مِن أَلفِ هَمٍّ وَقلبُ الحُرِّ يُختَبَرُ | وَمِن جِراحاتِهِ يُستَخلَصُ الخَبَرُ |
فَكَم تَجاسَرَ ما يَسفي الظلامُ على | عشِّ البلابلِ... لا يُبقي وَلا يَذَرُ |
فَفَقَّسَتْ عن بَناتِ الآه جَمرَتُها | فَخَلَّفَتْ رِئَةَ الآمالِ تَستَعِرُ |
لَم نَندَمِلْ... وَجَمالُ الصبرِ يَنكَؤُنا | حِلماً... وَلا بِاشتِباهِ الرّيحِ نَنكَسِرُ |
إِذا تَعَملَقَ ضَبُّ الليلِ... يَرصدُهُ | غَيظُ الصُّقورِ... فَلا يُغنيهِ مُستَتَرُ |
أَو خَدَّشَ الصَّمتُ سَمعَ الأَرضِ... زَلزَلَهُم | هَمسُ الورودِ وَطِفلُ الفجرِ وَالنَّهَرُ |
فَأَنصَتوا للنَّدى... وَالأَرضُ تَعتَصِرُ | وَفي مُروجِ النِّدا تُستَنشَقُ الغِيَرُ |
أَفتى العراقُ الفَتى عَن شَيبَةٍ شَرِبَتْ | لاءَ الحُسينِ... فَلَبّى الماءُ والشَّجَرُ |
سَيلٌ أَبى... وَجِبالُ الرَّفضِ تَرفِدُهُ | قد أَتقَنوا سِرَّ عِطرِ الجُرحِ وَانتَشَروا |
هَمٌّ تَشَظّى لَظى في طَيِّها نُجُبٌ | شُهْبٌ لَهم في مَداراتِ الفِدا أَثَرُ |
العابِرونَ على أَمواجِ لَوعَتِهِم | كم حاوَلَت أَبحُرٌ... لكنَّهم عَبَروا |
هُمُ الْمُلَبّونَ... صوتُ الحقِّ كَرَّرَهُم | لِيَقطفوا ما رجالُ اللهِ قد بَذَروا |
لا يَعبَؤُونَ بِلَونِ الْمَوتِ... فِكرَتُهُم | طَفِّيَّةُ الطَّيفِ بِالأَحرارِ تُختَصَرُ |
وَلَّوا قلوبَهُمُ شَطرَ الإِباءِ، سَرَوا | يُكَبِّلونَ الأَنا... وَالذّاتُ تَنحَسِرُ |
تَرَشَّفوا الجُودَ مِن سَلسالِ ساقِيَةٍ | بِكَفِّ (عباس) عَذباً... طَعمُهُ قَمَرُ |
فَأَرَّخوا... أَمعَنوا بِالجرحِ... فَانبَعَثوا | صُبحاً على عَتمَةِ التاريخِ يَنهَمِرُ |
الحَقُّ وَالصدقُ وَالإِنسانُ يَعرِفُهُم | وَصَولَةُ الوَعدِ وَالبارودُ وَالخطرُ |
المؤمنونَ... إِذا ما عاهَدوا صَدَقوا | فَجَدَّدوا أَلَقَ الأَجدادِ، وَابتَكَروا |
قَد أَفزَعوا الليلَ لَمّا أَقلَقَتْ صُوَرٌ | قلباً على المهدِ يَشدو هَمَّهُ السَّهَرُ |
وَأَظمَأُوا الوَقتَ لَمّا شَهقَةٌ سَكَبَتْ | حَرَّ السِّنين وَما قد زَمَّهُ العُمُرُ |
هُم يرسمونَ صَباحاتٍ تُخَضِّبُها | آهاتُ روحٍ معَ الأَضواءِ تَنتَظِرُ |
الْمُفتَدونَ شَذا أَنسامِ أَنَّتِها | الْمُغتَدونَ بِما أَهدى لَها السَّحَرُ |
يُمارِسونَ جِراحاتٍ تَطيرُ بِهِم | وَسِندِبادُ الرَّدى في إِثْرِهِم حَذِرُ |
وَيَنثرون نَواياهُم مُعَمَّدَةً | بِالعشقِ... نَكهَتُها الإِيثارُ وَالظَّفَرُ |
لَبَّوا... تُراوِدُهُم دُنيا مُؤَجَّلَةٌ | لا (هَيتَ)... إِذْ غَلَّقوا الآفاقَ وَاعتَذَروا |
أَغرَتْ... وَكُلُّهُمُ (طالوتُ)... ما اغتَرَفوا | ما هَزَّهُم قَطُّ فيها رَيِّقٌ عَطِرُ |
سُمرُ الوُجوهِ... إِذا ما الشمسُ تَجلِدُها | تَبْيَضُّ عَن أَملٍ فيهِ الغَدُ النَّضِرُ |
هُمُ الفراتانِ... لَم يَجرِ الزلالُ سُدىً | حَشدُ الوَلاءِ... فَلا يَعصونَ ما أُمِروا |
هُمُ الحقيقةُ إِذْ لا لِلمَجازِ هُنا | فَلا استَبَدَّ بِهِم ظُلمٌ، وَما قُهِروا |
هُمُ ابتسامَةُ تَمرٍ واظَبَتْهُ مُنىً | يَسيلُ مِن ظَمَأِ الأَعذاقِ ما ادَّخَروا |
تَرافَةُ النَّحلِ... يُعطي مُغدِقاً، وَلَئِنْ | يَغضَبْ فَبِالْمَوتِ - حينَ الجِدِّ - يَأْتَزِرُ |
بَراءَةُ النَّملِ... يَبني، لا يَكلُّ وَإِنْ | تَزاحَمَ الأَملُ الْمَنشودُ وَالقَدَرُ |
فَسافرَ الضوءُ لا تُثنيهِ زَوبَعَةٌ | بَل مُبدِعٌ سَفَراً إِنْ لَم يَحِنْ سَفَرُ |
يُغازِلُ الليلُ في خُطواتِ رِحلَتِهِم | نَجماً يَطوفُ بِمَن بِالْمَوتِ مُعتَمِرُ |
الغائِظونَ العِدا، وَالْمُؤْنِسونَ الرَّدى | وَالهاطِلونَ الفِدا، عَينُ النَّدى، الصُّبُرُ |
هُنا يُترجَمُ نَذرُ الأَوفياءِ... وقد | أَمسى يُؤَبجِدُ بَوحُ الجرحِ ما نَذَروا |
أَوفى العَزيزُ لِمَن في رَحْلِ ثَورَتِهِم | بِضاعةُ الْحُرِّ وَالْهَمُّ الذي احتَكَروا |
باتوا على بُعدِ جرحٍ لُغزَ صاعِقَةٍ | فَأَرعَدَ الفَجرُ: أَنَّ النَّزفَ مُنتَصِرُ |