يذكرُ أصحابُ السير أنّه لمّا أُدخل موكبُ سبايا الإمام الحسين وأهل بيته(عليهم السلام) الى قصر يزيد -لعنه الله- الذي أمر بتزيين داره بأنواع الزينة ونصب له سريراً مرصّعاً ونصب أطراف سريره كراسي من الذهب والفضّة وجلس يزيد في سريره، وعلى رأسه تاجٌ مكلّل بالدرّ والياقوت، وحوله أربعمائة نفر من الأمراء والأعيان والسفراء وسفراء الملوك من النصارى وغيرهم، وحوله كثيرٌ من مشايخ قريش.
فدعا يزيدُ برأس الحسين(عليه السلام) ووضعه أمامه في طستٍ من ذهب، وكانت النّساء خلفه، فقامت سكينة وفاطمة يتطاولان للنّظر إليه، ويزيد يستره عنهما، فلمّا رأينه صرخن بالبكاء.
ثمّ أُذِن للنّاس أنْ يدخلوا وأخذ يزيد القضيب وجعل ينكت ثغر الحسين ويقول: يومٌ بيوم بدر. وأنشد قول الحصين بن الحمام:
أبى قومُنا أنْ يُنصفونا فأنصفت قـواضبُ في أيمانِنا تقطرُ الدما
نُـفلِّق هـاماً مـن رجالٍ أعزَّةٍ علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما
فقال يحيى بنُ الحكم بن أبي العاص أخو مروان، وكان جالساً عنده:
لَهامٍ بجنبِ الطفِّ أدنى قرابةً من ابن زيـاد الـعبدِ ذي الـحسب والوَغْلِ
سـميّةُ أمـسى نسلُها عدَدَ الحصى وليس لآل المصطفى اليومَ من نَسْلِ
فضربه يزيدُ على صدره وقال: اسكتْ لا أُمّ لك.
وقال أبو برزة الأسلميّ: أشهد لقد رأيتُ النّبي يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن(عليه السلام) ويقول: «أنتما سيّدا شباب أهل الجنّة، قَتل الله قاتلكما، ولعنه وأعدّ له جهنّم وساءت مصيراً»، فغضب يزيد منه وأمر به فأُخرج سحباً.
والتفت رسولُ قيصر إلى يزيد وقال: إنّ عندنا في بعض الجزائر حافرَ حمار عيسى، ونحن نحجّ إليه في كلّ عامٍ من الأقطار ونُهدي إليه النّذور ونعظّمه كما تعظّمون كتبكم، فأشهد أنّكم على باطل!! فأغضب يزيد هذا القولُ وأمرَ بقتله، فقام إلى الرأس وقبَّله، وتشهّد الشهادتين، وعند قتله سمع أهلُ المجلس من الرأس الشريف صوتاً عالياً فصيحاً يقول: «لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه»، ثمّ أُخرج الرأس من المجلس وصُلب على باب القصر ثلاثة أيّام..