قال تعالى: ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ))، إنّ الله سبحانه وتعالى جعل لعباده المؤمنين فُرصاً في أوقاتٍ مخصوصة يتسابقون فيها إلى الخيرات، ويُكثرون من العبادات، ويجأرون إلى الله بالذّكر والتضرّع والدعوات، ومن هذه الفرص الثمينة والمواسم القيّمة شهرُ رمضان المبارك، شهرُ القرآن والخير والبركة والصدقة والدعاء، إنّه شهرُ القيام، إنّه شهرُ الإحسان، إنّه شهرُ العتق من النيران لمن تاب وأناب إلى الله سبحانه وتعالى.
أيّها المؤمنون: ينبغي لنا أن نعيش بعض الوقت مع هذا الشهر العظيم المبارك، ومع هذا الضيف العزيز الخفيف الذي ما إن يحلّ بيننا سرعان ما يمرّ من بين أيدينا، فلقد كنّا نقول منذ يومين أو ثلاثة: غداً أو بعد غدٍ رمضان، وسوف نقول بعد أيّام: لقد انتهى شهر رمضان، وها هي أيّام الخير، وها هي أيّام البركات والرحمات تولّي سريعةً من بين أيدينا وظهرانينا، فالله الله في هذه الأيّام، الله الله في شهر القرآن، الله الله في شهر الصيام، الله الله في شهر القيام... فقد جاء في خطبة الرسول الأعظم(صلّى الله عليه وآله) التي استقبل فيها شهرَ رمضان، كما رواها الحرّ العاملي في وسائل الشيعة (ج10/ص313) قال(صلّى الله عليه وآله):
(...إنّه قد أقبل إليكم شهرُ الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهرٌ هو عند الله أفضلُ الشهور، وأيّامُهُ أفضلُ الأيّام، ولياليه أفضلُ الليالي، وساعاتُهُ أفضلُ الساعات، هو شهرٌ دُعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجُعِلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسُكُم فيه تسبيح، ونومُكُم فيه عبادة، وعملُكُم فيه مقبول، ودعاؤُكُم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربّكم بنيّاتٍ صادقةٍ، وقلوبٍ طاهرةٍ، أن يوفّقكم لصيامِهِ وتلاوةِ كتابِهِ.
فإنّ الشقيّ مَنْ حُرم غفرانَ اللهِ في هذا الشهرِ العظيم، واذكروا بجوعِكم وعَطشِكم جوعَ يومِ القيامةِ وعطشَه، وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقّروا كبارَكم وارحموا صغارَكم، وصِلُوا أرحامكم واحفظوا ألسنتكم، وغضّوا عمّا لا يحلّ النظرُ إليه أبصارَكم، وعمّا لا يحلّ الاستماعُ إليه أسماعَكم، وتحنّنوا على أيتام الناس كما يُتَحنَّنُ على أيتامكم، وتوبوا الى الله من ذنوبكم وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء...).