الى

مشاهد من ليلة الوحشة التي أحيتها الجموعُ المؤمنة من جوار حرم الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العبّاس(عليهما السلام)..

في ليلة الحادي عشر من المحرّم باتت العائلةُ المفجوعةُ من آل بيت النبوّة في حالةٍ لا يستطيع أيّ قلمٍ وصفها وبيانها، ولا يستطيع أيّ مصوّرٍ أن يصوّر جانباً واحداً من جوانبها، فالرجال صرعى مرمّلون بدمائهم، والأطفال مذبَّحون، والأموال قد نُهِبت، والأُزُر والمقانع سُلِبت، والظهور والمتون قد سوّدتها السياطُ وكعابُ الرماح، ليس لهم طعام حتى يقدّموه إلى من تبقّى من الأطفال، ولا تسأل عن المراضع اللّاتي جفّ اللّبن في صدورهنّ جوعاً وعطشاً.

في هذه اللّيلة الرهيبة كانت السيدة زينب(عليها السلام) هي الراعي وهي قائدة قافلة الأسرى وملجأ الأيتام رغم ثقل المصائب ومرارتها، كانت طوداً شامخاً واجهت المصائب ولم يرمش لها جفنٌ منفّذةً وصيّة أخيها الإمام الحسين الشهيد(عليه السلام)، فتولّت حراسة الأسرى وجمعت النساء والأطفال وكانت الروح للأجساد التي فقدت الروح والبهجة للقلوب والرمق للنفوس، وبعد أن أنجزت (عليها السلام) كلّ هذه المهامّ واطمأنّت على سلامة الجميع توجّهت إلى الله وانصرفت للعبادة، ولمّا وصلت لأداء صلاة الليل كانت متعبةً جدّاً بحيث أنّها لم تستطع أن تصلّيها وقوفاً فصلّت صلاة اللّيل من جلوس، وتضرّعت إلى الله تعالى وابتهلت، وفي هذا يقول الإمام زين العابدين(عليه السلام): (فتحتُ عيني ليلةَ الحادي عشر من المحرّم وإذا أنا أرى عمّتي زينب تصلّي نافلة اللّيل وهي جالسة).

فيا لها من ليلةٍ مرَّت على بنات رسول الله(صلّى الله عليه وآله) بعد ذلك العزّ الشامخ الذي لم يفارقهنّ منذ أن أوجد الله كيانهنّ، فلقد كنّ بالأمس في سرادق العظمة والهيبة وأخبية الجلالة والرفعة، يشعّ نهارها بشمس النبوّة ويضيء ليلُها بكواكب الخلافة ومصابيح أنوار القداسة، وبقين في هذه اللّيلة في ظلامٍ حالكٍ دامسٍ من فَقْد تلك الأنوار الساطعة بين رَحْلٍ منتَهَب وخباء محتَرِق وحُماةٍ صرعى، بلا محامٍ لهنّ ولا كفيل.

وإحياءً لتلك اللّيلة الحزينة (ليلة الوحشة) خرجتْ مساء أمس الأربعاء (10محرّم الحرام 1438هـ) الموافق لـ(13تشرين الأوّل 2016م) جموعُ الموالين بمراسيم عزائيّة جسّدت وبيّنت ما جرى على أهل البيت(عليهم السلام) من الأطفال والنساء وما وقع عليهم من ظلمٍ واضطهادٍ في مثل هذه اللّيلة، حيث ابتُدِئت هذه المراسيم في العتبة العبّاسية المقدّسة لتنطلق بعدها مروراً بمنطقة ما بين الحرمين الشريفين نحو المرقد الطاهر للإمام الحسين(عليه السلام) وسط تفاعلِ الجموع المعزّية للمؤمنين الذين دأبوا في كلّ عامٍ على إشعال الشموع تأسّياً لما حلّ بأهل البيت(عليهم السلام).
تعليقات القراء
لايوجد تعليقات لعرضها
إضافة تعليق
الإسم:
الدولة:
البريد الإلكتروني:
إضافة تعليق ..: