الجلسات البحثية إحدى الفقرات التي تضمّنها مهرجان ربيع الشهادة الثقافيّ العالميّ الحادي عشر، وفي اختتامها كان للباحث والأديب المسيحي الدكتور فيكتور الكك من جمهورية لبنان كلمة بحقّ الإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته الخالدة، وهذا نصّها:
"في الإسلام شهادتان شهادةُ التصديق بالإمام وشهادةُ الدم، أمّا الإمام الحسين(عليه السلام) فقد كُتِبَ عليه منذ ولادته أن ينهض بالشهادتين معاً، إنّه الإرثُ العلويّ متحدّراً من ضياء الأبوّة ونور الإمامة، إنّها شمس الألوهة تجلّت ضياءً في النبيّ العربيّ ونوراً في الإمام العلويّ (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا)، أيّها الناس قُدّر للحسين(عليه السلام) مذ أبصر النور الحرمانُ والزهدُ في الدنيا والتضحية كالمسيح كان من قبل أن يولد وعند مولده نزل من السماء ليضحّي بنفسه مخلصاً للعالم، والحسين(عليه السلام) استُشهِدَ ليخلّص الإسلام من تحوّله مجداً دنيوياً ويعيده الى الصراط المستقيم، وإذا كانت الأطباع الدنيوية غلبت على الذين تولّوا أمر الإسلام فإنّ جميع ثورات الإصلاح منذ شهادة الحسين(عليه السلام) حتى اليوم تستلهم ثورته وتهتدي لتضحيته وتعرج بعروجه، فالحسين(عليه السلام) على رأس أولئك الشهداء الذين ذُكروا في الآية المبينة: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).
الشهادة خاتمة القول وبداية العمل، إنّها إبراز الحقّ من القوّة الى الفعل من المحو الى الصحو، ومقام الذكرى ليس مقام القول وإنّما مقام العمل في ذكرى البطولة القائمة على الموت في سبيل كلمة الله وكلمة رسوله، أيّها الناس لم يمت الحسين(عليه السلام) جَشَعاً الى مقام أو طامحاً الى مجد فعلى مفرقه استوى المجدُ تاجَ حقٍّ لا تاجاً من الذهب، وبيمناه فخر الصولجان إرثاً من الرسالة العلوية.
مجدُ سواك يا حسين شُيّد على جماجم المغدورين والمستضعفين في الأرض، أمّا مجدُك ففي حبّات القلوب التي لا تخفق إلّا للحق، فرايتك يا حسين خفّاقةٌ في كلّ زمانٍ وفوق كلّ مكان، ما رأيت الموت هيّناً كما رأيته فيكم يا آل بيت الرسول، ففي كلّ ناحية منكم شهيدٌ يُضرب وآخر يُطعن وآخر يُحتزّ رأسه، تخرجون الى الموت حين ترون الأرض طبّقت جوراً وأنتم أدرى الناس بتخاذل الناس، يا سيد الشهداء إنّ تخاذل الناس عن نصرة أمير المؤمنين ثمّ تخاذلهم عن نصرتك لدليلٌ على تهافت الإيمان في صدورهم.
لقد شَرَعْتَ سنّةً طرفها الأوّل في الدنيا وطرفها الآخر في الآخرة، نعم ففي الأوّل علّمت أنّ الحياةَ مع الظالمين نصرةٌ للظلم، وفي الثاني بيّنتَ أنّ الشهادة فرضٌ على كلّ مؤمنٍ ومؤمنة، ولا أهمّية لقلّة العدد وخذلان الناصر، فلم تكن شهادتك حرباً في سبيل نيل الخلافة والفوز بالسلطان.
يبقى أنّ ثورة الحسين(عليه السلام) كانت درساً للمؤمنين في الفداء وتكفيراً عن استسلامهم، أيّها الناس كان الحسين(عليه السلام) يعلم أنّه ميّت فلمّا عزم على الخروج من مكّة نَصَحَه أحبّاؤه فأبى وقال: (إنّ رسول الله أمرني بأمرٍ وأنا ماضٍ فيه، وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي)، ثورة الحسين(عليه السلام) كانت فلسفة للإيمان الحقّ.
أيّها الحسين(عليه السلام) العظيم، وُلِدْت عظيماً ومضيت الى الجنّة عظيماً بين عظماء الإسلام، وقضيت شهيدَ الرّفضِ للمساومات فعلّمْتَ الناس معنى الفداء".
والكك أستاذٌ جامعيّ ممتاز لديه ثلاث شهادات دكتوراه في آداب اللغة العربية وفي اللغة الفارسية وفي الفلسفة باللغة الفرنسية، ويتقن عدّة لغات (العربية، الإنكليزية، الفارسية، الفرنسية) ودرس في جامعات عدّة في أمريكا وفرنسا وكندا وإيران ولبنان، وله مئات المؤلّفات بلغاتٍ متعدّدة.