الى

دموعُ المؤمنين تنسج ثياب الحداد لذكرى استشهاد خامس الأئمّة باقر العلوم محمد بن علي(عليهما السلام)..

بسيلٍ من الدموع وتعبيراً عن بالغ الأسى وصدق الولاء والوفاء، وبعبرات تترجم حجم الفجيعة نرفع أحرّ العزاء إلى أصحاب الكساء والعترة الطاهرة(عليهم السلام)، لاسيّما حجّة الله في هذا الزمان الإمام المهدي المنتظر(عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، وإلى المراجع العظام والعلماء الأعلام، وإلى الأمّة الإسلامية جمعاء بهذه المناسبة الأليمة، ذكرى استشهاد إمامنا الخامس محمد بن علي الباقر (عليه السلام).

هو باقر علوم الأوّلين والآخرين، ومشيّد شريعة جدّه سيّد المرسلين، ومَنْ أوصى له بالخلافة والإمامة بعده أبوه زينُ العابدين(عليه السلام)، وخليفة الرسول الخامس. وهو الذي قيل بشأنه أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) قال لجابر بن عبدالله الأنصاري(رضوان الله عليه): (إنّك ستبقى حتى تلقى ولدي محمد بن علي(عليه السلام) اسمه اسمي وشمائله شمائلي، يبقر علم الدين بقراً -أي يشقّه شقّاً- فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام).

أمّا نسَبُه لأبيه فهو الإمام محمد بن الإمام عليّ بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب(عليهم السلام)، الملقّب بـ(الباقر). وأمّه فاطمة بنت الإمام الحسن بن علي(عليه السلام).

ولد في الأوّل من رجب الأصبّ سنة (57هـ) في المدينة المنوّرة، وعاش (عليه السلام) سبعاً وخمسين سنة، منها ثلاث سنوات مع جدّه الحسين(عليه السلام)، وبعدها مع أبيه الإمام السجّاد(عليه السلام) خمساً وثلاثين سنة إلّا شهرين، ثمّ كانت مدّة إمامته(عليه السلام) بعد وفاة أبيه تسع عشرة سنة وشهرين، وعمره (عليه السلام) بمقدار سنوات عمر جدّه الحسين(عليه السلام) وأبيه السجّاد(عليه السلام).

فقد شهد(عليه السلام) في بداية حياته الشريفة واقعة الطفّ، ومجزرتها علي أيدي الأمويّين وأنصارهم، وعاش المحنة التي مرّت على أهل البيت في طفولته ورأى الرزايا ورافق السبايا، وتلقّى المصائب التي توالت على أبيه زين العابدين(عليه السلام) وبعد أبيه ما يقرب من العشرين سنة من حكّام الجور في ذلك العصر.

كان من أبرز صفاته العلمُ الواسع، وقد برز علمُهُ هذا في فترة انتشار الفلسفة اليونانيّة وتوسّع الناس في المناظرات الكلاميّة وتعدّد المذاهب الفقهية والمدارس العقائديّة، ما استدعى بروز شخصيات علميّة هامّة تحمل على عاتقها مهمّة ترسيخ دعائم الفكر الإسلامي الأصيل وتقوية دعائم الفقه الشيعيّ في مقابل المذاهب المختلفة، فكان منها تأسيس جامعة أهل البيت التي حوت عدداً كبيراً من العلماء، حيث كانوا يأتون الى المدينة المنوّرة من مختلف الأقطار الإسلامية لينهلوا من الإمام الباقر علومهم ومعارفهم.

استُشْهِد الإمام الباقر(عليه السلام) بسمٍّ دسّه له الخليفة الأمويّ في سرجِ فرسٍ أُركِبَ عليه الإمام(عليه السلام) -وقيل أسقاه إيّاه-، وكان ذلك عندما أرجعه من دمشق الى المدينة بعدما أشخصه منها إلى الشام، وكان ذلك السلطان هشام بن عبدالملك(عليه اللعنة)، وقد كان الإمام(عليه السلام) سميناً فسرى السمُّ من السرج إلى لحمه، فأثّر في رجله ثمّ أمرضه ثلاثة أيّام، وقُبِضَ(عليه السلام) يومَ الاثنين السابع من شهر ذي الحجّة الحرام من سنة (114هـ) أربع عشرة ومئة من الهجرة النبويّة المباركة في المدينة المنوّرة، فقضى نحبه(عليه السلام) مظلوماً شهيداً مسموماً، ودفن في البقيع في المدينة المنوّرة، في البقعة التي فيها العبّاس بن عبد المطلب، أي حيث دُفِن أبوه السجّاد وعمُّ أبيه الحسن المجتبى(عليه السلام)، بالقرب من جدّته فاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وفي ليلة وفاته قال لولده الإمام الصادق(عليه السلام): (هذه الليلة سوف أرحل من هذه الدنيا، فقد رأيت والدي وهو يحمل إليّ شراباً عذباً فتناولته، فبشّرني بدار الخلود ولقاء الحقّ).
تعليقات القراء
لايوجد تعليقات لعرضها
إضافة تعليق
الإسم:
الدولة:
البريد الإلكتروني:
إضافة تعليق ..: