الى

السيّد الصافي: ما زال الحسينُ مُعلِّماً ومُرشِداً ومُلهِماً وقائداً

أكّد سماحةُ المتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه)، أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) ما زال مُعلِّماً ومُرشِداً ومُلهِماً وقائداً.

جاء ذلك خلال كلمته في مراسيم استبدال راية قبّة حرم أبي الفضل العبّاس(عليه السلام)، من لونها الأحمر إلى اللّون الأسود مساء اليوم الجمعة، وهذا نصّها:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أبي القاسم محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

السلام على الحسين وعلى عليّ بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين، السلام على أبي الفضل العبّاس، والسلام عليكم أيّها الإخوة في كلّ مكانٍ ورحمة الله وبركاته.

أيّها المؤمنون الأحرار في كلّ العالم، أيّها الحسينيّون، أيّها المسنّون الذين قضيتم عمركم في خدمة الإمام الحسين وإحياء أمره، أيّتها الشبيبةُ الواعية التي جعلت من أهدافها نصرة قضيّة الإمام الحسين من خلال المآتم والعزاء، أيّتها الأُسَر الكريمة التي ربّت أبناءها على الولاء للنبيّ الأكرم وآله الطاهرين، وعلى إحياء يوم عاشوراء وإظهار التوجّع والحزن على سيّد شباب أهل الجنّة.

اليوم أيّها الإخوة الأعزّاء نجدّد المأتمَ على سيّد الشهداء، وإن كنّا لا بُدّ أن نحيا طِوال السنة في ذكرِه، وقد ذكرنا سابقاً في خدمتكم أنّ الأمّة التي عندها الحسين هي أمّةٌ عزيزة، هي أمّةٌ لا تُذلّ هي أمّةٌ لا تَضعف، ما دام الإمام الحسين عندنا فلا خوف علينا ولا نحزن.

أيّها الأعزّة نحن في كلّ عامٍ نرى أنّ قراءتنا لحادثة الطفّ تتجدّد، ونستفيد منها بركاتٍ تلوَ البركات، وما زلنا في كلّ عامٍ تترقّبُ أعينُنا وتهفو قلوبُنا لذلك الشخص، الذي أعدّه الله وادّخره لطلب الثأر لجدِّه أبي عبد الله الحسين، نسأل الله تعالى أن يكحّل أبصارنا وأبصاركم بتلك الطلعة البهيّة، التي سيكون من أهدافها النصرة لجدّه الحسين.

أيّها الأعزّاء لعلّ من الأسرار التي أبقت هذا الوجود المبارك، هو هذا المنهج منهج الحقّ الذي سلكه أبو عبد الله، وقد بيّنّا في خدمتكم أنّ الصراع بين الحقّ والباطل يبقى مستمرّاً ويأبى المصالَحة، إنّ المنهج الذي اختطّه النبيُّ الأعظم وأميرُ المؤمنين والزهراء والحسن والحسين، يُباينُ المنهج الذي اختطّه أعداؤهم، هذا المنهج يأبى إلّا أن يكون دائماً في خانة الحقّ مفهوماً وأسلوباً ورجالاً، إذا أردنا أن تتوضّح لنا الأمور لابُدّ أن نرى قرب المنهج مع منهج سيّد الشهداء، أميرُ المؤمنين قدّم الماء لأعدائه وهو في معركة، وأعداؤه منعوا الماءَ عنه، الحسين سقى أعداءه الماءَ وهو يعلم أنّ هؤلاء سيكونون من المحارِبين له بعد أيّام، والأعداء منعوا الماء لا عن الحسين فقط وإنّما حتّى عن الرضيع، فباؤوا بغضبٍ من الله ورسولِه والملائكةِ والناس أجمعين، هذا المنهج يتكرّر في كلّ زمان ومكان.

سأعرض بخدمتكم روايةً حصلت بعد استشهاد الإمام الصادق، حتّى نعلم وأنتم بلا شكٍّ عالمون بذلك، ما هي المرتبة التي كرّم اللهُ تعالى الإمامَ الحسين بها.
الرواية تتحدّث عن شخصٍ اسمُهُ الحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي، وهو شخصٌ كما تعرفون مقرَّبٌ من الإمام السجّاد، لاحظ ماذا يقول؟ خرجتُ في آخر زمانِ بني مروان لزيارة قبر الحسين مستخفياً، حتّى انتهيتُ إلى كربلاء فاختفيتُ في ناحية القرية، حتّى إذا ذهبَ من الليلِ نصفُهُ أقبلتُ نحو القبر، فلمّا دنوتُ منه أقبَلَ نحوي رجلٌ فقالَ لي: انصرِفْ مأجوراً فإنّك لا تصل إلى القبر، يقول فرجعتُ فَزِعاً حتّى إذا كاد يطلع الفجر أقبلتُ نحوه، حتّى إذا دنوت منه خرَجَ إليّ الرجل فقال لي: يا هذا إنّك لا تصل إليه، فقلت له: عافاك الله ولمَ لا أصلُ إليه وقد أقبلتُ من الكوفة أريدُ زيارته، فلا تَحُلْ بيني وبينه وإني أخافُ أن أصبِحَ فيقتلوني إن أدركوني ها هنا، قال لي: اصبِرْ قليلاً فإنّ موسى بن عمران سألَ الله أن يأذنَ له بزيارة قبر الحسين بن علي، فأذِنَ له فهبط من السماء بـ(70) ألف ملك، فهم بحضرته من أوّل الليل ينتظرون طلوع الفجر ثمّ يعرجون إلى السماء، قال فقلت له: فمَنْ أنت عافاك الله؟ّ! فقال: أنا من الملائكة الذين أُمِروا بحَرس قبر الحسين والاستغفار لزوّاره، فانصرَفتُ وكاد أن يطيرَ عقلي لِما سمعتُ منه، فأقبلتُ لمّا طلع الفجرُ نحوه فلم يحُلْ بيني وبينه أحد، فدنوتُ من القبر وسلّمتُ عليه ودعوتُ على قتَلَتِه وصلّيتُ الصبح، وأقبلتُ مسرِعاً مخافةَ العدوّ، اللهمّ العَنْ قَتلَةَ سيّد الشهداء، اللهمّ العَنْ أوّل ظالمٍ ظَلَم وأسّس لذلك.

لعلّ بيننا وبين القصّة أكثر من (1300) سنة، وكان هناك مَنْ يترصّد زوّار قبر الحسين، يبقى هنا سؤالٌ لا بُدّ أن يجيبَ عنه الطواغيت، لماذا تخافون من الحسين؟! بعد 2003 رأينا وثيقةً كنّا سَمِعنا بها قبل 2003، بعد ذلك رأيناها بأمّ العين وقرأناها، أنا أخاطب الشباب الذين لم يمرّوا وإن شاء الله لن يمرّوا بعوائق لزيارة سيّد الشهداء، ماذا كان في هذه الوثيقة؟ كانت هناك مجموعةٌ من أعوان النظام جرحوا أياديهم، وأخذوا من دمائهم وكتبوا عهداً لرئيسهم، أتعلمون أيّها الشباب الأحبّة ماذا كان في هذا العهد؟ كان عهداً بالدمّ أنّنا سنمنع زوّار الحسين، هذا العهد قريب قبيل 2003، وبيننا وبين قصّة ابن بنت أبي حمزة أكثر من (1300) سنة، ما دام الحسين باقياً وما دمتم أنتم بولائكم لسيّد الشهداء، لا بُدّ أن يبقى في كلّ زمانٍ ومكانٍ يزيدُ وأتباع يزيد، ولكلّ موسى فرعون.

أختمُ بروايةٍ محبَّبةٍ إلى قلوبِنا وقلوبِكم، الإمام من جملة ما قال: (...فلا تدعْ زيارتَه يمدّ الله في أعمارِكم ويزيد في أرزاقكم، وإذا تركتم زيارته نقّص الله من أعماركم وأرزاقكم، فتنافسوا في زيارته ولا تدعوا ذلك، فإنّ الحسين شاهدٌ لكم في ذلك عند الله ورسوله وعند فاطمة وأمير المؤمنين)، لاحظوا أنّ الحسين يشهد والحسين لا تُردُّ شهادتُه، فهنيئاً لمحبّي سيّد الشهداء والذين يُحيون أمر سيّد الشهداء، هنيئاً لهم بالحسين.

أيّها الأحبّة ونحن نقف الآن أمام هذه الرياض الطاهرة النقيّة، التي يتنافس فيها الملائكةُ، قطعاً لو كُشف الغطاءُ عن أبصارنا، لرأينا أشياء عجباً في هذه البقعة الطاهرة، الحسين ما زال مُعلِّماً ومُرشِداً ومُلهِماً وقائداً.

أيّها الإخوة فلْتنتشر المجالسُ الحسينيّة بمقدار ما استطعتم، واحرصوا على أن يحضر الأطفال في هذه المجالس حتّى الرُضّع، بالأمس رأينا أبطالاً وقفوا أمام أعتى عصابةٍ مجرمة، لا ترقبُ فينا إلّاً ولا ذمّة، الذين ردّوها هم أبطالٌ تربّوا في مجالس سيّد الشهداء، أولئك لبِسوا القلوبَ على الدروع، وكانت جميع المعادلات تراهن على أنّ المسألة ستبقى إلى (30) سنة، ولكنّ شيبة النجف أبقاها الله قالت، وإذا قالت المرجعيّةُ كلمةً لبّى هؤلاء الفتية الأبطال، وأوقعوا في هؤلاء جريمةً نكراء لن ينسوها هم وأسيادهم.

أبقى الله تعالى هذه الحناجر صادحةً، وأبقى الله تلك الأيادي التي تقبض على سلاح الحقّ، حمايةً لهذا البلد العزيز ومقدّساته وأرضه وأعراضه، ومتّعنا الله تعالى ببلدٍ آمن ومتّعنا بهؤلاء الشباب.

أسأل العالَم، ما الذي جاء بهؤلاء الإخوة إلى هذا المكان؟ تعرفون مَنْ؟ هو الحسين، الحسين قويٌّ ويبقى قويّاً، اليوم هو أقوى شخصٍ في الدنيا لا في كربلاء فقط، تبدّلت الرايات، كلّ العالم الآن مشدودٌ إلى كربلاء، كربلاء ليست هذه البقعة الجغرافيّة وإنّما امتدّت قضيّةُ الحسين إلى العالم.

أبقاكم اللهُ إخوتي أعزّةً وحضّاراً لمجالس سيّد الشهداء، بل وصنّاعاً للمجالس لا حضّاراً فقط، لا توجد مدرسةٌ غير مدرسة سيّد الشهداء، والذي يتمسّك به هو الفائز، وأسوأ شيءٍ أن يبيع الإنسانُ آخرتَه بدنياه، وأسوأُ منه مَنْ يبيع آخرتَه بدنيا غيره، الحسين هو الدنيا والآخرة ولا يعوَّضُ بثمن، وشعارنا هو شعارُ الطفّ (ما دمنا على الحقّ لا نبالي وقعنا على الموت أو وقع الموتُ علينا).
تعليقات القراء
لايوجد تعليقات لعرضها
إضافة تعليق
الإسم:
الدولة:
البريد الإلكتروني:
إضافة تعليق ..: