بعد عقودٍ مظلمة وقاسية مرّت على عتباتنا المقدسة، لم تستطع خلالها أن تترجم منهاجها وتطلّعاتها إلى واقع ملموس على أرض الواقع، يستطيع القضاء على مظاهر الجهل والتشتّت والضياع التي خلّفتها الأنظمة الاستبدادية، حتى كانت على موعدٍ مع الانفتاح الفكري والثقافي الذي طال مؤسساتنا الدينية، والانطلاق نحو تحقيق كلّ ما كانت تصبو إليه مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) من إعداد المجتمع الإسلامي إعداداً عقائدياً ممنهجاً، وفق آليات ووسائل وضعها وخطّط لها مفكّرو الأمة ورجالُها الأفذاذ، فكانت جريدة (صدى الروضتين) أوّل الغيث المنهمر الذي منح الساحة الإعلامية خصوبتها، فهي أوّل إصدارٍ لعتباتنا المقدسة بعد سقوط النظام الدكتاتوري، واستلام المرجعية الدينية العُليا في النجف الأشرف إدارة العتبات المقدسة، تلبيةً لحاجة المجتمع إلى إصدارٍ يمثّل رؤى وأفكار مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)، وطرحها بأسلوب حداثيّ يتناسب وروح العصر، ويكون أقرب لفهم الشباب وتطلّعاتهم، ولكثير من شرائح المجتمع.
والمعروف من اسمها (صدى الروضتين) أنّها بدايةً كانت توثّق أنشطة وفعاليات العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية، لكنّها انطلقت في مسعاها المبارك لتغطية أنشطة وفعاليات ومشاريع كلّ العتبات المقدسة في العراق.
وقد تشرّفت الكثير من الأقلام الجادّة والواعدة بالكتابة في هذا الإصدار، سواءً من الذين انضووا تحت مسمّى الانتساب وخدمة المولى أبي الفضل العباس(عليه السلام)، أو من المشاركات التي تأتي من خارج الجريدة من الأدباء والمثقّفين الذين استهوتهم الجريدة بتنوّع صفحاتها، ولكونها تصدر من حياض الجود والبركات، من صحن أبي الفضل العباس(عليه السلام).
الجريدة عامة تشمل جميع أبواب الفكر الإنساني، من ثقافةٍ وعلومٍ ومسائلَ فكريةٍ وعقائديةٍ واجتماعية، فعمدت الوحدة إلى تشكيل لجان نقدية تقوم بالتأليف والاستقراء والإعداد لكثير من مواضيع الجريدة، وهي تأخذ بالحسبان ما يناسب المرحلة والذوق العام للمتلقي.
ويعمل تحت لواء هذه الوحدة مجموعةٌ من الشباب المتطلّع لخدمة دينه ومجتمعه وعتباته المقدسة، فعمدوا بإخلاصٍ وجهودٍ طيبة الى تغطيةٍ شاملةٍ لكافة المهرجانات والمؤتمرات والندوات والنشاطات والفعاليات التي تقيمها العتبةُ المقدسةُ داخل الصحن الشريف أو خارجه، سواءً في مدينة كربلاء المقدّسة أو سائر محافظات العراق، وحتى تلك التي تقام خارج العراق: كالهند وتركيا وغيرها من الدول التي تتطلّع العتبةُ إلى نشر ثقافتها الإنسانية الإسلامية فيها، وفق خطى منهجية ومدروسة.
وتعتبر الجريدة وثيقةً تاريخيةً لكثيرٍ من الأحداث التي مرّت بالعراق بعد (2003)، وكانت لها رؤية واضحة تتفاعل بها مع الشارع العراقي، وهي تحمل همومه، وتتطلع معه لمعالجة المشاكل العالقة، مثل: البطالة، والفقر، وشحة المياه، وانقطاع الكهرباء، واضطراب الملف الأمني، والهجمات الإرهابية المتكرّرة.
والجريدة مستقلّةٌ لا تخضع لأجندات طائفية وتحزّبية ضيّقة، وإنما تكتب بمنظورٍ عامٍ وشامل لكلّ البشرية، وهذا ما كانت عليه مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)، تلك المدرسة التي استنشقت عبيرَها كلُّ الأديان والطوائف، ونهل من روائها العلماءُ والمفكّرون على مرّ التاريخ، فصنعت مجداً فكرياً وحضارياً، سيبقى عالقاً في وجدان وفكر كلّ داخلٍ لمدينة علمهم، وكلّ مؤمنٍ بصدق إمامتهم، ونهجهم القويم، وعلومهم الخصبة.
وبنظرةٍ شمولية وتاريخية لمسارها عبر عشر سنوات من تألّقها البهيج، يمكن اعتبار (صدى الروضتين) صرخةً هادرة من عرين الإباء، تحمل الكلمةَ المجاهدةَ كلمةَ حقٍّ نقيةً نابعةً من معين الحياض المقدسة، لا تحدّها الأطر والعناوين، عامة مستقلة تفترش لمسعى الخير سطوراً وثيرة، وتبحر سفنها مشرعةً صوب بحار التقصي والبحث الدقيق، لتغوص في أمّهات الموسوعة الإنسانية بحثاً عن طريقٍ قويم يعبّد للأجيال درباً معمّراً بالبصيرة والنجاة.
والجريدة حربٌ لا هوادة فيها على كلّ منحرفٍ وضيعٍ يحاول زرع التيه والشبهات في طريق النماء والفضيلة ليُضلّ به عقول السائرين... وهي كذلك ليست منشوراً دينياً فحسب، فالمنشور الدينيّ بطبيعة أهدافه ومضامينه محدّدٌ بنشر الوعي العقائدي، وبثّ روح الالتزام بالثوابت الإسلامية، والتركيز على حالة الانتماء للمنابع الأصيلة التي تفجّرت منها كلُّ علومنا ومعارفنا، وهم الراسخون في العلم أئمة أهل البيت(عليهم السلام).
لذا انطلقت جريدة صدى الروضتين من كونها منشوراً دينياً ملتزماً بكلّ الأطر سالفة الذكر إلى أفقٍ ومديات أوسع، باعتبار الدين الإسلامي بمقدوره احتواء جميع الفلسفات والتيارات والأفكار... فلا ضبابية ولا مماطلة في أبجديات ديننا الحنيف، لذلك آلت (صدى الروضتين) ومنذ بواكير نهضتها على الاستقراء السليم لكافة الكتب المعتبرة، واستخراج اللآلئ الكامنة فيها، بأسلوب وطرح معاصر يستهوي الأدباء والشرائح الأكاديمية بمختلف توجّهاتها، مع الأخذ بعين الاعتبار التنوّع في الموضوعات لتصل إلى أذواق عامة القرّاء.
فنلخّص القول إلى أنّ جريدة صدى الروضتين قد وُفِّقَت إلى حدٍّ ما في الجمع، ومدّ الجسور، وفتح القلوب والأبواب أمام كلّ كلمةٍ صادقة تحاول خدمة بلدنا الحبيب عراق الأئمة الأطهار(عليهم السلام)، فكانت بحقٍّ منبراً حرّاً، وجدارية رائعة تشكّلت فيها كلّ أطياف الشعب العراقي