الى

السيد السيستانيّ موصياً المجاهدين:إنّ مَنْ درأ شبهة عن ذهن امرئ فكأنّه أحياه، ومن أوقع امرأً في شبهةٍ من غير عذرٍ فكأنّه قتله..

الوقوف على مضامين الوصايا المباركة للمرجعية الدينية للمجاهدين الرابضين في سوح الشرف والكرامة؛ دفاعاً عن الوطن ومقدّساته وتاريخه وثقافته وحضارته.. يُعطينا مؤشّراتٍ قيّمة ورصينة تُبعد عنّا الكثير من اللَّبْس الذي قد يحصل في خضمّ المهاترات والصراعات السياسية، وتُبصّر المجتمع بالدستور والمظلّة الإسلامية التي أنقذت الأمّة من التشرذم والضياع، من خلال ما حملته من سموٍّ ورفعةٍ وحفظٍ لكرامة الإنسان.

إذن.. لم تكن المرجعيةُ المباركة بعيدةً عن أولئك المغرَّر بهم، أو الذين تمّ تضليلُهم واستدراجُهم إلى أماكن ومدن وقرى آمنة بأهلها ودينها وعاداتها وتقاليدها، ثم يأمرونهم بتدمير كلّ ما يقع أمام أنظارهم من بشر وأماكن عبادة وتراث وآثار وتاريخ وحضارة... فدعت المرجعيةُ المباركة إلى درء تلك الشبهات والتضليل بحُسْنِ التصرّف والنصح، والأخذِ بالعدل، والصفحِ في موضعه، وتجنّبِ الظلم والإساءة والعدوان... فكلّ تلك الأمور من شأنها أن تعكس الصورةَ الحقيقيةَ لديننا الإسلاميّ الكريم الذي جاء رحمةً ونعمةً للعباد.

وهذه السلوكيات الحميدة التي يتحلّى بها المجاهد العقائديّ في التعامل والتصرّف مع الآخرين، بحاجةٍ إلى الصبر، والتغلّب على شهوات النفس الأمّارة بالسوء، وبحاجةٍ الى نبذ تسويلات الشيطان الذي يزرع العداوة والبغضاء، وبحاجةٍ إلى كلّ تلك الرياضات النفسية لتتسلَّحَ النفسُ بما يُعينُها على إنجاز الأمر والمهمة الجهادية المنوطة بها والعودة بالظفر الماديّ والمعنويّ، الماديّ في تحرير الأرض والمعنويّ في اكتساب الرفعة وعلوّ النفس وتعاليها عن الانغماس والوقوع في الشبهات، أعاذنا الله تعالى منها وجنّب جنودنا وقوّاتنا المسلّحة كلّ سوءٍ وبلاء، وأعادهم إلى مدنهم سالمين منتصرين.. إنّه نعم المولى ونعم النصير.

فالوصية الحادية عشرة نظرت إلى الشبهات التي يقع فيها الطرف الآخر وتضليل الجهات المنحرفة له، في سبيل دكّ الصفّ الإسلامي وتمزيقه.. فكان ممّا قاله سماحة المرجع الدينيّ الأعلى(دام ظلّه) في هذه الوصية التي جاءت ضمن الوصايا العشرين المباركة:(واعلموا أنّ أكثر من يقاتلكم إنّما وقع في الشبهة بتضليل آخرين، فلا تعينوا هؤلاء المُضلّين بما يوجب قوّة الشبهة في أذهان الناس حتّى ينقلبوا أنصاراً لهم، بل ادرؤوها بحسن تصرّفكم ونُصْحِكم وأخذكم بالعدل والصفح في موضعه، وتجنّب الظلم والإساءة والعدوان، فإنّ من درأ شبهة عن ذهن امرئ فكأنّه أحياه، ومن أوقع امرأً في شبهةٍ من غير عذرٍ فكأنّه قتله.

ولقد كان من سيرة أئمة أهل البيت(عليهم السلام) عنايتهم برفع الشبهة عمّن يقاتلهم، حتّى إذا لم تُرجَ الاستجابةُ منهم، معذرةً منهم إلى الله، وتربيةً للأمة ورعايةً لعواقب الأمور، ودفعاً للضغائن لاسيّما من الأجيال اللاحقة، وقد جاء في بعض الحديث عن الصادق(عليه السلام) أنّ الإمام عليّاً(عليه السلام) في يوم البصرة، لمّا صلا الخيول قال لأصحابه: (لا تعجّلوا على القوم حتّى أعذر فيما بيني وبين الله وبينهم، فقام اليهم، فقال: يا أهل البصرة هل تجدون عليّ جورةً في الحكم؟ قالوا: لا، قال: فحيفاً في قسم؟ قالوا: لا. قال: فرغبةً في دنيا أصبتها لي ولأهل بيتي دونكم فنقمتم عليّ فنكثتم بيعتي؟ قالوا: لا، قال: فأقمت فيكم الحدودَ وعطّلتها عن غيركم؟ قالوا: لا).

وعلى مثل ذلك جرى الإمام الحسين(عليه السلام) في وقعة كربلاء، فكان معنيّاً بتوضيح الأمور ورفع الشبهات حتّى يحيا من حيّ عن بينّة، ويهلك من هلك عن بيّنة، بل لا تجوز محاربة قومٍ في الإسلام أيّاً كانوا من دون إتمام الحجّة عليهم، ورفع شبهة التعسّف والحيف بما أمكن مِنْ أذهانهم، كما أكّدت على ذلك نصوص الكتاب والسنة.

هذه سيرة أهل البيت(عليهم السلام) في إقامة الحجة، وتوضيح الأمور، قبل وقوع السيف، وهذا التأنّي في رفع الرين عن قلوب الآخرين، ورفع الغشاوة التي ابتُلينا بها من قبل الطغاة الذين يشترون الذِّمَم، ويحرّفون الكَلِم والحقائق، هذا التأنّي ومحاولة رفع الشبهات لهو بطبيعة الحال الحافظُ لدماء المسلمين، وقد وقفت جموعٌ كثيرةٌ من الخطباء في واقعة الطف الخالدة تُناشد المضلّلين الذين أعماهم الخوفُ من السلطان، وأطمَعَهُم بريقُ الدنانير، في توخّي الحكمة ومراجعة العقل وعدم الانجرار وراء الضغائن والفتن، كما خطب الشهيد زهيرُ بن القين(رضوان الله تعالى عليه) في عرصات كربلاء قائلاً: (إنّ حقاً على المسلم نصيحةُ أخيه المسلم، ونحن حتّى الآن إخوةٌ على دينٍ واحدٍ وملّةٍ وحدة ما لمْ يَقَع بيننا وبينكم السّيف، وأنتم للنّصيحة منّا أهلٌ، فإذا وقع السّيفُ انقطعت العِصمة، وكنّا نحن أمّة وأنتم أُمّة).
تعليقات القراء
3 | علي الخفاجي | السبت 28/03/2015 | البحرين
نعم النصح والعدل والصفح والرحمه التي تسبق العدل هي اخلاق اهل بيت النبوه فلنتخلق بها لنسمو فوقهم ولنكسب مرضاة الله وهي اهم من الدنيا ومن فيها ولننتبه لتوجيهات المرجع العظيم السيد السيستاني اطال الله عمره
2 | السيدكميل الموالي | 28/03/2015 | العراق
الله يحفظ السيدويطيل بعمره
1 | وسام علي | 28/03/2015 | العراق
اللهم يحفظ السيد السيستاني
إضافة تعليق
الإسم:
الدولة:
البريد الإلكتروني:
إضافة تعليق ..: