نحو كعبة الإباء الخالدة وقبلة الأحرار الشامخة ولسان حالها ومقالها:
تعاليت من مُفزِعٍ للحتوف وبورك قبرك من مَفزَع
وفي مشهدٍ يُعيي الكاتبَ اللبيبَ وصفُهُ تحيي جموعُ الموالين في كربلاء ليلة عاشوراء، الليلة الأخيرة للحسين وأهل بيته(عليهم السلام) وأصحابه من الذين استشهدوا بين يديه، وروت دماؤهم الزكية أرض كربلاء الفداء في يوم عاشوراء دفاعاً عن دين محمدٍ(صلى الله عليه وآله) وصوناً لمبادئه التي تعرّضت الى حملةٍ يزيديةٍ شعواء لتحريف الرسالة المحمّدية عن مسارها الأصيل.
وتاسوعاء هو اليوم التاسع من شهر محرم عام (61هـ) وفيه أحاط جيشُ الكوفة بالإمام الحسين(عليه السلام) وأنصاره ومَنَعَ عنهم الماء، وسيطر على جميع الطرق لكي لا يلتحق أحدٌ بمعسكر الإمام الحسين(عليه السلام) ، واتّخذت تهديدات جيش عمر بن سعد طابعاً أكثر جدية، وأصبحوا أكثر استعداداً للهجوم على الخيام، وفي عصر يوم الخميس التاسع من محرم تلقّى ابنُ سعد أمراً من ابن زياد(لعنهما الله) جعله يتأهّب لمقاتلة الإمام الحسين(عليه السلام). وهجمت طائفة من جيش الكوفة على الخيام فيما كان الإمام جالساً إلى جانب خيمته محتبياً بسيفه، وما أن سمعت زينب(عليها السلام) جَلَبَة المهاجمين حتى سارعت لإيقاظ الإمام بعد أن هوّمت عيناه وأخذته إغفاءة قصيرة.
ولما استفاق قصّ الرؤيا التي رآها في تلك اللحظة؛ وهو أنّه رأى رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال له: إنّك تروح إلينا. فأرسل الإمام الحسين أخاه العباس(عليهما السلام) مع ثلّة من الأنصار لاستطلاع هدف المهاجمين.
ولمّا علم أنّهم قادمون لمحاربته أو لأخذ البيعة منه، استمهلهم تلك الليلة للعبادة والصلاة، وأوكلوا أمرَ الحرب إلى اليوم التالي. فالجميع مشغولون في تلك الليلة، والكلّ ينتظر انبلاج ضوء الصبح، بعضُهم ليُكتب في سجلّ الخالدين ممّن نصروا مسيرة التوحيد عبر التاريخ الطويل للإنسانية، وبعضهم الآخر ليُكتب في سجلّ الظالمين ممّن سفكوا دماء أولياء الله وعاندوا الحقّ وأهله، ليلة كانت ثقيلة على الجيش الأموي المقدم على الجريمة النكراء، ليلة استغلَّها ذلك الجيش الظالم في إعداد العدَّة لسفك الدماء التي يغضب الله لقتلها ويفرح الشامتون والمنافقون بإزهاقها، لأنّ في ذلك إرواءً لظمأ أحقادهم وتشفياً لثاراتهم التي يحملونها ضدّ الإسلام والمسلمين عموماً، وضدّ أهل البيت(عليهم السلام) خصوصاً.
وكان من دعاء الإمام الحسين(عليه السلام) في ليلة العاشر من محرم: (اللهم أنت ثقتي في كلّ كرب, ورجائي في كلّ شدة, وأنت لي في كلّ أمرٍ نزل بي ثقة وعدة, كم من همٍّ يضعف فيه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة, ويخذل فيه الصديق, ويشمت فيه العدوّ, أنزلتهُ بك وشكوته اليك رغبةً مني اليك عمن سواك, ففرّجته وكشفته وكفيته, وأنت وليّ كلّ نعمةٍ وصاحبُ كلّ حسنة ومنتهى كلّ رغبة..)، وهكذا سوف يبقى موقف الحسين(عليه السلام) ليلة العاشر الموقف الذي يهزّ الضمائر ويحرّك الوجدان ويُثير في النفس عوامل القوة والثبات، وستبقى ليلة العاشر الليلة المضيئة التي تزوّد المجاهدين بالروحية العالية وتشعّ في قلوبهم أنوار الإيمان وتقوّي الارتباط والعلاقة بالله عزّوجلّ.