استُهِلَّت فعّالياتُ المؤتمر الدوليّ الثالث للتخصّصات الطبّية والهندسيّة والعلوم الصرفة، التي انطلقت صباح هذا اليوم الاثنين (8 شعبان 1442هـ) الموافق لـ(22 آذار 2021م)، بكلمةٍ للمتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة، ألقاها نيابةً عنه عضو مجلس إدارتها الأستاذ الدكتور عباس رشيد الموسويّ، وهذا نصّها:
وبعد الحمد لله الذي رفع شأن العلم، فأقسَمَ بالقلم، وجعل من ألبابنا بصائر قادَتْنا إلى معرفته، ومعارف أرشدَتْنا إلى الإقرار بربوبيّته، فأخرَجَنا من الظلمات إلى النور برحمته، وصلّ اللهمّ وسلّم على نبيّ تلك الرحمة الذي خُصّ بقولك: (وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)، وعلى آله الشُّمُوس الطَّالِعَة، والأَقْمار المُنِيرَة، والأَنْجُم الزّاهِرَة، أَعْلام الدِّينِ وَقَواعِد العِلْمِ.
عندما تصرّمت (الفترةُ من الرسل)، كانت أوّل حروف السماء إلى الأرض (إقرأْ)، فكانت عنوان زمن البشارة التي ستُترجمها فصولُ الرسالة المحمّدية السمحاء، حين تجعل طلب العلم فريضة، والسعي إليه سعياً إلى الجنّة، وحين ترفع العلماء وتجعلهم ورثةً للأنبياء، وطوبى لهم منزلةً وحسنَ مآب.
من هنا -أيّها الإخوة- كانت هذه النظرة في صميم (رؤية) العتبة العبّاسية المقدّسة، و(رسالتها) و(أهدافها)، وقد أحسنت وفادتها، وترجمتها في مشاريعها تمثّلاً، وتجسيداً، وتطبيقاً.
وليس بمستغرَبٍ أن تولي العتبةُ اهتمامها بالعلم، وليس بمستغرَبٍ أن تهوي أفئدةُ العلماء إليها، وهي في أصل التكوين دارُ عبادة، وموئلُ خدمةٍ، ذلك أنّ الحثّ على العلم والتعلّم، بدأ في دور العبادة، حين اتّخذها المسلمون معاهدَ للتعليم، وأبعد من ذلك وأقصى، فإنّ أقدم حضارات الأرض كانت قد اتّخذَتْ من المعابد ذاتها، أو ممّا أُلحِق بها، دوراً علّمتْ فيها الإنسان كيف يخطّ الحرف الأوّل.
لقد أولت العتبةُ المقدّسة عنايتها بهذا المسلك، وراحت تعدّد المشاريع التربويّة والتعليميّة في المحافظات، وطرحت في المشهد المعاصر نماذج لمؤسّساتٍ شهدت لها الأوساط بالتفرّد والرصانة والتميّز، وما جامعةُ الكفيل إلّا أنموذجٌ لمشروعها هذا، وما سعيُ هذه الجامعة في إرساء دعائمها العلميّة إلّا ترجمانٌ لتلك الرؤية، وما تسجيلُها خطواتٍ مميّزة في التطوير والتنمية، إلّا إيمانٌ منها بأنّ المؤتمرات تعدّ واجهاتٍ للمؤسّسات العلميّة والتربويّة التي تقيمُها، تُنبئُ بمسارها العلميّ والأكاديميّ والمهنيّ.
وأنّ ما تبذره المؤتمراتُ من تعالقاتٍ علميّة، وتآصراتٍ فكريّة يُمكن أن يولّد مجاميع بحثيّة، ترفد المشهد بحركةٍ بحثيّة طيّبة، وأنّ صناعة تجمّعات بشريّة علميّة كهذه إنّما يدعم التعالقات العلميّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة وغيرها، ويعمل على إذكاء روح التنافس، وتأجيج روح المبادرة، ودفع الهمم، سواءً بين الأفراد أو بين المؤسّسات، مثلما يُعدّ بمثابة توثيقٍ رسميّ للملكيّات الفكريّة لا سيّما وهو يُلقى ويُنشر على رؤوس الأشهاد، فضلاً عمّا يهيّئُه من مجسّاتٍ وسبل رصينة ومرموقة في تقييم البحوث والنتائج، بلحاظ كون اللّجان في الغالب قُسِمت مع مؤسّساتٍ خارجيّة.