الى

كان نافذ البصيرة فرفَضَ الأمان

تبقى مواقفُ المولى أبي الفضل العبّاس(عليه السلام) في واقعة الطفّ الأليمة، من المواقف الخالدة في التاريخ الإسلاميّ والإنسانيّ، فما صدر منه من إيثارٍ لإمامه وأخيه سيّد الشهداء(صلوات الله عليه)، ابتداءً من رفضه للأمان الذي أعطاه له الشمرُ بن ذي الجوشن(عليه لعائن الله)، بحجّة الخؤولة التي تجمعه بقمر بني هاشم (سلام الله عليه)، تعجز عن وصفه الأقلام وتكلّ عن ذكره الألسن.

ويُروى أنّ الشمر(لعنه الله) جاء قائلاً: أين بنو أختنا؟ وهو يقصد العبّاس وإخوته، فسكت إخوةُ العبّاس احتراماً لأخيهم الأكبر، وسكت العبّاسُ احتراماً لإمامه وحجّة الله عليهم الحسين(عليه السلام)، وكرّر شمرٌ النداء وبقي أبو الفضل ساكتاً لا يجيبُه، فقال الحسين(عليه السلام) لهم: (أجيبوه ولو كان فاسقاً).

فقالوا (لشمر): ما شأنك؟ وما تريد؟

قال: يا بني أختي أنتم آمنون، لا تقتلوا أنفسكم مع الحسين، والزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد.

فقال له العبّاس: لعنك الله، ولعن أمانك!! أتؤمننا وابنُ رسول الله لا أمان له، وتأمرنا أن ندخل في طاعة اللّعناء وأولاد اللعناء؟!!

هنا تتجلّى شخصيّة العبّاس(عليه السلام) العظيمة، الذي فضّل الشهادة في سبيل الله تعالى ونصرة الإمام المعصوم على البقاء حيّاً ومبايعة أمراء الظُلم، فلم تفرق بينه وبين أخيه عروض السلطة الغاشمة، فبقي على موقفه الذي ما حاد عنه حتّى لقي مصرعه وأضحى شهيداً على ضفة الفرات، بعد أن قاتل قتال الفرسان العظماء، وكما يقول الشاعر في وصف ذلك المشهد الخالد:

وَلَهُ إلى الإِقدام سُرعةُ هاربٍ ** فَكأنَّما هوَ بِالتقدُّمِ يسلَمُ

وما تزال وستسمرّ مواقف أبي الفضل(عليه السلام) مدرسةً خالدة ومنهلاً لا ينضب، تنهل منه الأجيال وتستمدّ منه القوّة والشجاعة في الدفاع عن القيم والمبادئ والأرض والمقدّسات.
تعليقات القراء
لايوجد تعليقات لعرضها
إضافة تعليق
الإسم:
الدولة:
البريد الإلكتروني:
إضافة تعليق ..: