وضعت السيدة اللبنانية آية عبدو صالح من "ضيوف العراق"، مولودها الجديد في أحد المستشفيات بمدينة كربلاء المقدسة.
عندما حملت مولودها الجديد بين ذراعيها للمرة الأولى، غمرت آية مشاعر لا توصف في تلك اللحظة، واختفت كل آلام الرحلة والخوف، تحول كل شيء إلى فرحة غامرة، وشعرت بأنّ العالم بأسره فتح ذراعيه مرة أخرى لها بعد أن أصبح كل شيء من حولها عتمة لا تسمح بمرور بصيص من النور.
نظرت إلى وجه طفلها الصغير بعينين ممتلئتين بالدموع، لكن هذه المرة كانت دموع السعادة، وبينما كانت تستمع إلى نبضات قلبه الهادئة وتنظر إلى أصابعه الصغيرة، شعرت بأنّ كل شيء أصبح له معنى، كل التعب والخوف تبدد أمام هذا الكائن الصغير الذي وضعته بين ذراعيها.
هذه مشاعر طبيعية عند أيّ أمّ في هذا العالم عندما تضع مولودها الجديد، لكنها تختلف بالنسبة لهذه السيدة التي أحاطت بها ظروف استثنائية ورافقها ألم الحمل وفقد الوطن، حتى استقرت بها رحلة البحث عن الملاذ الآمن في مدينة كربلاء المقدسة.
ولادة الحياة
هذه الولادة لم تكن حدثًا عاديًا، بل تحمل في ظل ما عانته الأم من تحديات وظروف خارج إرادتها رمزية خاصة، ورسالة أمل وتحدّ لكل الظروف، بالاستمرار في الحياة والعيش والسعي للسلام رغم أنف الحرب وتجارها.
كانت العتبة العباسية المقدسة حاضرة عبر قسم العلاقات العامة لتقديم كل أشكال الدعم، فقد تكفلت بتقديم الرعاية الصحية والمستلزمات كافة للأم ومولودها الجديد، مما يبرز الدور المهم والروابط الإنسانية العميقة بين الشعبين اللبناني والعراقي.
في خضم هذا الصراع المحتدم تولد الحياة، ويعلو صوت الإنسانية، والسيدة التي تركت أرض آبائها وأجدادها قسرًا، صارت لها مدينة كربلاء حاضنة وأمًّا حنونًا، وفاضت عليها بركات المولى أبي الفضل العباس (عليه السلام).
في قاموس الحروب ووحشيتها، تكون النهايات لانتصار السلام، فهو لغة الله التي لا يفهمها من تجذرت في نفوسهم إراقة الدماء وقتل الأبرياء، والرسالة واحدة على مرّ العصور والشواهد كثيرة، فالظلم لا يدوم ولا الحرب تستمر.
وضعت هذه السيدة التي أثقلتها الهموم والخوف، مولودها في أرض السلام وامتدت له يد الرحمة، فلا شيء يصف شعورها، وبعد اليأس برز الأمل وتبدد القلق لترتسم الفرحة على وجهها ووجه زوجها من جديد، وتعود النهايات إلى بدايتها، حيث السلام والمحبة والمودة، على أمل العودة.
السيد حسن محمد طالب، والد الطفل لا يخفي شعوره ولا يستطيع لملمة كلماته التي تتعثر بفرحته، قائلًا "لا أستطيع أن أعبر عن مدى امتناني للعتبة العباسية المقدسة، لقد قدّموا لنا كل ما نحتاجه، ولم يدخروا جهدًا في تأمين المستلزمات الضرورية كافة لطفلنا ولزوجتي بعد الولادة".
حمل الطفل الجديد اسم "حسين"، تيمنًا وحبًّا بالإمام الحسين (عليه السلام)، وولادته بالقرب من ضريحه الطاهر في كربلاء كما قرر والده.
رسالة الإنسانية.
رغم الظروف الصعبة التي يواجهها الشعب اللبناني، سواء في داخل البلاد أو خارجها، فإنّ قصة مثل هذه الولادة تبقى حكاية مليئة بالأمل والتفاؤل، فالطفل الذي وُلد في كربلاء رمز لاستمرار الحياة، رغم كل الصعاب.
هذا الحدث يذكرنا بأنّ الإنسانية هي القاسم المشترك الذي يجمعنا، وأنّه حتى في أحلك الأوقات، يمكن للبشر أن يظهروا أجمل ما فيهم من تعاطف وتكافل، وبفضل الجهود التي تبذلها المؤسسات الدينية والمدنية، يبقى الأمل حيًّا في قلوب أولئك الذين يعانون من ويلات الحرب والنزوح.
قصة المولود اللبناني في كربلاء تحمل في طياتها الكثير من المعاني والدروس، إنّها تذكرنا بأهمية التضامن في مواجهة الأزمات، وأهمية العمل الإنساني الذي يمكن أن يحفظ حياة الكثيرين.
جهود إغاثية مستمرة
ما قامت به العتبة العباسية المقدسة وكل الجهات التي لعبت دورًا في هذه الأزمة يؤصل للخير والرحمة الذين لا يعرفان حدودًا، واليد التي تمتد لمساعدة الآخرين تظل محفورة في الذاكرة والقلوب، في نهاية المطاف.
منذ الإعلان عن الحملات الإغاثية التي أطلقتها العتبة العباسية المقدسة تلبية لدعوة المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف، كانت الأولوية لتوفير أماكن سكن آمنة ورعاية شاملة للنازحين اللبنانيين، ولم تقتصر المساعدات فقط على توفير الغذاء والدواء، بل شملت أيضًا الدعم النفسي والاجتماعي.
relatedinner
كذلك جهزت مجمعاتها الخدمية في مدينة كربلاء لاستقبالهم، وتزويدها بالغذاء والدواء، في مشهد يعكس مدى التلاحم بين الشعوب العربية والإسلامية في مواجهة التحديات والأزمات.
جهود العتبة العباسية أثمرت بإرسال أربعة قوافل محملة بآلاف الأطنان من المساعدات ضمن حملتها الإغاثية للنازحين اللبنانيين في سوريا، إلى جانب تجهيز مستشفى ميداني وآخر متنقل، وفريق من الأطباء المتخصصين، وسيارات محملة بالأدوية والمواد الغذائية، ومطبخ مركزي متكامل لإعداد الطعام للعائلات النازحة في مراكز الإيواء.