يحمل شهرُ رمضان المبارك بين طيّاته جملةً من الأحداث والذكريات التاريخيّة، منها مفرِحة وأخرى محزِنة ومؤلِمة، ومن تلك الذكريات المؤلِمة على قلب رسول الله وأهل بيته(صلوات الله عليهم أجمعين)، هي رحيل أمّ المؤمنين والزوجة الوفيّة للنبيّ الأكرم محمد(صلّى الله عليه وآله) السيّدة خديجة الكبرى(عليها السلام)، التي تُوافق ذكراها هذا اليوم العاشر من شهر رمضان.
وهي أوّل زوجات الرسول(صلّى الله عليه وآله)، ولم يتزوَّج غيرها في حياتها كرامةً واحتراماً لها، سبقت إلى الإسلام، وبذلت أموالها في سبيله، وحسبُها فخراً أنّها أُمّ الصدّيقة الزهراء(عليها السلام) التي جعل الله ذرّية النبيّ(صلّى الله عليه وآله) منها.
السيّدة خديجة(عليها السلام) هي أوّل امرأةٍ آمنت برسول الله(صلّى الله عليه وآله) وصدَّقته، وصلّت جماعةً مؤتمّةً به وأعلنت إسلامها، وأوَّل امرأةٍ دافعت عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله) وبذلت كلّ أموالها له، وأوَّل امرأةٍ بلغت في إيمانها الكمال بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (ما قام ولا استقام ديني إلّا بشيئين: مال خديجة وسيف عليّ بن أبي طالب «عليهما السلام»)، وقال: (ما نفَعَني مالٌ قطّ مثلما نفعني مالُ خديجة «عليها السلام»).
وإنّ مكانتها ومنزلتها العالية يغبطها عليها الملائكةُ المقرّبون، حتّى أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) قال فيها: (خيرُ نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسيا امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد).
فبعد عشرة أعوام من البعثة النبويّة المباركة وقبل الهجرة بثلاث سنوات، رحلت هذه السيّدة الطاهرة عن هذه الدنيا تاركةً خلفها جرحاً وحزناً كبيراً في قلب الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلم) والأمّة الإسلاميّة، فلقد كانت السند العاطفيّ والقلبيّ له؛ وممّا زاد من حزن النبيّ وآلَمَه أنّ وفاتها أتت في العام نفسه الذي توفّي فيه عمّه أبو طالب(رضوان الله عليه)، الذي كان السند السياسيّ والاجتماعيّ له؛ لهذا لم ينسَ النبيّ هذا العام طوال حياته وسُمّي بـ(عام الحزن).