الى

ذكرى شهادة أولاد مسلم بن عقيل (عليهم السلام)

تشيرُ الروايات إلى أنّ لسفير الإمام الحسين مسلم بن عقيل بن أبي طالب(عليهم السلام)، غلامَيْن اسمهما محمد وإبراهيم، كانت لهما مشاركةٌ في واقعة الطفّ، إلّا أنّها لم تكن لأيّامٍ أو ساعات بل استمرّت حتّى تجاوزت سنةً كاملةً في أحداثٍ شملت مضامين عظيمة.

واليوم الثالث والعشرون من شهر ذي الحجّة الحرام هو ذكرى شهادتهما المفجعة، التي تُعدّ إحدى الصفحات المؤلمة من حيث شدّة مظلوميّتها، بعد استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) وأبنائه وإخوته وصحبه في كربلاء.

ذكر الشيخ الصدوق (رضوان الله عليه) قصّة هذين الشهيدَيْن كلّاً من محمد وإبراهيم، حيث قال: أُسِر طفلان من عسكر الحسين(عليه السلام)، فجيء بهما إلى ابن زياد، فدفعهما إلى رجلٍ وأوصاه، فانكبّ الرجلُ عليهما يقبّلهما ويعتذر من التقصير معهما لما لهما من المنزلة من رسول الله، ثمّ قال لهما: إذا جنّ الليل أفتح لكما باب السجن، وخذا أيّ طريقٍ شئتما، ولمّا أن جاء الليل أخرجهما وقال: سيرا في الليل، واكمُنا في النهار حتّى يجعل الله لكما من أمره فرجاً.

فهرب الغلامان، ولمّا أن جنّ عليهما الليل انتهيا إلى عجوزٍ كانت واقفةً على باب دارها تنتظر ختناً لها -أي من أقاربها-، فوقفا عليها وعرفّاها بأنّهما غريبان من عترة رسول الله لا يهتديان إلى الطريق واستضافاها سواد هذه اللّيلة.

فأدخلتهما البيت وقدّمت لهما الطعام والشراب، فأكلا وشربا وباتا راجيَيْن السلامة، واعتنق أحدُهما الآخر وناما، وفي تلك الليلة أقبل ختنُ العجوز وقد أجهده الطلب للغلامَيْن وقصّ على العجوز هرب الغلامَيْن من سجن ابن زياد، وأنّه نادى عسكره من أتاه برأسيهما فله ألفا درهم.

فحذّرته العجوز من العذاب الأليم، ومخاصمة جدّهما محمد(صلّى الله عليه وآله)، وأنّه لا فائدة في دنيا ولا آخرة معها، فارتاب الرجل من هذا الوعظ، وظنّ أنّ الغلامَيْن عندها، ولمّا ألحّ على أن تخبره بما عندها وهي كاتمة عليه أمرهما أخذ يفحص البيت عنهما فوجدهما نائمَيْن، فقال لهما: مَنْ أنتما؟ قالا: إنْ صدقناك فلنا الأمان؟ قال: نعم. فأخذا عليه أمان الله وأمان رسوله ثمّ جعلا الله عليه شهيداً ووكيلاً فأوقفاه على حالهما.

وعند الصباح أمر غلاماً له أسود أن يأخذهما إلى شاطئ الفرات ويذبحهما ويأتيه برأسيهما، فلمّا أخذهما الغلام قالا له: يا أسود ما أشبه سوادك بسواد بلال مؤذّن رسول الله، أتقتلنا ونحن عترةُ نبيّك؟! وقصّا عليه قصّتهما في السجن وما لاقياه من النصب حتّى أضافتهما العجوز.

فرقّ الغلامُ لهما واعتذر منهما ورمى السيف وألقى نفسه في الفرات وعبر إلى الجانب الآخر، فصاح به مولاه: عصيتني؟ فأجابه: أنا في طاعتك ما دمت لا تعصي الله، فإذا عصيت الله فأنا بريءٌ منك.

فلم يتّعظ الرجل ولا رقّت نفسه لهما بل دعا ابنه وقال له: إنّما أجمع الدنيا حلالها وحرامها لك، والدنيا محروصٌ عليها فاضرب عنقي الغلامَيْن لأحظى برأسيهما عند ابن زياد، ولمّا وقف عليهما الولد قالا له: يا شابّ أما تخاف على شبابك من نار جهنّم ونحن عترة رسول الله محمد؟! فرقّ الولد لهما وفعل مثل العبد.

فقال الرجل: أنا أتولّى ذبحكما، فقال له الغلامان: إنْ كنت تريد المال فانطلق إلى السوق وبعنا ولا تكنْ ممّن يخاصمك محمد في عترته، فما ارعوى عن غيّة، فقالا له: انطلق بنا إلى ابن زياد ليرى فينا رأيه، فأبى. فقالا: ألم ترعَ حرمة رسول الله في آله، فأنكر قرابتهما من النبيّ(صلّى الله عليه وآله) فاستعطفاه لصغر سنّهما فلم يرقّ قلبه.

فطلبا منه أن يصلّيا لربّهما سبحانه فقال: صلّيا إنْ نفعتكما الصلاة، وبعد أن فرغا رفعا أيديهما إلى الله سبحانه وهما يقولان: يا حيّ يا حليم يا أحكم الحاكمين أُحكم بيننا وبينه بالحقّ.

فقدّم الأكبر وذبحه فتمرّغ الأصغرُ بدمه وقال: هكذا ألقى رسول الله وأنا مخضّبٌ بدم أخي، ثمّ ضرب عنقه ورمى ببدنهما في الفرات، وأقبل بالرأسين إلى ابن زياد وقصّ عليه ما شاهده منهما.

فاستجاب الله تعالى دعاءهما وحرمه الدنيا والآخرة، إذ قال ابن زياد له: إنّ أحكم الحاكمين حَكَمَ بقتلك، وأمَرَ به فأُخِذ إلى الموضع الذي قتل فيه الغلامَيْن فضُرِبت عنقه ونصب رأسُهُ على قناة والصبيان يرمونه بالحجارة ويقولون: هذا قاتلُ ذرّية رسول الله.

ويقع مرقدُهما الطاهر على بعد نحو ثلاثة كيلو متراتٍ شرقيّ قضاء المسيّب، الواقع على الضفة الشرقيّة من نهر الفرات، والتابع -اليوم- إداريّاً لمدينة الحلّة وسط العراق.
تعليقات القراء
لايوجد تعليقات لعرضها
إضافة تعليق
الإسم:
الدولة:
البريد الإلكتروني:
إضافة تعليق ..: