الى

الشيخ الكربلائيّ: نحتاج الى أن يؤخذ جانبٌ مهمّ وهو كشف التضليل الممنهج للفكر التكفيريّ..

الشيخ عبد المهدي الكربلائي
"إنّ المواجهة الثقافيّة التي تتزامن معها المواجهة القتاليّة الآن في الوقت الحاضر ضدّ عصابات التكفير، تحتاج الى أن يؤخذ جانبُ كشف التضليل الممنهج لهذا الفكر التكفيريّ الذي بذل جهوداً نوعيّة لتوظيف وسائل الإعلام الإلكترونيّة، التي أصبحت الأكثر قدرةً على التضليل والخداع لعقول الشباب وتحفيزهم للانخراط في سلك التكفير ثقافةً وسلوكاً وإجراماً". هذا ما أكّد عليه المتولّي الشرعيّ للعتبة الحسينيّة المقدّسة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائيّ(دام عزّه) خلال كلمته التي ألقاها في حفل ختام فعاليّات مهرجان ربيع الشهادة الثقافيّ العالميّ الثالث عشر، وهذا نصّها:

"الحمدُ لله على تتابع مننه علينا، حيث سدّدنا بإفاضاته وختم لنا مهرجاننا هذا عبر فعاليّاته وبحوثه ونشاطاته، التي أحياها رجالٌ لهجت ألسنتُهم ودوّنت أقلامهم ورسمت لوحاتهم الشعريّة سطور الولاء والمحبّة لدين الله القويم ونبيّه الكريم وآله الميامين المنتجبين، فنحن مودّعوه لا مفارقوه وداعَ موسمٍ تعبّدنا فيه لله تعالى، شاكرين لرجاله الأطايب وكرام نسائه ما جادت به أنفسهم وأرواحهم وأقلامهم وألسنتهم، شاكرين شكر دعاءٍ ومناجاةٍ لله تعالى أن يرفع قدرهم ويجزل أجرهم في دار قرارٍ ونعيم لا يزول، سائلين الله تعالى أن يجعل هذا المهرجان وما سبقه وما يليه موسماً عباديّاً نتقرّب به اليه، عسى أن ينفعنا يوم الفزع الأكبر.

أيّها الإخوة والأخوات سلامٌ عليكم جميعاً من ربٍّ رحيم غفور ورحمة منه وبركات.. لا يخفى عليكم أنّ الهدف والغاية الأساس من هذه النشاطات المهرجانيّة لما فيها من تنوّع الوسائل والآليّات، إنّما هو طرح منظومة القيم والمبادئ والمناهج التي تمثّل جوهر الإسلام وأصالته، وبيان منزلة ومرتبة أهل بيت النبوّة(عليهم السلام) في هذه المنظومة، متحرّين استخدام الآليّات المتعدّدة والمناسبة للتعريف بهذه المنظومة، خصوصاً الشخصيّات والمجتمعات الإقليميّة والعالميّة إسلاميّةً كانت أم غيرها، ولقد أجاد وأبدع الإخوة في اللّجنة التحضيريّة للمهرجان والباحثون والشعراء والضيوف والإعلاميّون في إبراز أسس ومعالم هذه المنظومة، وما نودّ التنويه عليه في كلمة الختام هو ما يلي:

إنّ من الأركان الأساسيّة في حركة أهل البيت(عليهم السلام) هي النهضة الحسينيّة إضافةً الى ما ذكرناه من الحفاظ على تعريف الأمّة وتوعيتها بالإسلام الأصيل، ولكن المتتبّع لحركتهم (عليهم السلام) يُلاحظ أنّ هناك ركناً أساسيّاً آخر لا يقلّ أهمّيةً عن الركن المذكور، ألا وهو مواجهتهم وتصدّيهم أي مواجهة أهل البيت(عليهم السلام) وتصدّيهم لمنظومة الفكر المنحرف والمتطرّف والمضادّ لتعاليم الإسلام في نقاوته وأصالته وجوهره، فلقد كانت المعركة الجهاديّة للإمام الحسين(عليه السلام) هي في المواجهة القتاليّة ضدّ أعداء الإسلام، ولكن كان هناك جهادٌ آخر عرض فيه المعصوم(عليه السلام) ومَنْ هو قريبٌ من المعصوم عرضوا فيه أنفسهم للقتل، وذلك بتصدّيهم لكشف زيف وانحراف الخطّ العقائديّ لمن يدّعي الإسلام زوراً وبهتاناً ويحاول تضليل الرأي العام بعقائده الفاسدة من الحكّام وأعوانهم، وقد استثمر أهل بيت النبوّة الفرص الزمانيّة والمكانيّة بعد استشهاد الحسين(عليه السلام) وتوظيف الإمكانات الإعلاميّة والنفسيّة، خصوصاً الخصبة منها في التأثير على العقول والنفوس والعواطف، وهو ما تَمَثَّل بتلك الخُطب العظيمة والخالدة في مجلس يزيد وعبيد الله بن زياد، أو في مواقف أخرى انتهجها الأئمّة(عليهم السلام) من بعده.

وما نودّ التنبيه عليه هو أنّ المواجهة الثقافيّة التي تتزامن معها المواجهة القتالية الآن في الوقت الحاضر ضدّ عصابات التكفير تحتاج الى ان يؤخذ جانبُ كشف التضليل الممنهج لهذا الفكر التكفيريّ الذي بذل جهوداً نوعيّة لتوظيف وسائل الإعلام الإلكترونيّة التي أصبحت الأكثر قدرةً على التضليل والخداع لعقول الشباب، وتحفيزهم للانخراط في سلك التكفير ثقافةً وسلوكاً وإجراماً، إضافةً الى تجييش العواطف لقطاعات أخرى من المجتمع لصالحهم، وذلك بأن يخصّص جزءٌ من النشاط البحثيّ ونوعيّة الضيوف ومجالات التحرّك لتفعيل وتركيز بعض البحوث والنشاطات، لكشف مرتكزات التضليل الفكريّ وكشف أصوله المزيّفة التي يرجع فيها أهل التكفير الى النصوص القرآنيّة والأحاديث الشريفة التي حرّفوها عن مواضعها الإلهيّة، ومحاولة التوظيف الأكبر للوسائل الإعلاميّة الإلكترونيّة وذلك بالانفتاح على المتخصّصين وتكليف أصحاب الأقلام الرصينة لمزيدٍ من البحث والكتابة في كشف أسس وملامح التزييف والتضليل التي ينتهجها الخطّ التكفيريّ، مع الاستعانة بأساتذة الإعلام والتواصل الإلكترونيّ، ليدخل ذلك ضمن نشاطات هذا المهرجان، وذلك لما لهذه الوسائل المعاصرة من قوّة التأثير في المتلقّي وسرعة الانتشار وسعة الاستيعاب للشرائح الاجتماعيّة المختلفة.

المهرجان لهذا العام وقبله وإن كان قد استوعب شيئاً من ذلك وكانت هناك بعض البحوث القيّمة لبعض الأساتذة الأعزّاء، ولكن لم يكن هذا التركيزُ على طبيعة هذه المواجهة للخطّ التكفيريّ بمستوى ما يوظّفه الأعداء من وسائل وثقافات وبحوث لصالح تضليلهم للرأي العامّ الإسلامي وغيره، وهذا ما نشاهده ونلمسه من خلال اللّقاء مع الضيوف الذين يصلون من دولٍ متعدّدة، وتتّضح لنا أهميّة وحساسيّة هذا النمط من حركة المواجهة هو فيما شكّلته حركةُ الإمام السجّاد(عليه السلام) والعقيلة زينب(عليها السلام) من دور أساسيّ ومهمّ في نجاح النهضة الحسينيّة، كما يلاحظه المتأمّل في حركة هذه الثورة.

وفي الختام نسأله تعالى أن يجعل وداعنا لهذا المهرجان لا وداع سَأَمٍ وملالة بل وداع مَنْ عزّ فراقُه علينا وأوحش انصرافه عنّا، ووداعَ ملهوفٍ للُقيا تتجدّد في كلّ عام إن شاء الله تعالى، مجدّدين شكرنا وتقديرنا العاليين لجهود جميع الإخوة في اللّجنة التحضيريّة والباحثين والشعراء وحملة القرآن وكلّ من ساهم في إحياء هذا المهرجان، والشكر الخاصّ للإعلاميّين جميعاً".
تعليقات القراء
لايوجد تعليقات لعرضها
إضافة تعليق
الإسم:
الدولة:
البريد الإلكتروني:
إضافة تعليق ..: