الى

محمد حمزة الكربلائي صوتٌ وقافية عاشورائية هادرة..

حين ينغرس الصوت عميقاً في الوجدان يتنامى حلمُ النصرة في كلّ (يا حسيناه)، يحملها الزهو أنفاساً من الشجى الحزين، ما أجمل الهوية وهي تحمل إمضاء سيدي أبي عبدالله الحسين(عليه السلام) وما أجمل العمر حين ينثر زهوه على عتبات منبرٍ من يقين، وهذا الكربلائيّ الملتحق بالركب الحسينيّ خادماً من خدّام هذا العبق المحمدي هو الحاج (محمد حمزه الرادود) من مواليد (1949 كربلاء)، ولد في محلّة باب الخان وكان فتىً يحمل طيبةَ المنبع أوسمة عزٍّ وفخر، ترعرع في كنف والده الذي كان يعمل في محلّ القصابة حتى أيّام صباه، وحمل حقيبة المدرسة عام (1958م)، ثم عمل في صناعة الأحذية التي كانت من الصناعات المشهورة آنذاك.

لازمت طفولته المجالس الحسينية يصوغ من إنصاته أوّل دروس حكمته شاعراً، تأقلمت موهبته على يد الشاعر الحسينيّ الكبير المرحوم الحاج كاظم المنظور الكربلائي، ورادوداً حسينيّاً تتلمذ على يد أساتذة عصره كأستاذه المرحوم الحاج حمزة الزغير الذي لازمه طوال تجربته، متأثّراً بعوالم الرادود المرحوم الحاج مهدي الأمويّ الكربلائي، هي رحلة العمر تطاوَلَ مداها ليصل شغاف القلوب، ففي ستينيّات القرن الماضي ارتقى الحاج أبو منتظر المنبر الحسينيّ كقارئ مقدّمة يُهيّئ المجلس لأستاذه المرحوم حمزة الزغير، ثمّ تنامت تجربته الشعرية ليقرأ له أستاذه مجموعةً من قصائده، وتلك منزلةٌ شعرية لا يظفر بها إلّا ذو شاعريّةٍ كبيرة وعند شهقة الرحيل سرى الخشوعُ في مدينة الحسين كصمت ملائكةٍ تتعالى لهيبة الوداع.

هو الذي تفنّن بإيجاد الأوزان والأطوار، تتلمذ على يد أستاذه الشاعر والأديب الحاج عزيز الكلكاوي، واشتهر في نظمه لقصائد الشعر الملمّع، إذ يكون صدرُ البيت عربيّاً فصيحاً وعجزُه شعراً عاميّاً باللهجة الشعبية الدارجة، وقد شهد الشعراء بتمكّن الفقيد الراحل من هذا اللون في النظم.

كربلاء تشهد له بألق الخطى وحسن السيرة مذ ترعرع الصوتُ نديّاً بـ(ها يحسين وامصابه)، ورجالُ السلطة الضالّة يُطاردون صداه أينما حلّ، وعلى كلّ منبرٍ من منابر المدينة وكلّ حيٍّ من أحيائها، يطاردون صدى صوته اليافع بمحبّة أهل البيت(عليهم السلام).

فقد تصدّى مع مجموعةٍ من خَدَمَة الإمام الحسين(عليه السلام) لإقامة المجالس الحسينية سرّاً بعد أن منعها اللانظام المقبور في ثمانينيّات القرن الماضي ولكن بصورةٍ مختصرةٍ جدّاً خوفاً من بطش اللانظام وجلاوزته، وبعد الانتفاضة الشعبانية المباركة في (5آذار 1991م) تصدّى مع الخيّرين من خَدَمَة المنبر الحسينيّين شعراء ورواديد من أبناء هذه المدينة المقدّسة الى إقامة المجالس الحسينيّة في العديد من بيوت المدينة وبساتينها، وتعرّض نتيجة هذا الى الاعتقال والتعذيب على يد جلاوزة اللانظام مرّاتٍ عديدة، وكان يقضي الشهور في سجن الجلّادين نتيجة وقوفه بوجه البعث وأزلامه إلّا إنّ هذا الأمر لم يُثنه عن مواصلة طريقه في خدمة الإمام الحسين(عليه السلام)، فأخرَسَ صوتهم أمام فصاحة صبره البهيّ وسكتوا، انطفأوا وهم على جادّة الحياة وتألّق هو رغم هذا الموت حضوراً يسخر من غيابهم، ما زال وسيبقى يصعد منابر الولاء الى مآقي اليقين، هي الدنيا آنست صوته فأوقدت قبس الزهو أطوار حنين تفيض بالشجى الكربلائي.

تتلمذ على يديه معظم الشعراء والرواديد في مدينة كربلاء المقدّسة وخارجها، وقرأ قصائده العديد من الرواديد الحسينيّين الأباة، وبعد سقوط الطغاة وعودة المواكب الحسينية الى العمل بالعلن توسّع وازداد عددُ المواكب في داخل مدينة كربلاء المقدّسة وفي المحافظات كافة بل شملت جميع أنحاء الكرة الأرضية، فكان لزاماً إنشاءُ مؤسّسةٍ ترعى وتُدير شؤون هذه المواكب، فأسّس (رحمه الله) مع مجموعةٍ من الحسينيّين لجنة تنظيم المواكب الحسينيّة، ومن ثم تمّ تحويل هذه اللجنة الى قسم الشعائر والهيئات والمواكب الحسينية وأتبع للعتبتين المقدستين الحسينية والعباسية ، نذر نفسه للعمل طوعيّاً رغم المرض الذي ألمّ به.

كان همّه الوحيد هو خدمة القضية الحسينيّة ونذر العمر خادماً وشاعراً وناعياً ومنشداً حسينيّاً فهنيئاً له هذه الخدمة وهذا الشرف وهذه العاقبة الحسنة وهذا الخلود، رحمك الله أيّها الفقيد الغالي وسورة الفاتحة ذاكرةٌ لا تموت.
تعليقات القراء
1 | حيدر | 20/10/2015 | العراق
الى رحمة الله الشهادة شيمة الاحرار
إضافة تعليق
الإسم:
الدولة:
البريد الإلكتروني:
إضافة تعليق ..: