خلال افتتاح مؤتمر جريمة سبايكر الذي انعقد عصر اليوم الجمعة (14 شوال 1439هـ) الموافق لـ(29 حزيران 2018م) المنضوي ضمن فعاليات مهرجان فتوى الدّفاع المقدّسة المنعقد حاليّاً تحت شعار: (النصرُ منكم ولكم وإليكم وأنتم أهلُه) كانت هناك كلمةٌ لرئيس طائفة الأرمن الأرثوذكس في العراق المطران الدكتور آفاك أسادوريان الذي اعتذر عن الحضور وألقاها نيابةً عنه الأب كاربيل، والتي ممّا جاء فيها: "مجزرة سبايكر جريمةٌ يندى لها جبينُ الإنسانيّة وأصبحت إحدى السمات المرافقة للحقبة المظلمة من سيطرة داعش الإرهابيّة على حوالي ثلث أراضي وطننا الحبيب، أقول: علينا الغوص في أسباب هذه الجريمة، وفي الحالة الذهنيّة التي دفعت الجناة لقتل آلاف الشباب بدمٍ بارد، شبابٌ لا يعرفونهم وطلّابٌ لم يؤذوهم، يا ترى ما الحالة الذهنيّة والدوافع العقليّة المريضة التي دفعت الجناة لاقتراف هذه الجريمة؟، هل هي حالة شاذّة لفئة ضالّة؟ لفئةٍ باغية؟ لمجموعة مجرمين؟ هل تنتهي هذه الجرائم بالقضاء على عصابة مغرقة بالإجرام مثل داعش؟ أم أنّ داعش هو نتاجٌ لفكرٍ وثقافة وإجرامُها يسبق وجودها ويبقى بعد زوالها؟".
وأضاف: "هل يوجد بيننا في العراق من أبناء شعبنا من يعتنق ويتعاطف ويفكّر بنفس طريقة المجرمين الذين اقترفوا جريمة سبايكر أم لا؟ هل سيبقى هذا الخطر كنارٍ تحت الرماد؟ أم يزول مع تنظيم داعش؟".
مبيّناً: "يجب أن تتطرّق المؤتمرات التي تناقش هذه الجريمة النكراء الى هذه الأمور، ويجب معالجة الخلل الفكريّ والثقافيّ والبحث في أسباب هذا العنف المجنون ضدّ شبابٍ لم يكونوا يعرفونهم أصلاً، جريمةُ سبايكر هي جريمةٌ ضدّ الإنسانيّة بالمعنى القانونيّ للمصطلح، وهي جريمة قتلٍ جماعيّ، في بلادنا وفي المنطقة تتكرّر هذه المآسي وإن اختلفت في التفاصيل فالأسباب هي نفسها، التعصّب والاعتقاد بأنّ كلّ جهة تمتلك الحقيقة المطلقة والآخرون مخطئون، واعتبار الآخر ووجوده واختلاف في الفهم أو المنهج أو المعتقد بأنّه فتنة وضلالة يجب استئصالها، والخوف الآخر مأساة تتكرّر باستمرار".
وأوضح كابيريل: "الأيزيديّون مثالٌ آخر حيث هوجموا بهدف إبادتهم بسبب معتقداتهم الدينيّة، وقبل هذه الحملة التي تعرّضوا لها مؤخّراً كانت هناك ممارسات منهجيّة للتمييز ضدّهم حتّى من قبل المجتمع الذي يعيشون فيه، وكانت هناك وما تزال صورة نمطيّة ضدّهم توّجت بمحاولة الإبادة، فدوافع التمييز ضدّهم جاءت بناءً على نفس الذرائع التي أدّت لاحقاً الى محاولة إبادتهم، والأسوأ من ذلك بأنّ ما مرّ به الأيزيديّون مرّ من دون ردٍّ يرتقي الى مستوى الكارثة".
وتابع: "إنّنا كأرمن ضحيّة أوّل إبادة في القرن العشرين، إذن كانت إبادة متكاملة الأركان اقتلعتنا من جذورنا ومن أرضنا وبيوتنا لمطامع وتعصّب هويّاتي إن كان عرقيّاً أو دينيّاً، وما يقوم به داعش اليوم عيّنات لما عشنا سابقاً، لذلك فإنّنا نعي خطورة هذه الجرائم وخطورة السكوت عنها، نحن على يقين بأنّ الإدانة لا تكفي، علينا أن ندرس مصدر هذا الفكرة، ومصدر القدرة على اقتراف هذا الكمّ من الجرائم المقرفة، حتى أكثر الحيوانات وحشيّة تقتل لسبب إمّا لكونها جائعة أو مستشعرة لخطرٍ ما يهدّدها، ولكن هؤلاء يقتلون دون أيّ تهديد أو أذى لهم، في كلّ أرجاء المعمورة يقومون بقتل أناسٍ دون تمييز بين طفلٍ وشيخ أو رجل أو امرأة، يقتلون أناساً لا يعرفونهم كأنّهم يقتلون لأجل القتل ليس إلّا".
وأكّد: "علينا الوقوف على هذه المسألة بطريقةٍ علميّة وإيجاد حلٍّ حقيقيّ لهذه الكارثة التي تهدّد وجود أوطاننا وسلامة أبنائنا وتهدّد استقرار المنطقة برمّتها، اقترحنا ونقترح كحلٍّ عمليّ إيجاد كرسيّ أو عدّة كراسي لدراسة الجرائم ضدّ الإنسانيّة من قتلٍ جماعيّ وتطهيرٍ عرقيّ أو دينيّ الى الإبادة الجماعيّة، ونحن كأرمن مستعدّون للمساهمة في تحقيق هذا الأمر لكوننا ضحيّة أوّل إبادة، نعم.. نعي بأنّ فهم ودراسة أسباب ودوافع اقتراف هذه الجرائم هي الخطوة الأولى لمعالجةٍ علميّة وذلك لمنع تكرارها".
وأشار: "ربّما تقوم ملاكات العتبة العبّاسية المقدّسة بأخذ زمام المبادرة وتحقيق هذا الأمر، وتتكفّل مطرانيّتنا بربط هذا الكرسي بمعهد دراسات الإبادة في بريفان عاصمة أرمينيا كمؤسّسة علميّة مرموقة لتطوير هذه الدراسات في العراق، وليكون العراق رائداً في هذا المجال على مستوى المنطقة، نحن بأمسّ الحاجة في العراق والشرق الأوسط لدراسة هذه الجرائم دراسة علميّة، بينما تفتقر بلداننا الى المؤسّسات التي تعنى بهذه الدراسات".
واختتم: "رحم الله شهداء جريمة سبايكر وكلّ شهداء وطننا، نتمنّى لأهلهم الصبر والسلوان، ونصلّي من أجل أمن واستقرار وازدهار العراق الأصيل بأبنائه عندما كانت البراءة من سماته، أين ذهبت هذه البراءة؟ لنبحث عنها سويّةً عسى أن تطرق باب بلدنا من جديد".