أُزِيح الستارُ في مثل هذا اليوم الرابع من شعبان 1431هـ عن مآذن مرقد أبي الفضل العبّاس(عليه السلام)، وذلك بعد الانتهاء من أعمال تقويتها وصيانتها وتذهيبها التي جاءت بالتزامن مع الذكرى العطرة لولادة صاحب المرقد الشريف.
جاء المشروع الذي كان باكورة أحد أهمّ المشاريع العمرانيّة التي يشهدها مرقدُ أبي الفضل العبّاس(عليه السلام)، بأيادٍ وخبراتٍ عراقيّة خالصة وبسبب عوامل الزمن المتقادم عليها، وتعرّضها للعوامل الجوّية والمياه الجوفيّة والإهمال المؤدّي إِلى أَضرارٍ كبيرةٍ أَثَّرَتْ على القِرميدِ الـمُزَجَّجِ الذي يَكسُوها، فَضلاً عَنِ التصَدُّعات الكبيرة في بدن المئذنتَيْن الشريفتَيْن.
حيث شكّل كلّ ذلك خطراً عليهما ممّا استدعى إجراء حلٍّ فوريّ لذلك، فقد أُنجز مشروعُ تقويتهما وصيانتهما بالتزامن مع مشروع تذهيبهما خلال (22) شهراً، في عملٍ يُعدّ الأوّل من نوعه في العراق.
وقد حرصت الأمانةُ العامّة للعتبة المقدّسة على المحافظة على الكتابات الموجودة في الأَشكالِ المعينيِّة المُشَكِّلة للنقوش على واجهتي المئذنتَيْن سابقاً، وتمَّت إعادةُ رَسمِها كَما هي والمحافظةُ على أَبعادها وتوزيعها وقياساتها وهندستها، وبدلاً من أن تكونَ بالقرميد المُزَجَّج أَصبحت تلبسُ حُلَّةَ الذهبِ المطعَّمِ بالمِينا.
استغرق العملُ بالمشروع (22) شهراً فقط واستُخدِم فيه (13) طنّاً من النحاس، و (4130) طابوقةً مذهّبة قياس (18 × 18)سم، و(554) طابوقةً مطعّمةً بالمينا قياس (54 × 54)سم، و(6) مثلّثاتٍ في كلّ مئذنة تتكوّن من (31) طابوقة قياس (54 × 54)سم، والمثلّثات العلويّة كُتِب عليها (محمد رسول الله) والمثلّثات السفليّة كُتِب عليها (علي ولي الله)، واحتوت المآذن كذلك على (9) أشكالٍ معينيّة في كلّ مئذنة، يتكوّن كلٌّ منها من (16) طابوقةً محصورة بين المثلّثات العلويّة والسفليّة، خُطّ عليها (يا الله يا محمد يا علي).
التذهيب الجديد حافَظَ على تراثيّة المآذن وما عليها من كتاباتٍ ونقُوشٍ، بحيث تضمّن إبدال الطابوق العادي والملوّن والكاشي الكربلائي ببلاطات النحاس المغلّفة برقائق الذهب من عيار (24)، واستبدال الطابوقات الشذريّة المغلّفة بالمادة الزجاجيّة (الشبيهة بالكاشي الكربلائي) -التي تشكّل كتاباتٍ على شكل نقوشٍ إسلاميّة- ببلاطاتٍ نحاسيّة مغلّفة بالذهب المطعّم بالمينا.
لقد كان حفل إزاحة الستار عن هذا المشروع في تلك الحقبة، مدخلاً للبهجة والسرور على قلوب المؤمنين، مع ما لعظمة ذلك من شأنٍ عند الله، وحدثٍ لا نبالغ إنْ وصفناه بالعالميّ، أخبارٌ حملت إلى محبّي الخير في العالم كلّه، باختلاف مذاهبهم وأجناسهم وإلى المسلمين خاصّة، هذه الفرحة العظيمة، وأشخصت أبصارهم -وعلى الأخصّ منهم العراقيّون- إلى أملٍ مرتقب، وغدٍ يطمحون فيه، برجوع البسمة إلى شفاه الأغلب منهم، بعد أن سرقها الطغاةُ والعتاةُ على مرّ التأريخ.