الى

ماذا تعرف عن الثائر قتيل باخمرى أحمر العينين (رضي الله عنه)..؟

شرّف الله عزّوجلّ أرض العراق وميّزها بميزات عديدة، ومن ميزاتها أن جعل أرضها مثوىً للأئمّة الأطهار وذراريهم(عليهم السلام)، فلا تكاد بقعةٌ من هذه الأرض تخلو من شاهدٍ على سلالة النبوّة المحمدية، بين مرقدٍ أو مقامٍ، جعلها الله تعالى رحمةً للعالمين، وملاذاً آمناً يلوذون به، ومفرجاً لهموهم، وقضاء حوائجهم، وباباً من أبواب رحمة الله الواسعة.
كذلك كانت هذه الأرض منطلقاً لثورات الثائرين من أهل بيت النبوّة(عليهم السلام) الذين اقتدوا بثورة جدّهم الإمام الحسين(عليه السلام) واستنارو بها، إذ رفضوا الظلم واختاروا الموت تحت ظلال السيوف.
وقد روى لنا التأريخ ما شهده عصر المنصور الدوانيقي من حركات شيعيّة كُبرى كان لها دور بارز في محاولة إرجاع الحقّ المغتصب إلى أهله، منها ثورة شهيد باخمرى السيّد إبراهيم بن عبدالله بن الحسن المثنى، إذ استطاع السيطرة على كثير من الأمصار الإسلامية وقيادتها كالبصرة، والأهواز، وواسط، والمدائن وغيرها.. حتى أقضّ مضجع المنصور الدوانيقي، فتركه حائراً مفكّراً في الفرار، بعد اتّساع الخروق عليه من كلّ جانب، ممّا يوحي بقوّة الثورة وتأييدها من قبل عامّة الناس وخاصّتهم.
واليوم تمرّ علينا ذكرى شهادة هذا الثائر العلويّ أبي الحسن إبراهيم بن عبدالله المحض بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليهم السلام) الذي سُمّي أبوه بـ(المحض)؛ لأنّه كان شيخ الطالبيّين وكبيرهم، وكان يحمل الشرف الكبير؛ ولأنّ أمّه بنت الحسين(عليه السلام) وأباه ابن الحسن(عليه السلام)، فهو صاحب شرفٍ عالٍ ومنزلةٍ رفيعة تميّز بالهيبة والوقار، وأمّا السيد إبراهيم ابنه فقد سُمّي (إبراهيم أحمر العينيين)، وهو يُعرف بـ(أحمر العينين)؛ لأنّ حدقة عينيه كانت حمراء.
اشتهر بالشجاعة والإقدام وهو من أهل الدين والتقى والعلم، وعُرِف ببلاغته الخطابية ونظمه للشعر العربيّ.
وقد خرج على المنصور الدوانيقي وتغلّب على البصرة وفتحها، وقوي أمره فيها حيث تجمّع عنده أكثر من عشرة آلاف محارب من البصريّين، وأرسل ابراهيم جيشاً الى الأهواز وبلاد فارس ليفتحها، ولمّا وصل الخبر الى المنصور خشي على ملكه وسلطانه، فجهّز اليه الجيوش والتقى الفريقان في موضع (باخمرى)، فانهزم جيش المنصور بقيادة عيسى بن موسى وتقهقر حتى وصل الكوفة.
ثم إنّ المنصور أرسل جيوشاً أخرى للقاء البصريّين من وراء ظهورهم، فأحاطوهم وأُصيب ابراهيم بسهمٍ في قلبه أوصله لجنّة المأوى، فكان يُقاتل في المقدّمة أمام جيشه بكلّ شجاعة وبسالة كان قد ورثها من أبيه أمير المؤمنين(عليه السلام)، ذلك البكّاء في المحراب ليلاً، والضحّاك إذا اشتدّ الضراب، وكانت الواقعة سنة (145هـ)، وعندما استُشهِدَ السيد إبراهيم حُمِل رأسه إلى المنصور في الكوفة، ليُعيد إلى الذاكرة ما جرى في طفّ كربلاء، فهذا الأسلوب أمويّ النشأة عبّاسي الاستمرار.
ذكر عبد الحسين الشبستري في كتابه (أصحاب الإمام الصادق عليه السلام): رُوي عن الإمام الباقر(عليه السلام) أنّه ترحّم عليه كما نجد أنّ دعبل الخزاعي شاعر أهل البيت(عليهم السلام) نعاه ورثاه في قصيدته المعروفة بـ(تائية دعبل) التي ألقاها في مجلس الإمام الرضا(عليه السلام) والتي يقول في مطلعها:
مدارس آيات خلت من تلاوةٍ * ومنزل وحي مقفر العرصات
وقد ترحّم عليه الإمام(عليه السلام) وبكاه حينما قال دعبل:
وقبـرٌ بـأرض الـجـوزجـان محلّه * وقبـرٌ ببـا خمـرى عـدى العرمات
ومزاره في منطقة بني عارض على بعد عشرة كيلومترات من مدينة الرميثة في محافظة المثنى -السماوة-، وتُعرف المنطقة بـ(أبو جوارير – أبو قوارير) يتوافد على المرقد الشريف زائرون من مختلف مدن العراق؛ لغرض الزيارة والتبرّك خاصة، وهو يقع في منطقة زراعية جميلة وجذّابة بأشجارها وسواقيها المتفرّعة من نهر الفرات.
تعليقات القراء
لايوجد تعليقات لعرضها
إضافة تعليق
الإسم:
الدولة:
البريد الإلكتروني:
إضافة تعليق ..: