الى

السيّد الصافي: الإنسانُ عندما يستذكرُ تاريخَه سيندمُ على لحظاتٍ من الوقت قُضيت بلا فائدةٍ، ويتمنّى أن يعودَ به الزمنُ وأنّى له ذلك

خلال حفل اختتام فعّاليات المشروع القرآنيّ في الجامعات والمعاهد الذي أقيم عصر اليوم الجمعة (28رجب 1440هـ) الموافق لـ(5نيسان 2019م) في جامعة العميد، كانت هناك كلمةٌ للمتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه)، بيّن من خلالها: "أنّ هناك مجموعةً من الطاقات المبثوثة هنا وهناك، وعلى اصطلاح بعض العلوم التطبيقيّة للطاقات الكامنة سأستعين بمثلٍ واقعيّ قد شاهدناه وأنتم أيضاً قد شاهدتموه، هذه الأرض نحن نراها أرضاً جرداء وأرضاً صحراء، لكن في داخلها مجموعةٌ من البذور المتنوّعة التي تحمل في مكنونها مجموعةً من الأزاهير الملوّنة وفيها من العطور المتنوّعة ونحن لا نراها، لكن بمجرّد أن تُمطر السماء وتُنزل الغيث تراها تزرع وتنبت ".
وأضاف: "الشبابُ بحمد الله تعالى هم البذور المبثوثة هنا وهناك، يحتاجون الى رعايةٍ ويحتاجون الى طيبة ويحتاجون الى مدّ يد، حتّى تهتزّ في داخلهم هذه الينابيعُ الخيّرة وتُنبت هذا النبت الصالح، اليوم ونحن نعيش ذكرى المبعث النبويّ الشريف ترى هذا الحضور الكريم وهم يستريحون استراحةَ مقاتل، بعد أن قضوا شطراً عزيزاً من أعمارهم، والعمر دائماً نفيس، واللّحظات والدقائق والأيّام والشهور والسنين هذه أمورٌ نفيسة، على الإنسان أن يبخل بها ولا يضيّعها إلّا في موضعٍ ينتفع منه".
مضيفاً: "هنيئاً لمن يقضي عمره في طاعة الله تعالى بعيداً عن الأدناس وبعيداً عن الموبقات، وإنّما يحتضن الآيات الشريفة ودائماً تصكّ أسماعه تلك النغمات الإلهيّة القرآنيّة، وكأنّه يستذكر الماضي ويعود الى عصر النزول، حقيقةً الذي يعيش مع القرآن يعيش مع الحياة ويعيش مع الآخرة ويعيش مع مجموعةٍ هائلة من الأنبياء".
وبيّن السيّد الصافي: "أنتم تعلمون أنّ جميع الأنبياء كانوا يتشوّقون لرؤية النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، حتّى أنّه في بعض تفاسيرنا أنّ الله تعالى عندما أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم، قالوا: لخصوصيّةٍ في آدم أنّه يكون في صلبه النبيّ المصطفى(صلّى الله عليه وآله)، فجميعُ الأنبياء كانوا يشتاقون لرؤيته، ولعلّ في بعض رواياتنا أنّهم في بعض المحن كانوا يتوسّلون بالنبيّ وآله في أن يكشف الله عنهم الغمّ، وقد فعل، ثمّ يأتي هؤلاء الفتية الأعزّة وهم يعيشون مع القرآن الكريم، يحقّقون أوّلاً دعوة الأنبياء ويُحيون القرآن الذي قال فيه أميرُ المؤمنين: (الله الله في القرآن، لا يسبقنّكم للعمل فيه غيرُكم)".
وتابع بالقول: "الجامعاتُ اليوم والحمد لله لما نرى من خلال هذا الوجود الكريم من أبنائنا والأساتذة الأفاضل أنّهم يحملون هذا الهمّ، وهو همّ الحفاظ على كتاب الله الكريم العزيز، وأودّ أن أُشير إشارةً، طبعاً القرآن الكريم هو معجزةُ النبيّ(صلّى الله عليه وآله) فينا، والتحدّيات التي تواجه القرآن الكريم تحدّيات كبيرة، والقرآن الكريم هو منيعٌ بمقتضى كونه معجزاً ومنيعٌ عن أن يُستهدف وينجح المستهدف فيه، يبقى القرآن مهما حاول المحاولون وتبقى له العلويّة، لكن قد يتعرّض بين فترةٍ وأخرى لاستهداف، وأحبّ أن أُشير الى نكتة، لعلّ الدارس في اللّغة العربيّة يطّلع ويستبين أحسن قواعد اللّغة العربيّة كقواعد نُظمت وكُتبت بعد القرآن".
وبيّن السيّد الصافي: "العرب عندما كانوا يتكلّمون كانوا يتكلّمون على سجيّتهم، هذه اللّغة العربية كانوا يستنشقونها، وكانوا عندما يتعاونون يتعاونون مع القرآن الكريم واللّغة العربيّة، فكلّ قواعد اللّغة جاءت بعد القرآن الكريم، وإنّ من أكبر الأخطاء التي يقع فيها المتصيّدون في الماء العكر أن يقولوا إنّ القرآن خالف القواعد العربيّة، وإنّما الصحيح أن نقول إنّ القواعد العربيّة خالفت القرآن الكريم، لأنّ القرآن قبل القواعد العربيّة، ولذلك في الأدب العربيّ يقولون هذه العلّة -علّة النحو- يقولون عنها تعليل بعد (توريد)، بمعنى أنّ العرب تكلّموا ثمّ أردنا أن نعلّل كلامهم وفق أيّ ضابطة، وهذا علمٌ على العكس من العلوم الأخرى، العلوم عادةً تعلّل الأشياء وتكون العلّة قبل المعلول، عندما نرى الجاهليّة مثلاً نراها تُسقط قطعة النقد -مثلاً- نعلّل فتكون الجاذبيّة هي علّة السقوط".
واسترسل الصافي قائلاً: "العرب في البادية لم يكونوا ملتفتين الى أنّ اللّغة يجب أن تكون هكذا، لم يقلّلوا من القواعد، نحن الآن عندما نتكلّم نقلّل من القواعد، وهناك مرحلةٌ مهمّة مرّت بها قواعدُ اللّغة العربيّة، والقرآن الكريم اليوم عندما يُقرأ بالإضافة الى الحفظ هناك تذوّق للآيات الكريمة، ولذلك مع القرآن الكريم نصٌّ من اللّغة العربيّة وبعض المسائل الفقهيّة الأخلاقيّة، والقرآن عجيبٌ غريبٌ لا تنقضي عجائبه أصلاً، وفيه من الطراوة والحلاوة ما يعجز الإنسان عن وصفها".
وأضاف: "لذلك أنتم تعيشون مع القرآن الكريم وتتذوّقونه فحالكم حالُ القرآن بالنسبة الى بقيّة الكتب، الذي يُضاف اسمُه الى القرآن يُقال: هذا حافظ القرآن، الذي يُضاف اسمه الى القرآن عظمةُ النكرة تتحدّد بإضافتها الى معرفة، في اللّغة العربيّة (حافظ) نكرة و(عبد) نكرة و(غلام) نكرة، لكن عندما أضيفها تُعرّف، لكن هذه الإضافة تحدّد قيمة هذا الشخص، أقول: هذا عبد الشيطان هذه بئس الإضافة، وتارةً أقول: هذا عبدُ الله فيُضاف هذا العبد أو هذه النكرة تُضاف الى شيءٍ عظيم، (حافظ) مثلاً أقول: حافظ قصّة، لكن حين أقول: حافظ القرآن، عنما يُضاف هذا الاسم -اسم الفاعل حافظ- يُضاف الى القرآن ما أجملها من إضافة".
وتابع السيّد الصافي قائلاً: "في يوم المبعث ذلك اليوم الذي بعث الله تعالى فيه نبيّنا(صلّى الله عليه وآله)، وهذا البَعْث بالإضافة الى وضعيّة النبيّ أنّه كان يعلّم وكان يزكّي وكان يربّي ويأخذ بأيدي هؤلاء من خلال القرآن الكريم، فهنيئاً للإخوة الأعزّاء بالقيام بهذه الوظيفة الشريفة النقيّة، التي هي امتدادٌ لوظيفة النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، وأنتم تعلمون أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله) قال: (إنّما بُعِثتُ معلّماً)، النبيّ(صلّى الله عليه وآله) دخل الى مسجدٍ فوجد جماعةً في المسجد يتدارسون جلس معهم، قال: (إنّما بُعِثتُ معلّماً)، (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)، وأنتم تتعلّمون القرآن وتحفظون القرآن، وهذا جهدٌ بنفسه هو جهدٌ مباركٌ وكريم وتُشكرون عليه".
وأشار: "النقطة الختاميّة التي أريد أن أبيّنها هي هذا الأمر، هو أمرُ الأخذ بيد الشابّ الذي طاقاته متفتّحة وعقله ناضج، استكثروا من الأخذ فكلّ وقتٍ يمضي بلا فائدة سيندم عليه الإنسان في الدنيا والآخرة، الإنسان عندما يستذكر تاريخه سيندم على لحظاتٍ من الوقت قُضيت بلا فائدة، ويتمنّى أن يعود به الزمن وأنّى له ذلك حتّى يستكثر من الخير، استكثروا من كلّ شيء ينفع، وهذه الأوقات التي تنتفعون بها طبعاً سترجع عليكم بالبركة الكثيرة، وأجدّد كلامي انقلوا كلّ معرفةٍ الى الآخرين، والعلم الذي تنقلونه سيزداد ويزكو على عكس المال، العلمُ عندما تنفقه يزداد وهذه العلاقة علاقة طرديّة بين العلم والإنفاق على عكس المال".
وخاطب السيّد الصافي الطلبةَ بالقول: "ابذلوا جهداً كبيراً وأرشدوا الناس وعلّموا الناس، وخصوصاً أنّ القرآن الكريم -كما قلت- يُستهدف، وأنتم كونوا من حماة القرآن الكريم، وجزءٌ من حمايته أن الآيات مستحضرة دائما في بالكم، ونعم العمل الذي تعملونه".
واختتم قائلاً: "الشكر الى جميع الجامعات التي تفاعلت مع هذا المشروع، وأبدت رغبةً حقيقيّة في أن تهيّئ مكاناً أو على الأقلّ التهيئة النفسيّة، فعندما يرشد الأستاذ الى أهمّية تدارس القرآن وحفظه قطعاً سيحفّز ذلك في الطالب، لأنّ الطالب يسمع من أستاذه أكثر ممّا يسمع من أبيه، فالذين مارسوا هذا العمل بأنفسهم حقيقةً لهم الثناء والشكر الجزيل، وبالنهاية أعمالكم تردّ اليكم، وهذا العمل هو لكم، فشكر الله سعي الجميع، ونرجو مستقبلاً زاهراً لأبنائنا الطلبة الأعزّاء، حقيقةً عندكم قابليّات كثيرة فلا تستصغروا ما عندكم، فقط الرعاية مطلوبة وإن شاء الله نحن في العتبة العبّاسيّة المقدّسة نسعى الى الرعاية، والجهد حقيقةً هو لكم وهذه الطاقات التي نسمع بين فترةٍ وأخرى أنّكم تحصدون جوائز سواء محليّة أو خارجيّة، في الفترات الأخيرة تبيّن والحمد لله أنّ هناك مجموعة من الأصوات الرائعة التي نستأنس بأن نسمعها وهي تتغنّى بالقرآن الكريم، وهذا أسلوب القراءة فيه مدارس قرآنيّة فحافظوا عليها حتّى تجعلوا السامع يضطرّ الى أن يسمعها، وابتعدوا عن الأصوات النشاز التي قد تنفّر من السماع -والعياذ بالله-، (زيّنوا القرآن بأصواتكم) كما ورد في الحديث الشريف أو (اقرأوا القرآن بحزنٍ لأنّه نزل بحزن)، هذه أشبه بالوعاء لحفظ القرآن الكريم، دعاؤنا لكم بالتسديد والموفقيّة وشكراً لكلّ الأساتذة سواءً أساتذة جامعات أو الأساتذة الذين كانوا في خدمة الإخوة وتحمّلوا ما تحمّلوا من أجل أن ينجح هذا المشروع القرآنيّ، والقرآن يبدأ ولا ينتهي، كلّما أخذنا من القرآن شيئاً وجدنا أنّنا بحاجة لأخذ أشياء أخرى منه".
تعليقات القراء
لايوجد تعليقات لعرضها
إضافة تعليق
الإسم:
الدولة:
البريد الإلكتروني:
إضافة تعليق ..: