خلال حفل افتتاح المبنى الجديد لجامعة الكفيل التابعة للعتبة العبّاسية المقدّسة في محافظة النجف الأشرف، الذي أُقيم فيها اليوم الأحد (8شعبان 1440هـ) الموافق لـ(14نيسان 2019م) كانت هناك كلمةٌ للمتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه)، هذا أهمّ ما جاء فيها:
"يطيب لنا ونحن في هذا المكان العلميّ وفي هذا الشهر المبارك شهر شعبان المعظّم، الذي له خصوصيّة لدينا وهو الاحتفال بالمواليد المباركة للأئمّة الأطهار(عليهم السلام) وذكرى النصف من شعبان، وأحببنا أن يكون أو يتزامن افتتاح هذه الجامعة العلميّة تبرّكا في هذا الشهر".
مضيفاً: "ابتداءً أرحّب بالضيوف الأعزّاء الأكارم الذين وفدوا الينا من خارج العراق، لاستجابتهم لدعوة الأمانتين العامّتين للعتبتين المقدّستين الحسينيّة والعبّاسية في ذكرى مهرجان ربيع الشهادة الخامس عشر، الذي دأبتا على الالتزام به منذ أن تشرّفنا بالعمل في العتبتين المطهّرتين، فأهلاً وسهلاً بكم ومرحباً بكلّ الإخوة الأعزّاء الذين استجابوا الى دعوة رئاسة الجامعة لحضور هذا اليوم -يوم الافتتاح-".
وأكّد السيّد الصافي: "بلدنا العراق من البلدان المتجذّرة تاريخيّاً وله عمقٌ تاريخيّ كبير وواسع، وهذا البلد الكريم تعرّض لما تعرّض اليه -من خلال ما نقرأ من تاريخه المفعم- من المشاكل الجمّة، وهذه المشاكل لم تقف حائلاً يوماً ما في نشاط الحركة العلميّة والفكريّة في هذا البلد، وكلّ المعاناة التي مرّ بها وطبعاً أنا لا أتحدّث عن المعاناة التي وقعت في هذا العصر الحديث، وإنّما العراق كان مسرحاً لمشاكل كبيرة على مرّ التاريخ، ولكن بحمد الله تعالى استطاع وبصمود هذا الشعب أن يروّض العديد منها، ولا زال الكثير منها باقياً الى الآن ومنها فتنة عصابات داعش الإرهابيّة التي تصدّى لها أبناء هذا البلد بكلّ بسالةٍ وشجاعة، واستجاب الى نداء مرجعيّتنا الدينيّة العُليا المتمثّلة بسماحة السيّد علي الحسينيّ السيستانيّ(دام ظلّه الوارف)، وهذا الاندفاع يحمّلنا المسؤوليّة الكبيرة تجاه هذه الدماء التي سُفكت وأُريقت على هذه الأرض، فلابُدّ أن يكون لها ثمن وربّما ثمن الدماء يكون عادةً ثمناً عزيزاً وكبيراً".
وأشار بالقول: "المأمول بالمعاهد العلميّة والجامعات أن تستشعر هذه المعاناة، خصوصاً الأبناء الأعزّاء الذين هم في مراحلهم الدراسيّة، لا زالوا يستشعرون حالة الوفاء لتلك الدماء، والمأمول بهم أن يسعوا جاهدين أن يثبتوا أنّهم أولاد المرحلة وأولاد هذا البلد وأنّهم يستطيعون أن يُكملوا المشوار".
ثمّ عرّج السيّد الصافي بكلمته لبيان نقطتين تتعلّقان بعموم الجانب التربويّ والعلميّ وهما:
النقطةالأولى: الأمم تفخر وتتباهى بموارد مختلفة، لكنّ الشيء الذي يُجمع عليه الجميع أنّ العلم هو منطقةُ الفخر للكلّ ولجميع الأمم، بل هناك بعضها تنسب لنفسها علماً لأنّ العلم من الموارد التي يجعلها تتصدّر، وهنا أقول الجانب العلميّ والمعرفيّ في العراق لابُدّ أن يرجع -لا أقول الى ما كان عليه منذ عقودٍ من الزمن- وإنّما لابُدّ أن يرجع الى الصدارة، خصوصاً إذا علمنا أنّ هذا المكان -النجف الأشرف- هو من أكبر الأماكن لتصدير العلم، ولعلّي أستذكر قصّةً قصيرة أنّ بعض الوفود الأجنبيّة قبل حفنةٍ من السنين زارت النجف، والتي هي كما معروف تُقسم الى أربع مناطق داخل المدينة، وهذا الوفد كان يصرّ على زيارة بيتٍ من البيوت في منطقة (الحويش)، وهذا البيت بظاهره لا يختلف عن مظاهر باقي البيوت، واستغرب الناس أنّ الوفد ما شأنه بهذا البيت؟ وما سرّ إصرار الوفد على هذا البيت؟! على كلّ حالٍ زار الوفد هذا البيت وطلبوا أن ينزلوا الى سرداب هذا البيت، وتعرفون أنّ النجف معروفة بالسراديب التي يلجأ اليها الناس، باعتبار أنّ السرداب مكانٌ آمن، وبعد أن نزلوا رفعوا رؤوسهم الى سقف البيت وبدأوا يكتبون، واستغرب صاحبُ البيت وبالنسبة له لم يكنْ يعرف خلفيّة المسألة، لأنّ هؤلاء توجّهت أنظارهم الى السقف فجأةً وبدأوا يكتبون، بعضهم استفسر أنّ سقف هذا البيت مرسومةٌ به خارطة فلكيّة، ونحن عندنا علم أنّ هذه الخارطة لم تظهر إلّا لأهل الاختصاص.
الجانب العلميّ إذا تعرّض للتشويه والتزييف حقيقةً سنكون قد أجهزنا عليه، فالعلم ليس فيه مجاملة وأنا كنت في خدمة الإخوة في جامعة العميد -ولا نريد أن نكرّر-، لكن أوّلاً بالنسبة للأساتذة المسؤولين عن الجامعة أنا أوصيهم أن يبذلوا قصارى جهدهم في تعليم الطلّاب، ولا يقصّروا إطلاقاً لأنّ الطالب أمانةٌ في أعناقهم، وأحذّرهم أن لا يشجّعوا الطالب على الغشّ وأيّ أستاذ -مهما يكن- ليس له مكانٌ عندنا إذا ساعد طالباً على الغشّ، ولا أقبل وساطة كائنٍ من يكون في أن الأستاذ ساعد طالباً في الغشّ أن يرجع الى الجامعة مرّةً ثانية، وأيضاً لا مكان للطالب إن كان يغشّ، هذا من جانب ذراعك هو الأقوى، لأنّك إن غششت الآن سيبقى ضميرك يؤنّبك مدى الحياة، وإن أخذت شهاداتٍ ملء الحائط ستبقى بنفسك وتقول إنّك وصلت ليس بجهدك.
الرجاء من الإخوة القائمين على الجانب التعليميّ أن لا يُضعفوا التعليم وأن لا يتسامحوا في هذا الجانب، فنحن بنينا هذه الجامعة على الرصانة العلميّة، وكنت دائماً أزورها، وبنيناها أساساً فوق أساس فلا نسمح بأن يزيّف العلم بدعوى مساعدة الطالب فهذه خيانةٌ لنا.
من أراد أن يتعلّم فأهلاً وسهلاً به وسنحرص على أن نختار الأساتذة الأكفاء في البلد، بل بالتأكيد بلدنا يحمل الأساتذة الأكفاء الذين يحتاجون الى الاحتضان من قبل وزارة التعليم ووزارة التربية، فعليه إنّ البلد لابُدّ أن يتفوّق بالعلم إضافةً الى الصحّة والبيئة، هذه جوانب أخرى وما يعنينا الآن هو الجانب التعليميّ.
النقطة الثانية: لابُدّ أن تتميّز هذه الجامعة بالرصانة العلميّة، وأقصد من الرصانة العلميّة هي ملاحقة أيّ فكرة تكون بخدمة الجامعة نأتي بها نريد أن نسبق الآخرين، لاحظوا أمير المؤمنين يقول: (ربّ همّةٍ أحيت أمّة)، إخواني نحن إذا عزمنا أن نسبق الآخرين فإن لم نتوفّق أن نسبقهم سنكون بمصافّهم وهذا بنفسه فتحٌ مبين، أمّا إذا كانت الهمّة عاجزةً ونقول هو مجرّد إسقاط فرض فسوف لا نصل أصلاً الى أوّليات المنافسة.
الآن الجامعات الأهليّة كثيرة ونأمل منها أن تسعى جادّةً في أن تكون مساعدةً الى الجامعات الحكوميّة، فالجامعات الأهليّة ليست بديلة أبداً وإنّما مساعدة، ونحن لا نفكّر في يومٍ من الأيام أن نُضعف مؤسّسات الدولة لأنّ هذه الفكرة في منتهى الخطورة والخطأ، كما أنّ المستشفيات الأهليّة مساعدةٌ للمستشفيات الحكوميّة فالجامعات الأهليّة هي كذلك مساعدةٌ لقريناتها في الدولة، ونريد منها أن ترقى الى مستوى الطمأنينة الى نفسيّة الطالب، طبعاً مع المحافظة على الرصانة العلميّة ومع التأكيد على الالتزام الأخلاقيّ.
الجامعة لها حرم والحرمُ الجامعيّ حرمٌ مقدّس، لا أسمح بوجود سلاحٍ في الجامعة، هذا ليس من شأن الجامعة حمايات الإخوة من حقّهم لكن خارج سورها، ولا نسمح أن تكون الجامعة خاليةً من الحشمة، الطالب والطالبة لابُدّ أن يكونا مركّزين على دراستهما، وهم في أعيننا ونحرص على أن نخدمهم في مقابل أن يساعدونا.
المرحلة الجامعيّة التي يقضيها الطالب هي من أحلى أيّام عمره، وعليه أن يستثمرها في سبيل أن يوظّفها في خدمة بلده مستقبلاً.
واختتم السيّد الصافي: "أحبّ أن أوجّه الشكر الكثير والجزيل والوفير لكلّ الإخوة الذين جهدوا -حقيقةً- أن يُحيوا هذا الافتتاح، فكان عملاً أسطوريّاً بمعنى الكلمة، بذلوا جهداً نفيساً وكبيراً، كلّ الإخوة الذين ساعدونا لهم منّي الشكر المتواصل ولحضراتكم أيضاً، وإن شاء الله تطمئنّون على رصانة هذه الجامعة، شاكراً لكم وللحضور الكريم حسن الإصغاء، وداعياً الله تعالى أن يوفّقنا وإيّاكم لكثيرٍ من أعمال البرّ والخير، وخصوصاً نحن في مدينة سيّد الأوصياء وهو بابٌ من أبواب العلم، شكراً لكم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمدٍ وآله الطيّبين الطاهرين".