ألقى وكيلُ المرجعيّة الدينيّة العُليا سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه) اليوم الجمعة (٢٤ رجب ١٤٤١هـ) الموافق لـ(٢٠ آذار ٢٠٢٠م)، كلمةً توجيهيّة حول ما يمرّ به البلد من تحدّيات صحيّة بسبب تفشّي فيروس كورونا المستجدّ في عموم العالم.
لمشاهدة الكلمة اضغط هنا
وفي مايلي نص الكلمة:
بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمدُ لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّدٍ وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
عظّم الله لكم الأجر بشهادة الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) الموافق ليوم غدٍ السبت، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يدفع البلاء عنّا وعنكم، وأن يُشعرنا بالأمان دائماً بمحمّدٍ وآله.
السلام عليكم إخوتي وأخواتي في هذا اليوم -يوم الجمعة- سائلين الله تبارك وتعالى دوام التوفيق بمحمّدٍ وآله.
أحبّ أن أتحدّث معكم حول محاور ثلاثة، الأوّل هو المحور الدينيّ، والمحور الثاني هو المحور الطبّي، والمحور الثالث هو المحور الاجتماعيّ.
سببُ الحديث طبعاً هو كما تعلمون أنّ البلاد تشهد وكثيراً من دول العالم بل معظم دول العالم، تشهد هذا الوباء وهو وباء فيروس كورونا، الذي نسأل الله تعالى أن يعافينا ويدفع عنّا هذا البلاء، تحدّثنا قبل أسبوعين حول الجانب الدينيّ، أعرّج عليه بشكلٍ سريع حتّى أنتقل الى المحورَيْن الآخرَيْن.
تعلمون أنّ الله سبحانه وتعالى، وبمقتضى عقيدتنا (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا)، بمعنى أنّ الإنسان المؤمن دائماً يكون في حالة طمأنينة، وهذه العلاقة ما بين العبد وربّه هي علاقة عبدٍ مع سيّده، وكما ورد في بعض الأدعية (خيرُك إلينا نازل وشرُّنا إليك صاعد)، نحن نتعامل مع الله سبحانه وتعالى وهو محضُ الخير ومحضُ الرحمة، وكلّ ما يصدر من الله تبارك وتعالى على العبد أن يكون في منتهى العبوديّة والتذلّل اليه جلّ شأنُه، ولذلك الإنسان المؤمن عليه دائماً أن يكون في سكينةٍ ووقار، النتيجة هذه عوالم والإنسان ينتقل من عالمٍ الى آخر، نعم.. الإنسان مطالَبٌ أن يحفظ نفسه فكما نؤمن بهذه الأمور أيضاً الشارع المقدّس لم يسمح لنا أن نُهلك أنفسنا، بل وجب علينا أن نحافظ على أنفسنا، ولذلك حتّى في هذا المحور –أتكلّم- علينا أن لا نستهين بهذا الوباء، ونهيّئ كلّ الإمكانات التي تحفظ أنفسنا، لأنّه -لا قدّر الله- الإنسان غير معنيّ فقط بنفسه وإنّما بمحيطه وبأهله وبناسه، ولذلك الوصايا التي تأتي من الجهات المعنيّة وأهل الاختصاص علينا أن نطبّقها، والغرض منها هو المحافظة على أنفسنا وعلى الآخرين، وهذا لا يتعارض مع الجانب الأوّل، في الجانب الأوّل الإنسان المؤمن يسلّم بالمقادير التي يبيّنها أو التي يفرضها أو التي تأتينا من الله تبارك وتعالى، لكن في نفس الوقت أيضاً نفس المعايير الدينيّة توجب علينا أن نحافظ على أنفسنا، ونهيّئ لأنفسنا جميع الوسائل التي يُمكن أن تجعلنا في منأى عن هذا الوباء، الذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يدفعه عنّا، وأعتقد أنّ هذا المقدار يكفي للحديث عن هذا المحور.
المحور الثاني هو المحور الطبّي، تعلمون قبل أربعة أيّام تحديداً يوم (21 رجب) وجّه البعضُ سؤالاً الى سماحة سيّدنا السيّد السيستاني(أدام الله ظلّه الوارف)، أنا أذكر هذا النصّ الذي أيضاً أنتم تعرفونه، لكن أقف عند بعض الفقرات التوضيحيّة، الجانب الطبّي أيضاً من الجوانب التي يجب أن نحترم الجهد الذي يُبذل من الكوادر الاختصاصيّة في هذا الجانب، ولذلك سماحة السيّد عندما ذكر في هذا الاستفتاء وأرجو أن يدقّق الإخوة، قال: (إنّ علاج المرضى ورعايتهم والقيام بشؤونهم هو واجبٌ كفائيّ) ومعنى الواجب الكفائيّ هو أنّه يجب على فئةٍ أن تتصدّى لهذا الأمر، مَنْ هذه الفئة؟ قال: (على كلّ المؤهّلين لأداء هذه المهامّ)، عادةً المؤهّل في هذا الجانب -الجانب الطبّي- يكون من الأطبّاء أو الكادر التمريضيّ، وغيرهم الذي يكون هو في الشؤون الطبّية أي مؤهّل لأن يمارس هذا العمل، هذا ما يتعلّق بهم، أيضاً هؤلاء لابُدّ أن تتوفّر لهم الإمكانات، ولذلك قال سماحته: (لكن يجب على السلطات المعنيّة...) ومعنى السلطة مَنْ بيده القرار ومَنْ بيده الإمكانات، هذه سلطاتٌ معنيّة ماذا يجب عليها؟ (يجب عليها أن توفّر جميع الإمكانات التي تُساعد على أداء هذه المهمّة)، توفّر لهم كلّ الإمكانات والمساعدات التي تجعلهم ينهضون بهذه المهمّة على أفضل ما يكون، (ولا عذر لهم بالتخلّي عن هذه الوظيفة) وهي وظيفة تقديم هذه الإمكانات، لاحظوا الآن هذه المسألة، في الجواب عقَدَ مقارنة وهي مقارنة رائعة ما بين العمل الذي يعمل به هؤلاء الإخوة الأطبّاء حفظهم الله تعالى، والعمل الذي يعمله المقاتلون عندما يقفون على سوح القتال، هؤلاء يدافعون في صدّ عدوٍّ واضح (داعش) وغيره وهم بالنتيجة يمنعون هؤلاء أن يصلوا الى العباد والبلاد، وهؤلاء أيضاً يدافعون في صدّ مخاطر كثيرة تحاول أن تفتك بالناس، ولذلك يُرجى لهم أن يكون لهم هذا الأجر مقارباً لأجر هؤلاء الأبطال، ولا قدّر الله إذا تُوفّي أحدٌ منهم أيضاً تُكتب لهم هذه المنزلة -منزلة الشهادة-، إذن نحن أمام حالةٍ مهمّة يجب أن نلتفت إليها جميعاً، المنظور الدينيّ -كما بيّنت- هو أنّ الإنسان المؤمن يكون دائماً مطمئنّاً، لكن أيضاً المنظور الدينيّ قال: يجب عليك أن تحافظ على نفسك، لا تُعجّل ولا تعرّض نفسك الى الهلاك، هذا ينشأ من أن نسمع كلام الجهات المختصّة وأن نتقيّد بهذه التعليمات، لأنّه -لا سمح الله- إذا لم نعمل ذلك قد يؤدّي ذلك الى خطرٍ يصعب بعد ذلك تداركه، وأنتم تعلمون أنّ العالم اليوم في كلّ لحظةٍ يزوّدنا بهذه الإحصائيّات المرعبة، مع أنّ بعض الدول تدّعي نفسها أنّها متقدّمة في هذا الجانب ومع ذلك هذا الوباء تفشّى فيها بشكلٍ سريع، الإنسان الذي يراجع النشرات الطبيّة في هذا المجال الى حدّ قبل أيّام لم يعتقد أنّه وباء بالمعنى الذي انتشر، الآن البعض سلّم أنّ هذا وباءٌ وبدأت النصائح الطبّية تكون قويّة بحسب مخاطر هذا الفيروس وطبيعة إمكانات البلد.
إذن إخواني علينا أن لا نستهين بهذه الأمور وإنّما أن نتقيّد قدر المستطاع بكلّ هذه الوصايا، خوفاً من أن تصل الأمور -لا سمح الله- الى ما لا يُحمد عقباه، وبالنتيجة النفوس عزيزة، الله تعالى لم يرخّص لأنفسنا أن نبذلها كيفما نشاء، النفوس عزيزة والإنسان عندما يتعامل لابُدّ أن يتعامل بوعي ويتعامل بعلميّة، نحن نحترم الاختصاص، وأهل الاختصاص عندما يشخّصون أمراً معيّناً علينا أن نتبع هؤلاء الى أن تنجلي إن شاء الله تعالى هذه الأزمة، وتكون إن شاء الله البلاد والعباد في مأمنٍ من ذلك.
النقطة الثالثة التي أحبّ أن أنوّه عنها هو المحور الاجتماعيّ، أنتم تعلمون أنّ المحور الاجتماعيّ المقصود هو إبداء المساعدات في ما بيننا، صفة التراحم هذه من الصفات الحميدة، على جميع الملل والأديان والجهات أنّ الناس تتراحم في ما بينها، الناس تتواصل بالمعروف في ما بينها، أحدهم يبدي المساعدة الى الآخر، هذه وصايا عامّة أنّ الناس لا تستغلّ هذا الظرف، وتحاول بعض النفوس الجشعة أن تستغلّ هذه الحالة، بالعكس نحن نقول هذا الظرف يجعل الناس عندما تتلاحم لعلّ هذا التلاحم الله تعالى يعجّل بأن يُرفع هذا البلاء، أمّا أن نستغلّ هذه الظروف الصعبة التي يمرّ بها البلد، ونحاول أن نحبس بعض المساعدات عن الناس أو توفيرها وإن كان بمال، لكن أن نتعامل بقضيّة فيها زيادة في الأسعار قد تكون مجحفة خصوصاً للناس التي لا تستطيع أن تؤمّن هذه الاحتياجات، أعتقد أنّ هذه صفة غير حميدة، على العموم إخواني نحن في ظرف يستدعي منّا أن نكون دائماً في أهبة الاستعداد في ما بيننا، وأيضاً نُثني على الجهد الكبير كما أثنت المرجعيّةُ المباركة عليهم، الجهد الكبير الذي يُبذل من الكوادر الطبّية التمريضيّة، من الأطبّاء الذين –حقيقةً- هم يسعون ليلاً ونهاراً من أجل أن يمنعوا تفشّي هذا المرض، في نفس الوقت أحبّ أن تتوفّر للمرضى أيضاً الإمكانات التي يُمكن أن يشعر فيها هذا المريض بالراحة، حتّى تتوفّر له الأجواءُ النفسيّة لأن يتخلّص من هذه الأزمة، عمليّاً كثيرٌ من الدول الآن تعرض بشكلٍ واضح أنّ هناك أعداداً كبيرة جدّاً -بحمد الله تعالى- قد تجاوز المرض، فإذن الحصانة مطلوبة حتّى نتجاوز المرحلة بعيداً عن الهلع بعيداً عن الخوف، لكن في نفس الوقت بعيداً عن التهوّر، لا الهلع مطلوب ولا التهوّر وعدم المبالاة مطلوبة، وإنّما على الإنسان أن يمسك الجادّة الوسطى، عسى الله سبحانه وتعالى أن يدفع عنّا وعنكم كلّ سوء ونسأله تبارك وتعالى السلامة للجميع.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.