يحمل شهر صفر الخير في طياته العديد من المناسبات الحزينة والمؤلمة التي ألمَّت بآل بيت النبوة (عليهم السلام)، ففي اليوم الثاني من شهر صفر الخير لسنة (122هـ) كان استشهاد الثائرِ المصلوب أبي الحسين زيد الشهيد بن الإمام علي السجّاد بن الإمام أبي عبد الله الحسين بن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).
ولادته:ولد (عليه السلام) في سنة (57هـ) على رواية، وترعرع في بيت النبوّة وشبّ بين أحضان أبيه الإمام زين العابدين(عليه السلام) ليرتوي من معينه وينهل من فيض علومه، وذكرت بعضُ الروايات أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) هو من سمّاه بهذا الاسم وتنبّأ بولادته وكان لقبه (حليف القرآن)، وقال أبو الجارود: قدمت المدينة فجعلتُ كلّما أسأل عن زيد قيل لي: ذاك حليف القرآن، ذاك أسطوانة المسجد، من كثرة صلاته.
علمه:بلغ درجةً علمية راقية، فكان (عليه السلام) من العلماء في عصره، فقد أخذ علومه عن أبيه الإمام زين العابدين(عليه السلام)، ومن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام)، ومنهم أخذ لطائف المعارف وأسرار الأحكام، فأفحم العلماء وأكابر المناظرين من سائر الملل والأديان، وخير شاهد على هذا قول الإمام الصادق(عليه السلام): «إنّ زيداً كان عالماً، وكان صدوقاً» فكان ورعاً عابداً فقيهاً سخياً شجاعاً، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويطلب بثارات جدّه الحسين(عليه السلام) وكان كلامه يشبه كلام جدّه عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) بلاغةً وفصاحة.
ثورته واستشهاده :عرف زيد بن علي (عليهما السلام) بجهاده للظلم ومحاربة طغاة بني أمية والدعوة بالرضا لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولقد خاض مع من بايعه على الجهاد والقتال معركة شديدة مع والي الكوفة وقواته التي زحفت إليه من الشام.
فكانت المعركة بين كرٍ وفرٍ منذ ليلة الأربعاء، من شهر صفر عام (122هـ) إلى ليلة الجمعة، أي كانت المعركة تدور في إحياء الكوفة ثلاث ليالٍ.
وفي عشية يوم الخميس حمل زيد في أصحابه على العباس بن سعيد صاحب شرطة الكوفة مع قوات أهل الشام فكشفهم، ثم تبعهم حتى أخرجهم من السبخة، ثم شدّ عليهم حتى أخرجهم إلى بني سليم، ثم تبعهم في خيله ورجاله حتى أخذوا على المسناة وكان صاحب لواء زيد في هذه المعركة عبد الصمد بن أبي مالك بن مسروح من بني سعد، فجعلت خيل العباس لا تقف أمام هجمات قوات زيد، فبعث العباس إلى يوسف يطلب النجدة، فأنجده بفرقة من الرماة بقيادة سليمان بن كيسان الكلبي، فحاول زيد أن يدفعهم إلى السبخة، فقتل معاوية بن إسحاق وهو الرجل المهم الآخر بعد نصر بن خزيمة، وما لبث أن ضرب زيد بسهم في جبهته اليسرى فبلغ دماغه، فرجع مع أصحابه إلى دار الجزارين التي بالسبخة.
فبعث إليه بطبيب اسمه (سفيان مولى لبني دواس) وطلبوا إليه قلع النصل الذي استقر في جبهة زيد، فقال الطبيب له: (إنك إن نزعته من رأسك مت) فقال: (الموت أيسر عليّ مما أنا فيه، فأخذ الكلبتين فانتزعه فساعة انتزاعه مات).
فحفر له أصحابه قبراً وسط النهر من أجل إخفاء قبره، وذلك خوفاً على بدنه من التمثيل، ولكن عبداً سندياً كان معهم كشف ذلك ليوسف بن عمر فاستخرجه، وصلبه، وبعث برأسه إلى هشام بن عبد الملك الذي أرسله إلى المدينة فعُلّقَ عند قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم طيف به في مصر، فسرقه بعض الأنصار ودفنوه.
ولمّا سمع الإمام الصادق(عليه السلام) بقتل زيد(رضي الله عنه) بكى ثمّ قال: «إنّا لله وإنّا إليه راجعون، عند الله احتسب عمّي، إنّه كان نِعْمَ العم، إنّ عمّي كان رجلاً لدنيانا وآخرتنا، مضى والله عمّي شهيداً كشهداء استُشهدوا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعلي والحسن والحسين صلوات الله عليهم».