الى

السيّدُ السيستانيّ موصياً قوّاتنا الأمنية والحشد الشعبيّ المقدّس: على الجميع أن يدعوا العصبيّات الذميمة واتّقاء الفتنة وإطفائها وتجنّب إذكائها والتغلّب على الأفكار الضيّقة والأنانيّات الشخصيّة..

ذكر أحدُ أعلام المفسّرين عند تعرّضه لتفسير قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ).. بعد بيانه لسبب نزول الآية في مبيت الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) على فراش النبيّ(صلى الله عليه وآله) ليلة الهجرة، حيث قال في الربط بين صدر الآية وذيلها: "أنّ الله رؤوفٌ بالعباد، إذ جعل فيهم مثل عليٍّ(عليه السلام)"..
واليوم إذ يمرّ بلدُنا العراق العزيز بهذه الظروف العصيبة التي كشّرت فيها قوى الشرّ الشيطانية عن أنيابها وألقت رادع الدين وجلباب الحياء جانباً، وأفصحت عن خُبثها وقُبحها وتكالبت في خندق الإجرام وعاثت في الأرض فساداً وأهلكت الحرث والنسل وانتهكت العرض الحرام واستباحت المال الحرام وأراقت الدم الحرام، فضاقت أرضُ الله الواسعة أمام المؤمنين بما رحبت واظلمّ الأفقُ وتكدّرت النفوس..

أمام كلّ هذا فَتَحَت السماءُ بابَ رحمتها لعباد الله المخلصين بأنْ منّ عليهم بمرجعيةٍ قائدةٍ حكيمةٍ واعيةٍ مسدَّدةٍ من قِبَل الله تعالى في كلّ خطواتها ومواقفها التي أذهلت العقول وحيّرت الألباب بحنكتها، فكانت بذلك مصداقاً حيّاً لقوله تعالى: (وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)، فمثلما تجلّت رأفةُ الله بعباده متمثّلةً بعليٍّ(عليه السلام) يوم نزلت هذه الآية الكريمة نراها تتجلّى اليوم بحفيد عليٍّ(عليه السلام) المرجع العظيم وصدور فتوى الجهاد الكفائيّ لمقارعة ومحاربة قوى الشرّ الشيطانيّة والتكفيريّة.

فانبرى لتلبية هذا النداء والواجب المقدّس رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه لحماية الأرض والعرض والمقدّسات وتحرير ما اغتُصب من هذه الأرض الطاهرة من براثن المعتدين الغاصبين، وخاضوا معركةً مصيريةً فسالت أنهارٌ من الدم الطاهر لتروي تراب الوطن الغالي وسطّروا بدمائهم حفظ هذه الفتوى الخالدة، فالواقع العمليّ هو خيرُ دليلٍ على عظم هذا الموقف من قِبَل المرجعية العُليا التي لولاها لأُصيب البلدُ بداءٍ عضالٍ لا علاج له، ولانتُهِكَت الحرمات على جميع المستويات، وبهذه الفتوى تسابق الناس الى تلبية نداء المرجعية وهذا ليس بغريب على أتباع آل البيت(عليهم السلام).

ولم تكن المرجعيةُ القائدةُ لتُعطي فتوى الجهاد وتكتفي بل ألحقتها بجملةٍ من الوصايا والتوجيهات التي من شأنها أن تقوّم سلوك المُجاهد وتبيّن له الطريق الذي يسلكه من أجل نيل الكرامة وسعادة الدارين والفوز بالشهادة، ولو تتبّع الباحثُ المتفحّص في هذه الوصايا لوَجَدَ أنّها عينُ ما أرشَدَ به النبيُّ(صلى الله عليه وآله) والإمامُ عليّ(عليه السلام) أصحابَهم في حروبهم ضدّ المشركين والناكثين والقاسطين، إذن نستنتج من ذلك أنّ خطّ المرجعية الدينية هو نفسُ خطّ ومنهج النبيّ وأئمّتنا الأطهار(عليهم صلوات الله جميعاً)، فكان من جملة وصايا المرجع الأعلى الخالدة تلك الوصية العشرون التي جاء فيها:

(وعلى الجميع أن يدعوا العصبيّات الذميمة ويتمسّكوا بمكارم الأخلاق، فإنّ الله جعل الناس أقواماً وشعوباً ليتعارفوا ويتبادلوا المنافع ويكون بعضهم عوناً للبعض الآخر, فلا تغلبنّكم الأفكارُ الضيّقة والأنانيّات الشخصيّة، وقد علمتم ما حلّ بكم وبعامّة المسلمين في سائر بلادهم حتّى أصبحت طاقاتهم وقواهم وأموالهم وثرواتهم تُهدر في ضرب بعضهم لبعض، بدلاً من استثمارها في مجال تطوير العلوم واستنماء النعم وصلاح أحوال الناس. (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً) أمّا وقد وقعت الفتنةُ فحاولوا إطفاءها وتجنّبوا إذكاءها (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)، واعلموا أنّ الله إنْ يعلم في قلوبكم خيراً يؤتِكم خيراً ممّا أُخِذَ منكم، إنّ الله على كلّ شيءٍ قدير).
تعليقات القراء
لايوجد تعليقات لعرضها
إضافة تعليق
الإسم:
الدولة:
البريد الإلكتروني:
إضافة تعليق ..: